و روى أبي بن كعب أن رسول الله ص قال إن أنت ضربت مثلا لابن آدم فانظر ما يخرج من ابن آدم و إن كان قزحه و ملحه إلى ما ذا صار
و قال الحسن رحمه الله قد رأيتهم يطيبونه بالطيب و الأفاويه ثم يرمونه حيث رأيتم قال الله عز و جل فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ قال ابن عباس إلى رجيعه. و قال رجل لابن عمر إني أريد أن أسألك و أستحيي فقال لا تستحي و سل قال إذا قضى أحدنا حاجته فقام هل ينظر إلى ذلك منه فقال نعم إن الملك يقول له انظر هذا ما بخلت به انظر إلى ما ذا صار
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19215لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَمثل هذا قولهم إن المصائب أثمان التجارب. و قيل لعالم فقير بعد أن كان غنيا أين مالك قال تجرت فيه فابتعت به تجربة الناس و الوقت فاستفدت أشرف العوضين
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19316إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِهذا قد تكرر و تكرر منا ذكر ما قيل في إجمام النفس و التنفيس عنها من كرب الجد و الإحماض و فسرنا معنى قوله ع فابتغوا لها طرائف الحكمة و قلنا المراد ألا يجعل الإنسان وقته كله مصروفا إلى الأنظار العقلية في البراهين الكلامية و الحكمية بل ينقلها من ذلك أحيانا إلى النظر في الحكمة الخلقية فإنها حكمة لا تحتاج إلى إتعاب النفس و الخاطر. فأما القول في الدعابة فقد ذكرناه أيضا فيما تقدم و أوضحنا أن كثيرا من أعيان الحكماء و العلماء كانوا ذوي دعابة مقتصدة لا مسرفة فإن الإسراف فيها يخرج صاحبه إلى الخلاعة و لقد أحسن من قال(20/6)


أفد طبعك المكدود بالجد راحة تجم و علله بشي ء من المزح و لكن إذا أعطيته ذاك فليكن بمقدار ما يعطى الطعام من المل شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19417وَ قَالَ ع لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْخَوَارِجِ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌمعنى قوله سبحانه إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي إذا أراد شيئا من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين بالقدرة فإنه لا يجب حصول مرادهم إذا أرادوه أ لا ترى ما قبل هذه الكلمة يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ خاف عليهم من الإصابة بالعين إذا دخلوا من باب واحد فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة ثم قال لهم وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ أي إذا أراد الله ب سوءا لم يدفع عنكم ذلك السوء ما أشرت به عليكم من التفرق ثم قال إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ليس حي من الأحياء ينفذ حكمه لا محالة و مراده لما هو من أفعاله إلا الحي القديم وحده فهذا هو معنى هذه الكلمة و ضلت الخوارج عندها فأنكروا على أمير المؤمنين ع موافقته على التحكيم و قالوا كيف يحكم و قد قال الله سبحانه إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فغلطوا لموضع اللفظ المشترك و ليس هذا الحكم هو ذلك الحكم فإذن هي كلمة حق يراد بها باطل لأنها حق على المفهوم الأول و يريد بها الخوارج نفي كل ما يسمى حكما إذا صدر عن غير الله تعالى و ذلك باطل لأن الله تعالى قد أمضى حكم المخلوقين في كثير من الشرائع(20/7)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19518وَ قَالَ ع فِي صِفَةِ الْغَوْغَاءِ هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَ قِيلَ بَلْ قَالَ ع هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِيلَ قَدْ عِمْنَا مَضَرَّةَ اجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ افْتِرَاقِهِمْ فَقَالَ ع يَرْجِعُ أَهْلُ الْمِهَنِ إِلَى مِهَنِهِمْ فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ وَ النَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ وَ الْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ
كان الحسن إذا ذكر الغوغاء و أهل السوق قال قتلة الأنبياء و كان يقال العامة كالبحر إذا هاج أهلك راكبه و قال بعضهم لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق و ينقذون الغريق و يسدون البثوق. و قال شيخنا أبو عثمان الغاغة و الباغة و الحاكة كأنهم أعذار عام واحد أ لا ترى أنك لا تجد أبدا في كل بلدة و في كل عصر هؤلاء بمقدار واحد و جهة واحدة من السخف و النقص و الخمول و الغباوة و كان المأمون يقول كل شر و ظلم في العالم شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19فهو صادر عن العامة و الغوغاء لأنهم قتلة الأنبياء و المغرون بين العلماء و النمون بين الأوداء و منهم اللصوص و قطاع الطريق و الطرارون و المحتالون و الساعون إلى السلطان فإذا كان يوم القيامة حشروا على عادتهم في السعاية فقالوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً(20/8)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19620وَ قَالَ ع وَ قَدْ أُتِيَ بِجَانٍ وَ مَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ لَا مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لَا تُرَى إِلَّا عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةٍأخذ هذا اللفظ المستعين بالله و قد أدخل عليه ابن أبي الشوارب القاضي و معه الشهود ليشهدوا عليه أنه قد خلع نفسه من الخلافة و بايع للمعتز بالله فقال لا مرحبا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا يوم سوء. و قال من مدح الغوغاء و العامة إن
في الحديث المرفوع أن الله ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم
و كان الأحنف يقول أكرموا سفهاءكم فإنهم يكفونكم النار و العار. و قال الشاعر
و إني لأستبقي امرأ السوء عدة لعدوة عريض من الناس جائب أخاف كلاب الأبعدين و هرشها إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19721إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ وَ إِنَّ الْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌقد تقدم هذا و قلنا إنه ذهب كثير من الحكماء هذا المذهب و إن لله تعالى ملائكة موكلة تحفظ البشر من التردي في بئر و من إصابة سهم معترض في طريق و من رفس دابة و من نهش حية أو لسع عقرب و نحو ذلك و الشرائع أيضا قد وردت بمثله و إن الأجل جنة أي درع و لهذا في علم الكلام مخرج صحيح و ذلك لأن أصحابنا يقولون إن الله تعالى إذا علم أن في بقاء زيد إلى وقت كذا لطفا له أو لغيره من المكلفين صد من يهم بقتله عن قتله بألطاف يفعلها تصده عنه أو تصرفه عنه بصارف أو يمنعه عنه بمانع كي لا يقطع ذلك الإنسان بقتل زيد الألطاف التي يعلم الله أنها مقربة من الطاعة و مبعدة من المعصية لزيد أو لغيره فقد بان أن الأجل على هذا التقدير جنة حصينة لزيد من حيث كان الله تعالى باعتبار ذلك الأجل مانعا من قتله و إبطال حياته و لا جنة أحصن من ذلك(20/9)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19822وَ قَالَ ع وَ قَدْ قَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ لَا وَ لَكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُوَّةِ وَ الِاسْتِعَانَةِ وَ عَوْنَانِ عَلَى الْعَجْرِ وَ الْأَدِ قد ذكرنا هذا فيما تقدم حيث شرحنا بيعة المسلمين لعلي ع كيف وقعت بعد مقتل عثمان و لقد أحسن فيما قال لهما لما سألاه أن يشركاه في الأمر فقال أما المشاركة في الخلافة فكيف يكون ذلك و هل يصح أن يدبر أمر الرعية إمامان
و هل يجمع السيفان ويحك في غمد
و إنما تشركاني في القوة و الاستعانة أي إذا قوي أمري و أمر الإسلام بي قويتما أنتما أيضا و إذا عجزت عن أمر أو تأود علي أمر أي اعوج كنتما عونين لي و مساعدين على إصلاحه. فإن قلت فما معنى قوله و الاستعانة قلت الاستعانة هاهنا الفوز و الظفر كانوا يقولون للقامر يفوز قدحه قد جرى ابنا عنان و هما خطان يخطان في الأرض يزجر بهما الطير و استعان الإنسان إذا قال وقت الظفر و الغلبة هذه الكلمة
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 19923أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَ إِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ وَ بَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَ إِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ وَ إِنْ نَسِيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْقد تقدم منا كلام كثير في ذكر الموت و رأى الحسن البصري رجلا يجود بنفسه فقال إن أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله و إن أمرا هذا أوله لجدير أن يخاف من آخره. و من كلامه فضح الموت الدنيا. و قال خالد بن صفوان لو قال قائل الحسن أفصح الناس لهذه الكلمة لما كان مخطئا و قال لرجل في جنازة أ ترى هذا الميت لو عاد إلى الدنيا لكان يعمل عملا صالحا قال نعم قال فإن لم يكن ذلك فكن أنت ذاك(20/10)

108 / 150
ع
En
A+
A-