ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
و قال طاهر بن الحسين بن مصعب
و يكفيك من قوم شواهد أمرهم فخذ صفوهم قبل امتحان الضمائرفإن امتحان القوم يوحش منهم و ما لك إلا ما ترى في الظواهرو إنك إن كشفت لم تر مخلصا و أبدى لك التجريب خبث السرائر
و كان يقال بعض التغافل فضيلة و تمام الجود الإمساك عن ذكر المواهب و من الكرم أن تصفح عن التوبيخ و أن تلتمس ستر هتك الكريم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21945مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُقد سبق منا قول كثير في الحياء
فصل في الحياء و ما قيل فيه
و كان يقال الحياء تمام الكرم و الحلم تمام العقل. و قال بعض الحكماء الحياء انقباض النفس عن القبائح و هو من خصائص الإنسان لأنه لا يوجد في الفرس و لا في الغنم و البقر و نحو ذلك من أنواع الحيوانات فهو كالضحك الذي يختص به نوع الإنسان و أول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان الحياء و قد جعله الله تعالى في الإنسان ليرتدع به عما تنزع إليه نفسه من القبيح فلا يكون كالبهيمة و هو خلق مركب من جبن و عفة و لذلك لا يكون المستحي فاسقا و لا الفاسق مستحيا لتنافي اجتماع العفة و الفسق و قلما يكون الشجاع مستحيا و المستحي شجاعا لتنافي اجتماع الجبن و الشجاعة و لعزة وجود ذلك ما يجمع الشعراء بين المدح بالشجاعة و المدح بالحياء نحو قول القائل
يجري الحياء الغض من قسماتهم في حين يجري من أكفهم الدم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 46و قال آخركريم يغض الطرف فضل حيائه و يدنو و أطراف الرماح دوان(20/21)


و متى قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ و متى قصد به ترك القبيح فهو مدح لكل أحد و بالاعتبار الأول قيل الحياء بالأفاضل قبيح و بالاعتبار الثاني ورد إن الله ليستحيي من ذي شيبة في الإسلام أن يعذبه أي يترك تعذيبه و يستقبح لكرمه ذلك. فأما الخجل فحيرة تلحق النفس لفرط الحياء و يحمد في النساء و الصبيان و يذم بالاتفاق في الرجال. فأما القحة فمذمومة بكل لسان إذ هي انسلاخ من الإنسانية و حقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيح و اشتقاقها من حافر و قاح أي صلب و لهذه المناسبة قال الشاعر
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة فأعد منها حافرا للأشهب
و ما أصدق قول الشاعر
صلابة الوجه لم تغلب على أحد إلا تكامل فيه الشر و اجتمعا
فأما كيف يكتسب الحياء فمن حق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أجل من نفسه أنه يراه فإن الإنسان يستحيي ممن يكبر في نفسه أن يطلع على عيبه و لذلك لا يستحيي من الحيوان غير الناطق و لا من الأطفال الذين لا يميزون و يستحيي من العالم أكثر مما يستحيي من الجاهل و من الجماعة أكثر مما يستحيي من الواحد و الذين يستحيي الإنسان منهم ثلاثة البشر و نفسه و الله تعالى أما البشر فهم أكثر شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 47من يستحيي منه الإنسان في غالب الناس ثم نفسه ثم خالقه و ذلك لقلة توفيقه و سوء اختياره. و اعلم أن من استحيا من الناس لم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره و من استحيا منهما و لم يستحي من الله تعالى فليس عارفا لأنه لو كان عارفا بالله لما استحيا من المخلوق دون الخالق أ لا ترى أن الإنسان لا بد أن يستحيي من الذي يعظمه و يعلم أنه يراه أو يستمع بخبره فيبكته و من لا يعرف الله تعالى كيف يستعظمه و كيف يعلم أنه يطلع عليه و
في قول رسول الله ص استحيوا من الله حق الحياء(20/22)


أمر في ضمن كلامه هذا بمعرفته سبحانه و حث عليها و قال سبحانه أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى تنبيها على أن العبد إذا علم أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب. و سئل الجنيد رحمه الله عما يتولد منه الحياء من الله تعالى فقال أن يرى العبد آلاء الله سبحانه و نعمه عليه و يرى تقصيره في شكره. فإن قال قائل فما معنى
قول النبي ص من لا حياء له فلا إيمان له
قيل له لأن الحياء أول ما يظهر من أمارة العقل في الإنسان و أما الإيمان فهو آخر المراتب و محال حصول المرتبة الآخرة لمن لم تحصل له المرتبة الأولى فالواجب إذن أن من لا حياء له فلا إيمان له. و
قال ع الحياء شعبة من الإيمان
و قال الإيمان عريان و لباسه التقوى و زينته الحياء
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 22048بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ وَ بِالنَّصَفَةِ يَكْثُرُ الْمُوَاصِلُونَ وَ بِالْإِفْضَالِ تَعْظُمُ الْأَقْدَارُ وَ بِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ وَ بِاحْتِمَالِ الْمُؤَنِ يَجِبُ السُّؤْدُدُ وَ بِالسِّيرَةِلْعَادِلَةِ يُقْهَرُ الْمُنَاوِئُ وَ بِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِيهِ تَكْثُرُ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِ
قال يحيى بن خالد ما رأيت أحدا قط صامتا إلا هبته حتى يتكلم فإما أن تزداد تلك الهيبة أو تنقص و لا ريب أن الإنصاف سبب انعطاف القلوب إلى المنصف و أن الإفضال و الجود يقتضي عظم القدر لأنه إنعام و المنعم مشكور و التواضع طريق إلى تمام النعمة و لا سؤدد إلا باحتمال المؤن كما قال أبو تمام
و الحمد شهد لا ترى مشتاره يجنيه إلا من نقيع الحنظل غل لحامله و يحسبه الذي لم يوه عاتقه خفيف المحملو السيرة العادلة سبب لقهر الملك الذي يسير بها أعداءه و من حلم عن سفيه و هو قادر على الانتقام منه نصره الناس كلهم عليه و اتفقوا كلهم على ذم ذلك السفيه و تقبيح فعله و الاستقراء و اختبار العادات تشهد بجميع ذلك(20/23)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 22149الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلَامَةِ الْأَجْسَادِإنما لم يحسد الحاسد على صحة الجسد لأنه صحيح الجسد فقد شارك في الصحة و ما يشارك الإنسان غيره فيه لا يحسده عليه و لهذا أرباب الحسد إذا مرضوا حسدوا الأصحاء على الصحة. فإن قلت فلما ذا تعجب أمير المؤمنين ع قلت لكلامه ع وجه و هو أن الحسد لما تمكن في أربابه و صار غريزة فيهم تعجب كيف لا يتعدى هذا الخلق الذميم إلى أن يحسد الإنسان غيره على ما يشاركه فيه فإن زيدا إذا أبغض عمرا بغضا شديدا ود أن تزول عنه نعمته إليه و إن كان ذا نعمة كنعمته بل ربما كان أقوى و أحسن حالا. و يجوز أن يريد معنى آخر و هو تعجبه من غفلة الحساد على أن الحسد مؤثر في سلامة أجسادهم و مقتض سقمهم و هذا أيضا واضح
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 22250الطَّامِعُ فِي وِثَاقِ الذُّلِّ من أمثال البحتري قولهو اليأس إحدى الراحتين و لن ترى تعبا كظن الخائب المكدود
و كان يقال ما طمعت إلا و ذلت يعنون النفس. و في البيت المشهور
تقطع أعناق الرجال المطامع
و قالوا عز من قنع و ذل من طمع. و قد تقدم القول في الطمع مرارا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 22351وَ قَالَ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِقد تقدم قولنا في هذه المسألة و هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة بعينه لأن العمل بالأركان عندنا داخل في مسمى الإيمان أعني فعل الواجبات فمن لم يعمل لم يسم مؤمنا و إن عرف بقلبه و أقر بلسانه و هذا خلاف قول المرجئة من الأشعرية و الإمامية و الحشوية. فإن قلت فما قولك في النوافل هل هي داخلة في مسمى الإيمان أم لا قلت في هذا خلاف بين أصحابنا و هو مستقصى في كتبي الكلامية(20/24)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 22452مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللَّهِ سَاخِطاً وَ مَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ وَ مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُث دِينِهِ وَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ كَانَ مِمَّنْ يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَ مَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ هَمٍّ لَا يُغِبُّهُ وَ حِرْصٍ لَا يَتْرُكُهُ وَ أَمَلٍ لَا يُدْرِكُهُ(20/25)

111 / 150
ع
En
A+
A-