شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 152368مَا كَذَبْتُ وَ لَا كُذِبْتُ وَ لَا ضَلَلْتُ وَ لَا ضُلَّ بِيهذه كلمة قد قالها مرارا إحداهن في وقعة النهروان. و كذبت بالضم أخبرت بخبر كاذب أي لم يخبرني رسول الله ص عن المخدج خبرا كاذبا لأن أخباره ص كلها صادقة. و ضل بي بالضم نحو ذلك أي لم يضللني مضلل عن الصدق و الحق لأنه كان يستند في أخباره عن الغيوب إلى رسول الله ص و هو منزه عن إضلاله و إضلال أحد من المكلفين. فكأنه قال لما أخبرهم عن المخدج و إبطاء ظهوره لهم أنا لم أكذب على رسول الله ص و رسول الله ص لا يكذب فيما أخبرني بوقوعه فإذا لا بد من ظفركم بالمخدج فاطلبوه
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 153369لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّهِ عَضَّةٌهذا من قوله تعالى وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ و إنما قال للبادي لأن من انتصر بعد ظلمه فلا سبيل عليه و من أمثالهم البادي أظلم. فإن قلت فإذا لم يكن باديا لم يكن ظالما فأي حاجة له إلى الاحتراز بقوله البادي قلت لأن العرب تطلق على ما يقع في مقابلة الظلم اسم الظلم أيضا كقوله تعالى وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 154370الرَّحِيلُ وَشِيكٌ الوشيك السريع و أراد بالرحيل هاهنا الرحيل عن الدنيا و هو الموت. و قال بعض الحكماء قبل وجود الإنسان عدم لا أول له و بعده عدم لا آخر له و ما شبهت وجوده القليل المتناهي بين العدمين غير المتناهيين إلا ببرقخطف خطفة خفيفة في ظلام معتكر ثم يخمد و يعود الظلام كما كان
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 155371مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَقد تقدم تفسيرنا لهذه الكلمة في أول الكتاب و معناها من نابذ الله و حاربه هلك يقال لمن خالف و كاشف قد أبدى صفحته(19/280)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 156372اعْتَصِمُوا بِالذِّمَمِ فِي أَوْتَارِهَا أي في مظانها و في مركزها أي لا تستندوا إلى ذمام الكافرين و المارقين فإنهم ليسوا أهلا للاستعصام بذممهم كما قال الله تعالى لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً و قال إِنهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ. و هذه كلمة قالها بعد انقضاء أمر الجمل و حضور قوم من الطلقاء بين يديه ليبايعوه منهم مروان بن الحكم فقال و ما ذا أصنع ببيعتك أ لم تبايعني بالأمس يعني بعد قتل عثمان ثم أمر بإخراجهم و رفع نفسه عن مبايعة أمثالهم و تكلم بكلام ذكر فيه ذمام العربية و ذمام الإسلام و ذكر أن لا دين له فلا ذمام له. ثم قال في أثناء الكلام فاستعصموا بالذمم في أوتارها أي إذا صدرت عن ذوي الدين فمن لا دين له لا عهد له
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 157373عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لَا تُعْذَرُونَ فِي جَهَالَتِهِيعني نفسه ع و هو حق على المذهبين جميعا أما نحن فعندنا أنه إمام واجب الطاعة بالاختبار فلا يعذر أحد من المكلفين في الجهل بوجوب طاعته و أما على مذهب الشيعة فلأنه إمام واجب الطاعة بالنص فلا يعذر أحد من المكلفين في جهالة إمامته و عندهم أن معرفة إمامته تجري مجرى معرفة محمد ص و مجرى معرفة البارئ سبحانه و يقولون لا تصح لأحد صلاة و لا صوم و لا عبادة إلا بمعرفة الله و النبي و الإمام. و على التحقيق فلا فرق بيننا و بينهم في هذا المعنى لأن من جهل إمامة علي ع و أنكر صحتها و لزومها فهو عند أصحابنا مخلد في النار لا ينفعه صوم و لا صلاة لأن المعرفة بذلك من الأصول الكلية التي هي أركان الدين و لكنا لا نسمي منكر إمامته كافرا بل نسميه فاسقا و خارجيا و مارقا و نحو ذلك و الشيعة تسميه كافرا فهذا هو الفرق بيننا و بينهم و هو في اللفظ لا في المعنى(19/281)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 158374مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُنْذُ أُرِيتُهُأي منذ أعلمته و يجب أن يقدر هاهنا مفعول محذوف أي منذ أريته حقا لأن أرى يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل تقول أرى الله زيدا عمرا خير الناس فإذا بنيته للمفعول به قام واحد من الثلاثة مقام الفاعل و وجب أن يؤتى بمفعولين غيره تقول أريت زيدا خير الناس و إن كان أشار بالحق إلى أمر مشاهد بالبصر لم يحتج إلى ذلك و يجوز أن يعني بالحق الله سبحانه و تعالى لأن الحق من أسمائه عز و جل فيقول منذ عرفت الله لم أشك فيه و تكون الرؤية بمعنى المعرفة فلا يحتاج إلى تقدير مفعول آخر و ذلك مثل قوله تعالى وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ أي لا تعرفونهم الله يعرفهم و المراد من هذا الكلام ذكر نعمة الله عليه في أنه منذ عرف الله سبحانه لم يشك فيه أو منذ عرف الحق في العقائد الكلامية و الأصولية و الفقهية لم يشك في شي ء منها و هذه مزية له ظاهرة على غيره من الناس فإن أكثرم أو كلهم يشك في الشي ء بعد أن عرفه و تعتوره الشبه و الوساوس و يران على قلبه و تختلجه الشياطين عما أدى إليه نظره. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 375 قد روي أن النبي ص لما بعثه إلى اليمن قاضيا ضرب على صدره و قال اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه فكان يقول ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين
و روي أن رسول الله ص لما قرأ وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال اللهم اجعلها أذن علي و قيل له قد أجيبت دعوتك(19/282)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 159376وَ قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ قَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْقال الله تعالى وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى. و قال سبحانه وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. و قال بعض الصالحين ألا إنهما نجدا الخير و الشر فجعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. قلت النجد الطريق. و اعلم أن الله تعالى قد نصب الأدلة و مكن المكلف بما أكمل له من العقل من الهداية فإذا ضل فمن قبل نفسه أتى. و قال بعض الحكماء الذي لا يقبل الحكمة هو الذي ضل عنها ليست هي الضالة عنه. و قال متى أحسست بأنك قد أخطأت و أردت ألا تعود أيضا فتخطئ فانظر إلى أصل في نفسك حدث عنه ذلك الخطأ فاحتل في قلعه و ذلك أنك إن لم تفعل ذلك عاد فثبت خطأ آخر و كان يقال كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن كذلك النفس الخالية من الحكمة و كما أن البدن الخالي من النفس ليس يحس ذلك بالبدن شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 377بل الذين لهم حس يحسونه به كذلك افس العديمة للحكمة ليس تحس به تلك النفس بل يحس به الحكماء و قيل لبعض الحكماء ما بال الناس ضلوا عن الحق أ تقول إنهم لم تخلق فيهم قوة معرفة فقال لا بل خلق لهم ذلك و لكنهم استعملوا تلك القوة على غير وجهها و في غير ما خلقت له كالسم تدفعه إلى إنسان ليقتل به عدوه فيقتل به نفسه(19/283)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 160378عَاتِبْ أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ ارْدُدْ شَرَّهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِالأصل في هذا قول الله تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ و روى المبرد في الكامل عن ابن عائشة عن رجل من أهل الشام قال دخلت المدينة فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها و لا ثوبا و لا سمتا و لا دابة منه فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل هذا الحسن بن الحسن بن علي فامتلأ قلبي له بغضا و حسدت عليا أن يكون له ابن مثله فصرت إليه و قلت له أنت ابن أبي طالب فقال أنا ابن ابنه قلت فبك و بأبيك فلما انقضى كلامي قال أحسبك غريبا قلت أجل قال فمل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال واسيناك أو إلى حاجة عاوناك. فانصرفت عنه و ما على الأرض أحد أحب إلي منه. و قال محمود الوراق
إني شكرت لظالمي ظلمي و غفرت ذاك له على علم و رأيته أهدى إلي يدا لما أبان بجهله حلمي رجعت إساءته عليه و إحساني فعاد مضاعف الجر شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 379و غدوت ذا أجر و محمدة و غدا بكسب الظلم و الإثم فكأنما الإحسان كان له و أنا المسي ء إليه في الحكم ما زال يظلمني و أرحمه حتى بكيت له من اقال المبرد أخذ هذا المعنى من قول رجل من قريش قال له رجل منهم إني مررت بآل فلان و هم يشتمونك شتما رحمتك منه قال أ فسمعتني أقول إلا خيرا قال لا قال إياهم فارحم. و قال رجل لأبي بكر لأشتمنك شتما يدخل معك قبرك فقال معك و الله يدخل لا معي
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 161380مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّرأى بعض الصحابة رسول الله ص واقفا في درب من دروب المدينة و معه امرأة فسلم عليه فرد عليه فلما جاوزه ناداه فقال هذه زوجتي فلانة قال يا رسول الله أ و فيك يظن فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم(19/284)