شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 23975اتَّقِ اللَّهَ بَعْضَ التُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّيقال في المثل ما لا يدرك كله لا يترك كله. فالواجب على من عسرت عليه التقوى بأجمعها أن يتقي الله في البعض و أن يجعل بينه و بينه سترا و إن كان رقيقا. و في أمثال العامة اجعل بينك و بين الله روزنة و الروزنة لفظة صحيحة معربة أي لا تجعل ما بينك و بينه مسدودا مظلما بالكلية
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24076إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُهذا نحو أن يورد الإنسان إشكالا في بعض المسائل النظرية بحضرة جماعة من أهل النظر فيتغالب القوم و يتسابقون إلى الجواب عنه كل منهم يورد ما خطر له. فلا ريب أن الصواب يخفى حينئذ و هذه الكلمة في الحقيقة أمر للناظر البحاث أن يتحرى الإنصاف في بحثه و نظره مع رفيقه و ألا يقصد المراء و المغالبة و القهر
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24177إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِقد تقدم الكلام في هذا المعنى و
جاء في الخبر من أوتي نعمة فأدى حق الله منها برد اللهفة و إجابة الدعوة و كشف المظلمة كان جديرا بدوامها و من قصر قصر به
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24278إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدُرَةُ قَلَّتِ الشَّهْوَةُهذا مثل قولهم كل مقدور عليه مملول و مثل قول الشاعر
و كل كثير عدو الطبيعة
و مثل قول الآخر(20/41)
و أخ كثرت عليه حتى ملني و الشي ء مملول إذا هو يرخص يا ليته إذ باع ودي باعه ممن يزيد عليه لا من ينقو لهذا الحكم علة في العلم العقلي و ذلك أن النفس عندهم غنية بذاتها مكتفية بنفسها غير محتاجة إلى شي ء خارج عنها و إنما عرضت لها الحاجة و الفقر إلى ما هو خارج عنها لمقارنتها الهيولى و ذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر و الحاجة و لما كان الإنسان ركبا من النفس و الهيولى عرض له الشوق إلى تحصيل العلوم و القنيات لانتفاعه بهما و التذاذه بحصولهما فأما العلوم فإنه يحصلها في شبيه بالخزانة له يرجع إليها متى شاء و يستخرج منها ما أراد أعني القوى النفسانية التي هي محل الصور و المعاني على ما هو مذكور في موضعه و أما القنيات و المحسوسات شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 79فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك و أن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن يقتني منها و إنما حرص على ما منع لأن الإنسان إنما يطلما ليس عنده لأن تحصيل الحاصل محال و الطلب إنما يتوجه إلى المعدوم لا إلى الموجود فإذا حصله سكن و علم أنه قد ادخره و متى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات خزنه و تشوق إلى شي ء آخر منه و لا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها و ما لا نهاية له فا مطمع في تحصيله و لا فائدة في النزوع إليه و لا وجه لطلبه سواء كان معلوما أو محسوسا فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم و من المقتنيات إلى ضرورات البدن و مقيماته و يعدل عن الاستكثار منها فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها غير ممكن و كلما فضل عن الحاجة و قدر الكفاية فهو مادة الأحزان و الهموم و ضروب المكاره و الغلط في هذا الباب كثير و سبب ذلك طمع الإنسان في الغنى من معدن الفقر لأن الفقر هو الحاجة و الغنى هو الاستقلال إلى أن يحتاج إليه و لذلك قيل إن الله تعالى غني مطلقا لأنه(20/42)
غير محتاج البتة فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر حاجاته بحسب كثرة قنياته و على قدرها رغبه إلى الاستكثار بكثرة وجوه فقره و قد بين ذلك في شرائع الأنبياء و أخلاق الحكماء فأما الشي ء الرخيص الموجود كثيرا فإنما يرغب عنه لأنه معلوم أنه إذا التمس وجد و الغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان و يصيبه اواحد بعد الواحد و كل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه و ليحصل له ما لا يحصل لغيره شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24380احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍهذا أمر بالشكر على النعمة و ترك المعاصي فإن المعاصي تزيل النعم كما قيل
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
و قال بعض السلف كفران النعمة بوار و قلما أقلعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر و استدم راهنها بكرم الجوار و لا تحسب أن سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل عنك إذا أنت لم ترج لله وقارا. و قال أبو عصمة شهدت سفيان و فضيلا فما سمعتهما يتذاكران إلا النعم يقولان أنعم الله سبحانه علينا بكذا و فعل بنا كذا. و قال الحسن إذا استوى يوماك فأنت ناقص قيل له كيف ذاك قال إن زادك الله اليوم نعما فعليك أن تزداد غدا له شكرا. و كان يقال الشكر جنة من الزوال و أمنة من الانتقال. و كان يقال إذا كانت النعمة وسيمة فاجعل الشكر لها تميمة
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24481الْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ مثل هذا المعنى قول أبي تمام لابن الجهمإلا يكن نسب يؤلف بيننا أدب أقمناه مقام الوالدأو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
و من قصيدة لي في بعض أغراضي
و وشائج الآداب عاطفة الفضلاء فوق وشائج النسب(20/43)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24582مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُهذا قد تقدم في وصيته ع لولده الحسن. و من كلام بعضهم إني لأستحيي أن يأتيني الرجل يحمر وجهه تارة من الخجل أو يصفر أخرى من خوف الرد قد ظن بي الخير و بات عليه و غدا علي أن أرده خائبا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24683أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِلا ريب أن الثواب على قدر المشقة لأنه كالعوض عنها كما أن العوض الحقيقي عوض عن الألم و لهذا
قال ص أفضل العبادة أحمزها
أي أشقها شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 8247عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَ حَلِّ الْعُقُودِ وَ نَقْضِ الْهِمَمِ
هذا أحد الطرق إلى معرفة البارئ سبحانه و هو أن يعزم الإنسان على أمر و يصمم رأيه عليه ثم لا يلبث أن يخطر الله تعالى بباله خاطرا صارفا له عن ذلك الفعل و لم يكن في حسابه أي لو لا أن في الوجود ذاتا مدبرة لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن محتسبة و هذا فصل يتضمن كلاما دقيقا يذكره المتكلمون في الخاطر الذي يخطر من غير موجب لخطوره فإنه لا يجوز أن يكون الإنسان أخطره بباله و إلا لكان ترجيحا من غير مرجح لجانب الوجود على جانب العدم فلا بد أن يكون المخطر له بالبال شيئا خارجا عن ذات الإنسان و ذاك هو الشي ء المسمى بانع العالم. و ليس هذا الموضع مما يحتمل استقصاء القول في هذا المبحث. و يقال إن عضد الدولة وقعت في يده قصة و هو يتصفح القصص فأمر بصلب صاحبها ثم أتبع الخادم خادما آخر يقول له قل للمطهر و كان وزيره لا يصلبه و لكن أخرجه من الحبس فاقطع يده اليمنى ثم أتبعه خادما ثالثا فقال بل تقول له يقطع أعصاب رجليه ثم أتبعه خادما آخر فقال له ينقله إلى القلعة بسيراف في قيوده فيجعله هناك فاختلفت دواعيه في ساعة واحدة أربع مرات(20/44)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24885مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الآْخِرَةِ وَ حَلَاوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الآْخِرَةِلما كانت الدنيا ضد الآخرة وجب أن يكون أحكام هذه ضد أحكام هذه كالسواد يجمع البصر و البياض يفرق البصر و الحرارة توجب الخفة و البرودة توجب الثقل فإذا كان في الدنيا أعمال هي مرة المذاق على الإنسان قد ورد الشرع بإيجابها فتلك الأفعال تقتضي و توجب لفاعلها ثوابا حلو المذاق في الآخرة. و كذاك بالعكس ما كان من المشتهيات الدنياوية التي قد نهى الشرع عنها توجب و إن كانت حلوة المذاق مرارة العقوبة في الآخرة
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 24986فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ وَ الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ وَ الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ وَ الْحَجَّ تَقْوِيَةً لِلدِّينِ وَ الْجِهَادعِزّاً لِلْإِسْلَامِ وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرْكَ الزِّنَا تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وَ تَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَ الشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَى الْمُجَاحَدَاتِ وَ تَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَ السَّلَامَ أَمَاناً مِنَ الْمَخَاوِفِ وَ الْإِمَامَةِ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَ الطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ(20/45)