العرب و قيل إنه أكل حوارا و أكلت رأته حائلا فلما أراد أن يدنو منها و عجز قالت له كيف تصل إلي و بيني و بينك بعيران. و كان الحجاج عظيم الأكل قال مسلم بن قتيبة كنت في دار الحجاج مع ولده و أنا غلام فقيل قد جاء الأمير فدخل الحجاج فأمر بتنور فنصب و أمر رجلا أن يخبز له خبز الماء و دعا بسمك فأتوه به فجعل يأكل حتى أكل ثمانين جاما من السمك بثمانين رغيفا من خبز الملة. و كان هلال بن أشعر المازني موصوفا بكثرة الأكل أكل ثلاث جفان ثريد و استسقى فجاءوه بقربة مملوءة نبيذا فوضعوا فمها في فمه حتى شربها بأسرها. و كان هلال بن أبي بردة أكولا قال قصابه جاءني رسوله سحرة فأتيته و بين يديه كانون فيه جمر و تيس ضخم فقال دونك هذا التيس فاذبحه فذبحته و سلخته فقال أخرج هذا الكانون إلى الرواق و شرح اللحم و كبه على النار فجعلت كلما استوى شي ء قدمته إليه حتى لم يبق من التيس إلا العظام و قطعة لحم على الجمر فقال لي كلها فأكلها ثم شرب خمسة أقداح و ناولني قدحا فشربته فهزني و جاءته جارية ببرمة فيها ناهضان و دجاجتان و أرغفة فأكل ذلك كله ثم جاءته جارية أخرى بقصعة مغطاة لا أدري ما فيها فضحك إلى الجارية فقال ويحك لم يبق في بطني موضع لهذا فضحكت الجارية و انصرفت فقال لي الحق بأهلك.(19/295)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 401و كان عنبسة بن زياد أكولا نهما فحدث رجل من ثقيف قال دعاني عبيد الله الأحمر فقلت لعنبسة هل لك يا ذبحة و كان هذا لقبة في إتيان الأحمر فمضينا إليه فلما رآه عبيد الله رحب به و قال للخباز ضع بين يدي هذا مثل ما تضع بين يدي أهل الئدة كلهم فجعل يأتيه بقصعة و أهل المائدة بقصعة و هو يأتي عليها ثم أتاه بجدي فأكله كله و نهض القوم فأكل كل ما تخلف على المائدة و خرجنا فلقينا خلف بن عبد الله القطامي فقال له يا خلف أ ما تغديني يوما فقلت لخلف ويحك لا تجده مثل اليوم فقال له ما تشتهي قال تمرا و سمنا فانطلق به إلى منزله فجاء بخمس جلال تمرا و جرة سمنا فأكل الجميع و خرج فمر برجل يبني داره و معه مائة رجل و قد قدم لهم سمنا و تمرا فدعاه إلى الأكل معهم فأكل حتى شكوه إلى صاحب الدار ثم خرج فمر برجل بين يديه زنبيل فيه خبز أرز يابس بسمسم و هو يبيعه فجعل يساومه و يأكل حتى أتى على الزنبيل فأعطيت صاحب الزنبيل ثمن خبزة. و كان ميسرة الرأس أكولا حكي عنه عند المهدي محمد بن المنصور أنه يأكل كثيرا فاستدعاه و أحضر فيلا و جعل يرمي لكل واحد منهما رغيفا حتى أكل كل واحد منهما تسعة و تسعين رغيفا و امتنع الفيل من تمام المائة و أكل ميسرة تمام المائة و زاد عليها. و كان أبو الحسن العلاف والد أبي بكر بن العلاف الشاعر المحدث أكولا دخل يوما على الوزير أبي بكر محمد المهلبي فأمر الوزير أن يؤخذ حماره فيذبح و يطبخ بماء و ملح ثم قدم له على مائدة الوزير فأكل و هو يظنه لحم شرح نهج البغة ج : 18 ص : 402البقر و يستطيبه حتى أتى عليه فلما خرج ليركب طلب الحمار فقيل له في جوفك. و كان أبو العالية أكولا نذرت امرأة حامل إن أتت بذكر تشبع أبا العالية خبيصا فولدت غلاما فأحضرته فأكل سبع جفان خبيصا ثم أمسك و خرج فقيل له إنها كانت نذرت أن تشبعك فقال و الله لو علمت ما شبعت إلى الليل(19/296)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 174403النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا هذه الكلمة قد تقدمت و تقدم منا ذكر نظائرها و العلة في أن الإنسان عدو ما يجهله أنه يخاف من تقريعه بالنقص و بعدم العلم بذلك الشي ء خصوصا إذا ضمه ناد أو جمع من الناس فإنه تتصاغر نفسه عنده إذاضوا فيما لا يعرفه و ينقص في أعين الحاضرين و كل شي ء آذاك و نال منك فهو عدوك شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 175404مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الآْرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِقد قالوا في المثل شر الرأي الدبري. و قال الشاعر
و خير الرأي ما استقبلت منه و ليس بأن تتبعه اتباعا
و ليس المراد بهذا الأمر سرعة فضل الحال لأول خاطر و لأول رأي إن ذلك خطأ و قديما قيل دع الرأي يغب. و قيل كل رأي لم يخمر و يبيت فلا خير فيه. و إنما المنهي عنه تضييع الفرصة في الرأي ثم محاولة الاستدراك بعد أن فات وجه الرأي فذاك هو الرأي الدبري
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 176405مَنْ أَحَدَّ سِنَانَ الْغَضَبِ لِلَّهِ قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِهذا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الكلمة تتضمن استعارة تدل على الفصاحة و المعنى أن من أرهف عزمه على إنكار المنكر و قوي غضبه في ذات الله و لم يخف و لم يراقب مخلوقا أعانه الله على إزالة المنكر و إن كان قويا صادرا من جهة عزيزة الجانب و عنها وقعت الكناية بأشداء الباطل
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 177406إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُما أحسن ما قال المتنبي في هذا المعنى
و إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جباناكل ما لم يكن من الصعب في الأنفس سهل فيها إذا هو كانا
و قال آخر
لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه و أعظم مما حل ما يتوقع
و قال آخر
صعوبة الرزء تلقى في توقعه مستقبلا و انقضاء الرزء أن يقعا(19/297)


و كان يقال توسط الخوف تأمن. و من الأمثال العامية أم المقتول تنام و أم المهدد لا تنام. و كان يقال كل أمر من خير أو شر فسماعه أعظم من عيانه. و قال قوم من أهل الملة و ليسوا عند أصحابنا مصيبين إن عذاب الآخرة المتوعد به إذا حل بمستحقيه وجدوه أهون مما كانوا يسمعونه في الدنيا و الله أعلم بحقيقة ذلك
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 178407آلَةُ الرِّئَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ الرئيس محتاج إلى أمور منها الجود و منها الشجاعة و منها و هو الأهم سعة الصدر فإنه لا تتم الرئاسة إلا بذلك. و كان معاوية واسع الصدر كثير الاحتمال و بذلك بلغ ما بلغسعة الصدر و ما ورد في ذلك من حكايات(19/298)


و نحن نذكر من سعة الصدر حكايتين دالتين على عظم محله في الرئاسة و إن كان مذموما في باب الدين و ما أحسن قول الحسن فيه و قد ذكر عنده عقيب ذكر أبي بكر و عمر فقال كانا و الله خيرا منه و كان أسود منهما. الحكاية الأولى وفد أهل الكوفة على معاوية حين خطب لابنه يزيد بالعهد بعده و في أهل الكوفة هانئ بن عروة المرادي و كان سيدا في قومه فقال يوما في مسجد دمشق و الناس حوله العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا على بيعة يزيد و حاله حاله و ما ذاك و الله بكائن و كان شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 408في القوم غلام من قريش جالسا فتحمل المة إلى معاوية فقال معاوية أنت سمعت هانئا يقولها قال نعم قال فاخرج فأت حلقته فإذا خف الناس عنه فقل له أيها الشيخ قد وصلت كلمتك إلى معاوية و لست في زمن أبي بكر و عمر و لا أحب أن تتكلم بهذا الكلام فإنهم بنو أمية و قد عرفت جرأتهم و إقدامهم و لم يدعني إلى هذا القول لك إلا النصيحة و الإشفاق عليك فانظر ما يقول فأتني به. فأقبل الفتى إلى مجلس هانئ فلما خف من عنده دنا منه فقص عليه الكلام و أخرجه مخرج النصيحة له فقال هانئ و الله يا ابن أخي ما بلغت نصيحتك كل ما أسمع و إن هذا الكلام لكلام معاوية أعرفه فقال الفتى و ما أنا و معاوية و الله ما يعرفني قال فلا عليك إذا لقيته فقل له يقول لك هانئ و الله ما إلى ذلك من سبيل انهض يا ابن أخي راشدا. فقام الفتى فدخل على معاوية فأعلمه فقال نستعين بالله عليه. ثم قال معاوية بعد أيام للوفد ارفعوا حوائجكم و هانئ فيهم فعرض عليه كتابه فيه ذكر حوائجه فقال يا هانئ ما أراك صنعت شيئا زد فقام هانئ فلم يدع حاجة عرضت له إلا و ذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال أراك قصرت فيما طلبت زد فقام هانئ فلم يدع حاجة لقومه و لا لأهل مصره إلا ذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال ما صنعت شيئا زد فقال يا أمير المؤمنين حاجة بقيت قال ما هي قال أن أتولى أخذ البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين(19/299)

105 / 150
ع
En
A+
A-