مثل قوله الجود حارس الأعراض قولهم كل عيب فالكرم يغطيه و الفدام خرقة تجعل على فم الإبريق فشبه الحلم بها فإنه يرد السفيه عن السفه كما يرد الفدام الخمر عن خروج القذى منها إلى الكأس. فأما و العفو زكاة الظفر فقد تقدم أن لكل شي ء زكاة و زكاة الجاه رفد المستعين زكاة الظفر العفو. و أما السلو عوضك ممن غدر فمعناه أن من غدر بك من أحبائك و أصدقائك فاسل عنه و تناسه و اذكر ما عاملك به من الغدر فإنك تسلو عنه و يكون ما استفدته من السلو عوضا عن وصاله الأول قال الشاعر شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 3أعتقني سوء ما صنعت من الرق فيا بردها على كبدي فصرت عبدا للسوء فيك و ما أحسن سوء قبلي إلى أحدو قد سبق القول في الاستشارة و إن المستغني برأيه مخاطر و كذلك القول في الصبر و المناضلة المراماة. و كذلك القول في الجزع و أن الإنسان إذا جزع عند المصيبة فقد أعان الزمان على نفسه و أضاف إلى نفسه مصيبة أخرى. و سبق أيضا القول في المنى و أنها من بضائع النوكى. و كذلك القول في الهوى و أنه يغلب الرأي و يأسره. و كذلك القول في التجربة و قولهم من حارب المجرب حلت به الندامة و إن من أضاع التجربة فقد أضاع عقله و رأيه. و قد سبق القول في المودة و ذكرنا قولهم الصديق نسيب الروح و الأخ نسيب الجسم و سبق القول في الملال. و قال العباس بن الأحنف(20/16)
لو كنت عاتبة لسكن عبرتي أملي رضاك وزرت غير مراقب لكن مللت فلم يكن لي حيلة صد الملول خلاف صد العاتب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 20833عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِقد تقدم القول في العجب و معنى هذه الكلمة أن الحاسد لا يزال مجتهدا في إظهار معايب المحسود و إخفاء محاسنه فلما كان عجب الإنسان بنفسه كاشفا عن نقص عقله كان كالحاسد الذي دأبه إظهار عيب المحسود و نقصه. و كان يقال من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه. و قال مطرف بن الشخير لأن أبيت نائما و أصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما و أصبح نادما
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 20934أَغْضِ عَلَى الْقَذَى وَ الْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداًنظير هذا قول الشاعر
و من لم يغمض عينه عن صديقه و عن بعض ما فيه يمت و هو عاتب و من يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها و لا يسلم له الدهر صاحبو قال الشاعر
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت و أي الناس تصفو مشاربه
و كان يقال أغض عن الدهر و إلا صرعك و كان يقال لا تحارب الأيام و إن جنحت دون مطلوبك منها و اصحبها بسلاسة القياد فإنك إن تصحبها بذلك تعطك بعد المنع و تلن لك بعد القساوة و إن أبيت عليها قادتك إلى مكروه صروفها(20/17)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21035مَنْ لَانَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُتكاد هذه الكلمة أن تكون إيماء إلى قوله تعالى وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ و معنى هذه الكلمة أن من حسن خلقه و لانت كلمته كثر محبوه و أعوانه و أتباعه. و نحوه قوله من لانت كلمته وجبت محبته. و قال تعالى وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ و أصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكمية أعني الشجرة ذات الأغصان حقيقة و ذلك لأن النبات كالحيوان في القوى النفسانية أعني الغاذية و المنمية و ما يخدم الغاذية من القوى الأربع و هي الجاذبة و الماسكة و الدافعة و الهاضمة فإذا كان اليبس غالبا على شجرة كانت أغصانها أخف و كان عودها أدق و إذا كانت الرطوبة غالبة كانت أغصانها أكثر و عودها أغلظ و ذلك لاقتضاء اليبس الذبول و اقتضاء الرطوبة الغلظ و العبالة و الضخامة أ لا ترى أن الإنسان الذي غلب اليبس على مزاجه لا يزال مهلوسا نحيفا و الذي غلبت الرطوبة عليه لا يزال ضخما عبلا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21136الْخِلَافُ يَهْدِمُ الرَّأْيَ هذا مثل قوله ع في موضع آخر لا رأي لمن لا يطاع
و يروى لا إمرة لمن لا يطاع
و في أخبار قصير و جذيمة لو كان يطاع لقصير أمر. و كان يقال اللجاج يشحذ الزجاج و يثير العجاج. و قال دريد بن الصمة
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدفلما عصوني كنت منهم و قد أرى غوايتهم و أنني غير مهتدي
و كان يقال أهدى رأي الرجل ما نفذ حكمه فإذا خولف فسد. و من كلام أفلاطون اللجاج عسر انطباع المعقولات في النفس و ذلك إما لفرط حدة تكون في الإنسان و إما لغلظ طبع فلا ينقاد للرأي(20/18)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21237مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ يجوز أن يريد به من أثرى و نال من الدنيا حظا استطال على الناس. و يجوز أن يريد به من جاد استطال بجوده. يقال نالني فلان بكذا أي جاد به علي و رجل نال أي جواد ذو نائل و مثله رجل طان أي ذو طين و رجل مال أيو مال
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21338فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِمعناه لا تعلم أخلاق الإنسان إلا بالتجربة و اختلاف الأحوال عليه و قديما قيل ترى الفتيان كالنخل و ما يدريك ما الدخل. و قال الشاعر
لا تحمدن امرأ حتى تجربه و لا تذمنه إلا بتجريب
و قالوا التجربة محك و قالوا مثل الإنسان مثل البطيخة ظاهرها مونق و قد يكون في باطنها العيب و الدود و قد يكون طعمها حامضا و تفها. و قالوا للرجل المجرب يمدحونه قد آل وائل عليه. و قال الشاعر يمدح
ما زال يحلب هذا الدهر أشطره يكون متبعا طورا و متبعاحتى استمرت على شزر مريرته مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21439حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّةِإذا حسدك صديقك على نعمة أعطيتها لم تكن صداقته صحيحة فإن الصديق حقا من يجري مجرى نفسك و الإنسان لم يحسد نفسه. و قيل لحكيم ما الصديق فقال إنسان هو أنت إلا أنه غيرك. و أخذ هذا المعنى أبو الطيب فقال
ما الخل إلا من أود بقلبه و أرى بطرف لا يرى بسوائه
و من أدعية الحكماء اللهم اكفني بوائق الثقات و احفظني من كيد الأصدقاء و قال الشاعر
احذر عدوك مرة و احذر صديقك ألف مره فلربما انقلب الصديق فكان أعرف بالمضرهو قال آخر
احذر مودة ماذق شاب المرارة بالحلاوة
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 40يحصي الذنوب عليك أيام الصداقة للعداوو ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال ذاك رجل ليس له صديق في السر و لا عدو في العلانية. و قال الشاعر(20/19)
إذا كان دواما أخوك مصارما موجهة في كل أوب ركائبه فخل له ظهر الطريق و لا تكن مطية رحال كثير مذاهبه
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21541أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِقد تقدم منا قول في هذا المعنى و منه قول الشاعر
طمعت بليلى أن تريع و إنما تقطع أعناق الرجال المطامع
و قال آخر
إذا حدثتك النفس أنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فكذب و إياك و الأطماع إن وعودها رقارق آل أو بوارق خلب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21642لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّهذا مثل قول أصحاب أصول الفقه لا يجوز نسخ القرآن و السنة المتواترة بخبر الواحد لأن المظنون لا يرفع المعلوم. و لفظ الثقة هاهنا مرادف للفظ العلم فكأنه قال لا يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعية لأمر ظني. فإن قلت أ ليس البراءة الأصلية معلومة بالعقل و مع ذلك ترفع بالأمارات الظنية كأخبار الآحاد. قلت ليست البراءة الأصلية معلومة بالعقل مطلقا بل مشروطة بعدم ما يرفعها من طريق علمي أو ظني أ لا ترى أن أكل الفاكهة و شرب الماء معلوم بالعقل حسنه و لكن لا مطلقا بل بشرط انتفاء ما يقتضي قبحه فإنا لو أخبرنا إنسان أن هذه الفاكهة أو هذا الماء مسموم لقبح منا الإقدام على تناولهما و إن كان قول ذلك المخبر الواحد لا يفيد العلم القطعي
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21743بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِقد تقدم من قولنا في الظلم و العدوان ما فيه كفاية. و كان يقال عجبا لمن عومل فأنصف إذا عامل كيف يظلم و أعجب منه من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم. و كان يقال العدو عدوان عدو ظلمته و عدو ظلمك فإن اضطرك الدهر إلى أحدهما فاستعن بالذي ظلمك فإن الآخر موتور
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 21844مِنْ أَشْرَفِ أَفْعَالِ الْكَرِيمِ غَفْلَتُهُ عَمَّا يَعْلَمُكان يقال التغافل من السؤدد و قال أبو تمام(20/20)