بالعراق قال افعل فما زلت لمثل ذلك أهلا فلما قدم هانئ العراق قام بأمر البيعة ليزيد بمعونة من المغيرة بن شعبة و هو الوالي بالعراق يومئذ. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 409و أما الحكاية الثانيةكان مال حمل من اليمن إلى معاوية فلما مر بالمدينة وثب عليه الحسين بن علي ع فأخذه و قسمه في أهل بيته و مواليه و كتب إلى معاوية من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا و حللا و عنبرا و طيبا إليك لتودعها خزائن دمشق و تعل بها بعد النهل بني أبيك و إني احتجت إليها فأخذتها و السلام
فكتب إليه معاوية من عند عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن علي سلام عليك أما بعد فإن كتابك ورد علي تذكر أن عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا و حللا و عنبرا و طيبا إلي لأودعها خزائن دمشق و أعل بها بعد النهل بني أبي و أنك احتجت إليها فأخذتها و لم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها إلي لأن الوالي أحق بالمال ثم عليه المخرج منه و ايم الله لو ترك ذلك حتى صار إلي لم أبخسك حظك منه و لكني قد ظننت يا ابن أخي أن في رأسك نزوة و بودي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك و أتجاوز عن ذلك و لكني و الله أتخوف أن تبتلي بمن لا ينظرك فواق ناقة و كتب في أسفل كتابه
يا حسين بن علي ليس ما جئت بالسائغ يوما في العلل أخذك المال و لم تؤمر به إن هذا من حسين لعجل قد أجزناها و لم نغضب لها و احتملنا من حسين ما فعل يا حسين بن علي ذا الأمل لك بعدي وثبة لا تحتمل و بودي أنني شاهدها فإليها منك بالخلق الأجل إنني أرهب أن تصلى بمه قد سبق السيف العذل
و هذه سعة صدر و فراسة صادقة
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 179410ازْجُرِ الْمُسِي ءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ قد قال ابن هانئ المغربي في هذا المعنلو لا انبعاث السيف و هو مسلط في قتلهم قتلتهم النعماء
فأفصح به أبو العتاهية في قوله(19/300)


إذا جازيت بالإحسان قوما زجرت المذنبين عن الذنوب فما لك و التناول من بعيد و يمكنك التناول من قريب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 180411احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَهذا يفسر على وجهين أحدهما أنه يريد لا تضمر لأخيك سوءا فإنك لا تضمر ذاك إلا يضمر هو لك سوءا لأن القلوب يشعر بعضها ببعض فإذا صفوت لواحد صفا لك. و الوجه الثاني أن يريد لا تعظ الناس و لا تنههم عن منكر إلا و أنت مقلع عنه فإن الواعظ الذي ليس بزكي لا ينجع وعظه و لا يؤثر نهيه. و قد سبق الكلام في كلا المعنيين
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 181412اللَّجَاجَةُ تَسُلُّ الرَّأْيَ هذا مشتق من قوله ع لا رأي لمن لا يطاع
و ذلك لأن عدم الطاعة هو اللجاجة و هو خلق يتركب من خلقين أحدهما الكبر و الآخر الجهل بعواقب الأمور و أكثر ما يعتري الولاة لما يأخذهم من العزة بالإثم. و من كلام بعض الحكماء إذا اضطررت إلى مصاحبة السلطان فابدأ بالفحص عن معتاد طبعه و مألوف خلقه ثم استحدث لنفسك طبعا ففرغه في قالب إرادته و خلقا تركبه مع موضع وفاقه حتى تسلم معه و إن رأيته يهوى فنا من فنون المحبوبات فأظهر هواك لضد ذلك الفن ليبعد عنك إرهابه بل و يكثر سكونه إليك و إذا بدا لك منه فعل ذميم فإياك أن تبدأه فيه بقول ما لم يستبذل فيه نصحك و يستدعي رأيك و إن استدعى ذاك فليكن ما تفاوضه فيه بالرفق و الاستعطاف لا بالخشونة و الاستنكاف فيحمله اللجاج المركب في طبع الولاة على ارتكابه فكل وال لجوج و إن علم ما يتعقبه لجاجه من الضرر و أن اجتنابه هو الحسن
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 182413الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ هذا المعنى مطروق جدا و قد سبق لنا فيه قول شاف. و قال الشاعرتعفف و عش حرا و لا تك طامعا فما قطع الأعناق إلا المطامع(19/301)


و في المثل أطمع من أشعب رأي سلالا يصنع سلة فقال له أوسعها قال ما لك و ذاك قال لعل صاحبها يهدي لي فيها شيئا. و مر بمكتب و غلام يقرأ على الأستاذ إن أبي يدعوك فقال قم بين يدي حفظك الله و حفظ أباك فقال إنما كنت أقرأ وردي فقال أنكرت أن تفلح أو يفلح أبوك. و قيل لم يكن أطمع من أشعب إلا كلبه رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفا فألقى نفسه في البئر يطلبه فمات
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 183414ثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ النَّدَامَةُ وَ ثَمَرَةُ الْحَزْمِ السَّلَامَةُقد سبق من الكلام في الحزم و التفريط ما فيه كفاية و كان يقال الحزم ملكة يوجبها كثرة التجارب و أصله قوة العقل فإن العاقل خائف أبدا و الأحمق لا يخاف و إن خاف كان قليل الخوف و من خاف أمرا توقاه فهذا هو الحزم. و كان أبو الأسود الدؤلي من عقلاء الرجال و ذوي الحزم و الرأي و حكى أبو العباس المبرد قال قال زياد لأبي الأسود و قد أسن لو لا ضعفك لاستعملناك على بعض أعمالنا فقال أ للصراع يريدني الأمير قال زياد إن للعمل مئونة و لا أراك إلا تضعف عنه فقال أبو الأسود
زعم الأمير أبو المغيرة إنني شيخ كبير قد دنوت من البلى صدق الأمير لقد كبرت و إنما نال المكارم من يدب على العصايا با المغيرة رب أمر مبهم فرجته بالحزم مني و الدهاو كان يقال من الحزم و التوقي ترك الإفراط في التوقي. لما نزل بمعاوية الموت و قدم عليه يزيد ابنه فرآه مسكتا لا يتكلم بكى و أنشد
لو فات شي ء يرى لفات أبو حيان لا عاجز و لا وكل الحول القلب الأريب و لا تدفع يوم المنية الحي شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 184415مَنْ لَمْ يُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَكَهُ الْجَزَعُقد تقدم لنا قول شاف في الصبر و الجزع. و كان يقال ما أحسن الصبر لو لا أن النفقة عليه من العمر أخذه شاعر فقال
و إني لأدري أن في الصبر راحة و لكن إنفاقي على الصبر من عمري
و قال ابن أبي العلاء يستبطئ بعض الرؤساء(19/302)


فإن قيل لي صبرا فلا صبر للذي غدا بيد الأيام تقتله صبراو إن قيل لي عذرا فو الله ما أرى لمن ملك الدنيا إذا لم يجد عذرا
فإن قلت أي فائدة في قوله ع من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع و هل هذا إلا كقول من قال من لم يجد ما يأكل ضرة الجوع. قلت لو كانت الجهة واحدة لكان الكلام عبثا إلا أن الجهة مختلفة لأن معنى كلامه ع من لم يخلصه الصبر من هموم الدنيا و غمومها هلك من الله تعالى في الآخرة بما يستبدله من الصبر بالجزع و ذلك لأنه إذا لم يصبر فلا شك أنه يجزع و كل جازع آثم و الإثم مهلكة فلما اختلفت الجهة و كانت تارة للدنيا و تارة للآخرة لم يكن الكلام عبثا بل كان مفيدا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 185416وَا عَجَبَا أَنْ تَكُونَ الْخِلَافَةُ بِالصَّحَابَةِ وَ لَا تَكُونَ بِالصَّحَابَةِ وَ الْقَرَابَةِ قال الرضي رحمه الله تعالى و قد روي له شعر قريب من هذا المعنى و هو
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا و المشيرون غيب و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبي و أقرب حديثه ع في النثر و النظم المذكورين مع أبي بكر و عمر أما النثر فإلى عمر توجيهه لأن أبا بكر لما قال لعمر امدد يدك قال له عمر أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها شدتها و رخائها فامدد أنت يدك
فقال علي ع إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها فهلا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك و زاد عليه بالقرابة
و أما النظم فموجه إلى أبي بكر لأن أبا بكر حاج الأنصار في السقيفة
فقال نحن عترة رسول الله ص و بيضته التي تفقأت عنه
فلما بويع احتج على الناس بالبيعة و أنها صدرت عن أهل الحل و العقد
فقال علي ع أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول الله ص و من قومه فغيرك أقرب نسبا منك إليه و أما احتجاجك بالاختيار و رضا الجماعة بك فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت(19/303)


و اعلم أن الكلام في هذا تتضمنه كتب أصحابنا في الإمامة و لهم عن هذا القول أجوبة ليس هذا موضع ذكرها(19/304)

106 / 150
ع
En
A+
A-