و جاء في الحديث المرفوع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
و قال أيضا لا يكمل إيمان عبد حتى يترك ما لا بأس به
و قد أخذ هذا المعنى شاعر فقال
و زعمت أنك لا تلوط فقل لنا هذا المقرطق واقفا ما يصنع شهدت ملاحته عليك بريبة و على المريب شواهد لا تدفع شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 162381مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ المعنى أن الأغلب في كل ملك يستأثر على الرعية بالمال و العز و الجاه. و نحو هذا المعنى قولهم من غلب سلب و من عز بز. و نحوه قول أبي الطيبو الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 163382مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ وَ مَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَاقد تقدم لنا قول كاف في المشورة مدحا و ذما و كان عبد الملك بن صالح الهاشمي يذمها و يقول ما استشرت واحدا قط إلا تكبر علي و تصاغرت له و دخلته العزة و دخلتني الذلة فإياك و المشورة و إن ضاقت عليك المذاهب و اشتبهت عليك المسائل و أداك الاستبداد إلى الخطإ الفادح. و كان عبد الله بن طاهر يذهب إلى هذا المذهب و يقول ما حك جلدك مثل ظفرك و لأن أخطئ مع الاستبداد ألف خطإ أحب إلي من أن أستشير و أرى بعين النقص و الحاجة. و كان يقال الاستشارة إذاعة السر و مخاطرة بالأمر الذي ترومه بالمشاورة فرب مستشار أذاع عنك ما كان فيه فساد تدبيرك. و أما المادحون للمشورة فكثير جدا و قالوا خاطر من استبد برأيه. و قالوا المشورة راحة لك و تعب على غيرك. و قالوا من أكثر من المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا و عند الخطإ عاذرا. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 383و قالوا المستشير على طرف النجاح و الاستشارة عزم الأمور. و قالوا المشورة لقاح العقول و رائد الصواب. و من ألفاظهم البديعة ثمرة رأي المشير أحلى من الأري المشور. و قال بشار(19/285)


إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن بعزم نصيح أو مشورة حازم و لا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي عدة للقوادم شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 164384مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يَدِهِقد تقدم القول في السر و الأمر بكتمانه و نذكر هاهنا أشياء أخر. من أمثالهم مقتل الرجل بين لحييه. دنا رجل من آخر فساره فقال إن من حق السر التداني. كان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان قال له أظهره فلو كان فيه خير لما كان مكتوما. حكيم يوصي ابنه يا بني كن جوادا بالمال في موضع الحق ضنينا بالإسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر. و من كلامهم سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرقته. و قال الشاعر
فلا تفش سرك إلا إليك فإن لكل نصيح نصيحاأ لم تر أن غواة الرجال لا يتركون أديما صحيحا
و قال عمر بن عبد العزيز القلوب أوعية الأسرار و الشفاه أقفالها و الألسن مفاتيحها فليحفظ كل امرئ مفتاح سره. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 385و قال بعض الحكماء من أفشى سره كثر عليه المتآمرون. أسر رجل إلى صديق سرا ثم قال له أ فهمت قال له بل جهلت قال أ حفظت قال نسيت. و قيل لرجل كيف كتمانك السر قال أجحد المخبر و أحلف للمستخبر. أنشد الأصمعي قول الشاعر
إذا جاوز الاثنين سر فإنه بنث و تكثير الوشاة قمين
فقال و الله ما أراد بالاثنين إلا الشفتين
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 165386الْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَرُ في الحديث المرفوع أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا و عذاب الآخرةو أتى بزرجمهر فقير جاهل فقال بئسما اجتمع على هذا البائس فقر ينقص دنياه و جهل يفسد آخرته. شاعر
خلق المال و اليسار لقوم و أراني خلقت للإملاق أنا فيما أرى بقية قوم خلقوا بعد قسمة الأرزاقأخذ السيواسي هذا المعنى فقال في قصيدته الطويلة المعروفة بالساسانية
ليت شعري لما بدا يقسم الأرزاق في أي مطبق كنت
قرئ على أحد جانبي دينار(19/286)


قرنت بالنجح و بي كل ما يراد من ممتنع يوجد
و على الجانب الآخر
و كل من كنت له آلفا فالإنس و الجن له أعبد
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 387و قال أبو الدرداء من حفظ ماله فقد حفظ الأكثر من دينه و عرضه. بعضهمو إذا رأيت صعوبة في مطلب فاحمل صعوبته على الدينارتردده كالظهر الذلول فإنه حجر يلين قوة الأحجار
و من دعاء السلف اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر و بطر الغنى
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 166388مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لَا يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَّدَهُعبده بالتشديد أي اتخذه عبدا يقال عبده و استعبده بمعنى واحد و المعني بهذا الكلام مدح من لا يقضي حقه أي من فعل ذلك بإنسان فقد استعبد ذلك الإنسان لأنه لم يفعل معه ذلك مكافاة له عن حق قضاه إياه بل فعل ذلك إنعاما مبتدأ فقد استعبده بذلك. و قال الشاعر في نقيض هذه الحال يخاطب صاحبا له
كن كأن لم تلاقني قط في الناس و لا تجعلن ذكراي شوقاو تيقن بأنني غير راء لك حقا حتى ترى لي حقاو بأني مفوق ألف سهم لك إن فوقت يمينك فوقا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 167389لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِهذه الكلمة قد رويت مرفوعة و
قد جاء في كلام أبي بكر أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم(19/287)


و قال معاوية لشداد بن أوس قم فاذكر عليا فانتقصه فقام شداد فقال الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا غيره على ذلك مضى أولهم و عليه مضى آخرهم أيها الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر و إن الدنيا أكل حاضر يأكل منها البر و الفاجر و إن السامع المطيع لله لا حجة عليه و إن السامع العاصي لله لا حجة له و إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و إذا أراد الله بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم و قضى بينهم فقهاؤهم و جعل المال في سمحائهم و إذا أراد بالعباد شرا عمل عليهم سفهاؤهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و إن من إصلاح الولاة أن تصلح قرناءها ثم التفت إلى معاوية فقال نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق و غشك من أرضاك بالباطل فقطع معاوية عليه كلامه و أمر بإنزاله ثم لاطفه و أمر له بمال فلما قبضه قال أ لست من السمحاء الذين ذكرت فقال إن كان لك مال غير مال المسلمين أصبته حلالا و أنفقته إفضالا فنعم و إن كان مال المسلمين احتجبته دونهم أصبته اقترافا و أنفقته إسرافا فإن الله يقول إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ(19/288)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 168390لَا يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُلعل هذه الكلمة قالها في جواب سائل سأله لم أخرت المطالبة بحقك من الإمامة و لا بد من إضمار شي ء في الكلام على قولنا و قول الإمامية لأنا نحن نقول الأمر حقه بالأفضلية و هم يقولون إنه حقه بالنص و على كلا التقديرين فلا بد من إضمار شي ء في الكلام لأن لقائل أن يل له ع لو كان حقك من غير أن يكون للمكلفين فيه نصيب لجاز ذلك أن يؤخر كالدين الذي يستحق على زيد يجوز لك أن تؤخره لأنه خالص لك وحدك فأما إذا كان للمكلفين فيه حاجة ماسة لم يكن حقك وحدك لأن مصالح المكلفين منوطة بإمامتك دون إمامة غيرك فكيف يجوز لك تأخير ما فيه مصلحة المكلفين فإذن لا بد من إضمار شي ء في الكلام و تقديره لا يعاب المرء بتأخير حقه إذا كان هناك مانع عن طلبه و يستقيم المعنى حينئذ على المذهبين جميعا لأنه إذا كان هناك مانع جاز تقديم غيره عليه و جاز له أن يؤخر طلب حقه خوف الفتنة و الكلام في هذا الموضع مستصى في تصانيفنا في علم الكلام
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 169391الْإِعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ الِازْدِيَادِ قد تقدم لنا قول مقنع في العجب و إنما قال ع يمنع من الازدياد لأن المعجب بنفسه ظان أنه قد بلغ الغرض و إنما يطلب الزيادة من يستشعر التقصير لا من يتخيل الكمال و حقيقة العجب ظن الإنساننفسه استحقاق منزلة هو غير مستحق لها و لهذا قال بعضهم لرجل رآه معجبا بنفسه يسرني أن أكون عند الناس مثلك في نفسك و أن أكون عند نفسي مثلك عند الناس فتمنى حقيقة ما يقدره ذلك الرجل ثم تمنى أن يكون عارفا بعيوب نفسه كما يعرف الناس عيوب ذلك الرجل المعجب بنفسه. و
قيل للحسن من شر الناس قال من يرى أنه خيرهم(19/289)

103 / 150
ع
En
A+
A-