شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 354فقال أخطأ الشاعر إن مرحبا لم يمت و إنما قتله علي بن أبي طالب ع و قال رجل لأعرابي كيف أهلك قال صلبا إن شاء الله. و كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند فقال لرجل ما اسمك فقال عبد الله و خفض فقال ابن من فقال ابن عبد الله و فتح فر بضربه فجعل يقول سبحان الله و يضم فقال مسلمة ويحكم دعوه فإنه مجبول على اللحن و الخطإ لو كان تاركا للحن في وقت لتركه و هو تحت السياط
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 145355هَلَكَ امْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُهذه الكلمة من كلماته المعدودة و كتب النعمان بن عبد الله إلى القاسم بن عبيد الله كتابا يدل فيه بخدمته و يستزيد في رزقه فوقع على ظهره رحم الله امرأ عرف قدره أنت رجل قد أعجبتك نفسك فلست تعرفها فإن أحببت أن أعرفكها عرفتك فكتب إليه النعمان كنت كتبت إلى الوزير أعزه الله كتابا أستزيده في رزقي فوقع على ظهره توقيع ضجر لم يخرج فيه مع ضجره عما ألفته من حياطته و حسن نظره فقال إنه قد حدث لعبده عجب بنفسه و قد صدق أعلى الله قدره لقد شرفني الوزير بخدمته و أعلى ذكري بجميل ذكره و نبه على كفايتي باستكفائه و رفعني و كثرني عند نفسي فإن أعجبت فبنعمته عندي و جميل تطوله علي و لا عجب و هل خلا الوزير من قوم يصطنعهم بعد ملة و يرفعهم بعد خمول و يحدث لهم همما رفيعة و أنفسا عليه و فيهم شاكر و كفور و أرجو أن أكون أشكرهم للنعمة و أقومهم بحقها و قد أطال الله بقاءه إن عرف نفسه و إلا عرفناه إياها فما أنكرها و هي نفس أنشأتها نعمة الوزير و أحدثت فيها ما لم تزل تحدثه في نظرائها من سائر عبيده و خدمه و الله يعلم ما يأخذ به نفسه من خدمة مولاه و ولي نعمته إما عادة و دربة و إما تأدبا و هيبة و إما شكرا و استدامة للنعمة. فلما قرأ القاسم بن عبيد الله كتابه استحسنه و زاد في رزقه(19/270)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 146356وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَنْ يَعِظَهُ لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَ لَا يَنْتَهِي وَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا لَمْ يَأْتِ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَ يُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَ هُوَ أَحَدُهُمْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَ يُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أَجَلِهِ إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وَ إِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ وَ يَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ وَ إِنْ أَصَابَهُ بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وَ إِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَ لَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَ يَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ إِنِ اسْتَغْنَى بَطِرَ وَ فُتِنَ وَ إِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ وَ وَهَنَ يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ وَ يُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وَ سَوَّفَ التَّوْبَةَ وَ إِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ انْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ يَصِفُ الْعِبْرَةَ وَ لَا يَعْتَبِرُ وَ يُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَ لَا يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ وَ مِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى وَ يُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً وَ الْغُرْمَ مَغْنَماً يَخْشَى الْمَوْتَ وَ لَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ يَسْتَعْظِمُ مِنْ(19/271)


مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 357مِنْ نَفْسِهِ وَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ اللَّغْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ يُرْشِدُ نَفْسَهُ وَ يُغْوِي غَيْرَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَ يَعْصِي وَ يَسْتَوْفِي وَ لَا يُوفِي وَ يَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَ لَا يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ
قال الرضي رحمه الله تعالى و لو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة و حكمة بالغة و بصيرة لمبصر و عبرة لناظر مفكر(19/272)


كثير من الناس يرجون الآخرة بغير عمل و يقولون رحمة الله واسعة و منهم من يظن أن التلفظ بكلمتي الشهادة كاف في دخول الجنة و منهم من يسوف نفسه بالتوبة و يرجئ الأوقات من اليوم إلى غد و قد يخترم على غرة فيفوته ما كان أمله و أكثر هذا الفصل للنهي عن أن يقول الإنسان واعظا لغيره ما لم يعلم هو من نفسه كقوله تعالى أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ. فأول كلمة قالها ع في هذا المعنى من هذا الفصل قوله يقول في الدنيا بقول الزاهدين و يعمل فيها بعمل الراغبين. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 358ثم وصف صب هذا المذهب و هذه الطريقة فقال إنه إن أعطي من الدنيا لم يشبع لأن الطبيعة البشرية مجبولة على حب الازدياد و إنما يقهرها أهل التوفيق و أرباب العزم القوي. قال و إن منع منها لم يقنع بما كان وصل إليه قبل المنع. ثم قال يعجز عن شكر ما كان أنعم به عليه ليس يعني العجز الحقيقي بل المراد ترك الشكر فسمى ترك الشكر عجزا و يجوز أن يحمل على حقيقته أي أن الشكر على ما أولى من النعم لا تنتهي قدرته إليه أي نعم الله عليه أجل و أعظم من أن يقام بواجب شكرها. قال و يبتغي الزيادة فيما بقي هذا راجع إلى النحو الأول. قال ينهى و لا ينتهي و يأمر الناس بما لا يأتي هذا كما تقدم. قال يحب الصالحين و لا يعمل عملهم إلى قوله و هو أحدهم و هو المعنى الأول بعينه. قال يكره الموت لكثرة ذنوبه و يقيم على الذنوب و هذا من العجائب أن يكره إنسان شيئا ثم يقيم عليه و لكنه الغرور و تسويف النفس بالأماني. ثم قال إن سقم ظل نادما و إن صح أمن لاهيا فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الآيات. قال يعجب بنفسه إذا عوفي و يقنط إذا ابتلي فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ(19/273)


فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ و مثل الكلمة الأخرى إن أصابه بلاء و إن ناله رخاء. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 359ثم قال تغلبه نفسه على ما يظن و لا يغلبها على ما يستيقن هذه كلمة جليلة عظيمة يقول هو يستيقالحساب و الثواب و العقاب و لا يغلب نفسه على مجانبة و متاركة ما يفضي به إلى ذلك الخطر العظيم و تغلبه نفسه على السعي إلى ما يظن أن فيه لذة عاجلة فوا عجبا ممن يترجح عنده جانب الظن على جانب العلم و ما ذاك إلا لضعف يقين الناس و حب العاجل. ثم قال يخاف على غيره بأدنى من ذنبه و يرجو لنفسه أكثر من عمله ما يزال يرى الواحد منا كذلك يقول إني لخائف على فلان من الذنب الفلاني و هو مقيم على أفحش من ذلك الذنب و يرجو لنفسه النجاة بما لا تقوم أعماله الصالحة بالمصير إلى النجاة به نحو أن يكون يصلي ركعات في الليل أو يصوم أياما يسيرة في الشهر و نحو ذلك. قال إن استغنى بطر و فتن و إن افتقر قنط و وهن قنط بالفتح يقنط بالكسر قنوطا مثل جلس يجلس جلوسا و يجوز قنط يقنط بالضم مثل قعد يقعد و فيه لغة ثالثة قنط يقنط قنطا مثل تعب يتعب تعبا و قناطة فهو قنط و به قرئ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ و القنوط اليأس و وهن الرجل يهن أي ضعف و هذا المعنى قد تكرر. قال يقصر إذا عمل و يبالغ إذا سئل هذا مثل ما
مدح به النبي ص الأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع(19/274)

100 / 150
ع
En
A+
A-