شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 100و الثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت إلى بيت المال ثم خرج و نادى مناديه من كانت له مظلمة من بعيد أو قريب من أمير المؤمنين فليحضر فقام رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس و اللحية فقال أسألك كتاب الله قال ما شأنك قال العباس بن اليد بن عبد الملك اغتصبني ضيعتي و العباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد و كتب لي بها سجلا فقال عمر ما تقول أنت أيها الذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله فقال عمر إيها لعمري إن كتاب الله لأحق أن يتبع من كتاب الوليد اردد عليه يا عباس ضيعته فجعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة. و روى ميمون بن مهران قال بعث إلي عمر بن عبد العزيز و إلى مكحول و أبي قلابة فقال ما ترون في هذه الأموال التي أخذها أهلي من الناس ظلما فقال مكحول قولا ضعيفا كرهه عمر فقال أرى أن تستأنف و تدع ما مضى فنظر إلي عمر كالمستغيث بي فقلت يا أمير المؤمنين أحضر ولدك عبد الملك لننظر ما يقول فحضر فقال ما تقول يا عبد الملك فقال ما ذا أقول أ لست تعرف مواضعها قال بلى و الله قال فارددها فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها. و روى ابن درستويه عن يعقوب بن سفيان عن جويرية بن أسماء قال كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة و كانت باليمامة و كانت أمرا عظيما لها غلة عظيمة كثيرة إنما عيشه و عيش أهله منها فلما ولي الخلافة قال لمزاحم مولاه و كان فاضلا إني قد عزمت أن أرد السهلة إلى بيت مال المسلمين فقال مزاحم أ تدري كم ولدك إنهم كذا و كذا قال فذرفت عيناه فجعل يستدمع و يمسح الدمعة بإصبعه الوسطى و يقول أكلهم إلى الله أكلهم إلى الله فمضى مزاحم فدخل على عبد الملك بن عمر فقال له أ لا تعلم ما قد عزم عليه أبوك إنه يريد أن يرد السهلة قال فما قلت شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 101له قال ذكرت له ولده فجعل(18/88)


يستدمع و يقول أكلهم إلى الله فقال عبد الملك بئس وزير الدين أنت ثم وثب و انطلق إلى أبيه فقال للآذن استأذن لي عليه فقال إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة فقال استأذن لي عليه فقال أ ما ترحمونه ل له من الليل و النهار إلا هذه الساعة قال استأذن لي عليه لا أم لك فسمع عمر كلامهما فقال ائذن لعبد الملك فدخل فقال على ما ذا عزمت قال أرد السهلة قال فلا تؤخر ذلك قم الآن قال فجعل عمر يرفع يديه و يقول الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني قال نعم يا بني أصلي الظهر ثم أصعد المنبر فأردها علانية على رءوس الناس قال و من لك أن تعيش إلى الظهر ثم من لك أن تسلم نيتك إلى الظهر إن عشت إليها فقام عمر فصعد المنبر فخطب الناس و رد السهلة. قال و كتب عمر بن الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز لما أخذ بني مروان برد المظالم كتابا أغلظ له فيه من جملته أنك أزريت على كل من كان قبلك من الخلفاء و عبتهم و سرت بغير سيرتهم بغضا لهم و شنآنا لمن بعدهم من أولادهم و قطعت ما أمر الله به أن يوصل و عمدت إلى أموال قريش و مواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا و عدوانا فاتق الله يا ابن عبد العزيز و راقبه فإنك خصصت أهل بيتك بالظلم و الجور و و الذي خص محمد ص بما خصه به لقد ازددت من الله بعدا بولايتك هذه التي زعمت أنها عليك بلاء فأقصر عن بعض ما صنعت و اعلم أنك بعين جبار عزيز و في قبضته و لن يتركك على ما أنت عليه. قالوا فكتب عمر جوابه أما بعد فقد قرأت كتابك و سوف أجيبك بنحو منه أما أول أمرك يا ابن الوليد فإن أمك نباتة أمة السكون كانت تطوف في أسواق حمص و تدخل حوانيتها ثم الله أعلم بها اشتراها ذبيان بن ذبيان من في ء المسلمين فأهداها شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 102لأبيك فحملت بك فبئس الحامل و بئس المحمول ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا و تزعم أني من الظالمين لأني حرمتك و أهل بيتك في ء الله الذي هو حق القرابة و المساكين و(18/89)


الأرامل و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند سلمين تحكم فيهم برأيك و لم يكن له في ذاك نية إلا حب الوالد ولده فويل لك و ويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدم الحرام و يأخذ المال الحرام و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر و أذن له في المعازف و الخمر و الشرب و اللهو و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل عثمان بن حيان على الحجاز فينشد الأشعار على منبر رسول الله ص و من جعل للعالية البربرية سهما في الخمس فرويدا يا ابن نباتة و لو التقت حلقتا البطان و رد الفي ء إلى أهله لتفرغت لك و لأهل بيتك فوضعتكم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق و أخذتم في بنيات الطريق و من وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أعمله بيع رقبتك و قسم ثمنك بين الأرامل و اليتامى و المساكين فإن لكل فيك حقا و السلام علينا و لا نال سلام الله الظالمين. و روى الأوزاعي قال لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان من قبله يجرونه عليهم من أرزاق الخاصة فتكلم في ذلك عنبسة بن سعيد فقال يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة فقال مالي إن يتسع لكم و أما هذا المال فحقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد و لا يمنعه من أخذه إلا بعد مكانه و الله إني لأرى أن الأمور شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 103لو استحالت حتى يصبح أهل الأرض يرون مثل رأيكم لنزلت بهم بائقة من عذاب الله. و روى الأوزاعي أيضا قال قال عمر بن عبد العزيز يوما و قد بلغه عن بني أمية كلام أغضبه إنله في بني أمية يوما أو قال ذبحا و ايم الله لئن كان ذلك الذبح أو قال ذلك اليوم على يدي لأعذرن الله فيهم قال فلما بلغهم ذلك كفوا و كانوا يعلمون صرامته و إنه إذا وقع في أمر مضى فيه. و روى إسماعيل بن أبي حكيم قال قال عمر بن عبد العزيز يوما لحاجبه لا تدخلن(18/90)


علي اليوم إلا مروانيا فلما اجتمعوا قال يا بني مروان إنكم قد أعطيتم حظا و شرفا و أموالا إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم فسكتوا فقال أ لا تجيبوني فقال رجل منهم فما بالك قال إني أريد أن أنتزعها منكم فأردها إلى بيت مال المسلمين فقال رجل منهم و الله لا يكون ذلك حتى يحال بين رءوسنا و أجسادنا و الله لا نكفر أسلافنا و لا نفقر أولادنا فقال عمر و الله لو لا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأضرعت خدودكم قوموا عني. و روى مالك بن أنس قال ذكر عمر بن عبد العزيز من كان قبله من المروانية فعابهم و عنده هشام بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله نكره أن تعيب آباءنا و تضع شرفنا فقال عمر و أي عيب أعيب مما عابه القرآن. و روى نوفل بن الفرات قال شكا بنو مروان إلى عاتكة بنت مروان بن الحكم عمر فقالوا إنه يعيب أسلافنا و يأخذ أموالنا فذكرت ذلك له و كانت عظيمة عند بني مروان فقال لها يا عمة إن رسول الله ص قبض و ترك(18/91)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 104الناس على نهر مورود فولي ذلك النهر بعده رجلان لم يستخصا أنفسهما و أهلهما منه بشي ء ثم وليه ثالث فكرى منه ساقية ثم لم تزل الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه و ايم الله لئن أبقاني الله لأسكرن تلك السواقي حتىيد النهر إلى مجراه الأول قالت فلا يسبون إذا عندك قال و من يسبهم إنما يرفع الرجل مظلمته فأردها عليه. و روى عبد الله بن محمد التيمي قال كان بنو أمية ينزلون عاتكة بنت مروان بن الحكم على أبواب قصورهم و كانت جليلة الموضع عندهم فلما ولي عمر قال لا يلي إنزالها أحد غيري فأدخلوها على دابتها إلى باب قبته فأنزلها ثم طبق لها وسادتين إحداهما على الأخرى ثم أنشأ يمازحها و لم يكن من شأنه و لا من شأنها المزاح فقال أ ما رأيت الحرس الذين على الباب فقالت بلى و ربما رأيتهم عند من هو خير منك فلما رأى الغضب لا يتحلل عنها ترك المزاح و سألها أن تذكر حاجتها فقالت إن قرابتك يشكونك و يزعمون أنك أخذت منهم خير غيرك قال ما منعتهم شيئا هو لهم و لا أخذت منهم حقا يستحقونه قالت إني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا و قال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره ثم دعا بدينار و مجمرة و جلد فألقى الدينار في النار و جعل ينفخ حتى احمر ثم تناوله بشي ء فأخرجه فوضعه على الجلد فنش و فتر فقال يا عمة أ ما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت إلى بني مروان فقالت تزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا نزعوا إلى الشبه جزعتم اصبروا له. و روى وهيب بن الورد قل اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لولد له قل لأبيك يأذن لنا فإن لم يأذن فأبلغ إليه عنا و سأله فلم يأذن لهم و قال شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 105فليقولوا فقالوا قل له إن من كان قبلك من الخلفاء كان يعطينا و يعرف لنا مواضعنا و إن أباك قد حرم ما في يديه فدخل إلى أبيه فأبلغه عنهم فقال اخرج فقل لهم إني أخاف إن(18/92)

11 / 150
ع
En
A+
A-