إذا ما تعدت بي و سارت محفة لها أرجل يسعى بها رجلان و ما كنت من فرسانها غير أنها وفت لي لما خانت القدمان نزلت إليها عن سراة حصاني بحكم مشيب أو فراش حصان فقد حملت مني ابن سبعين سالكا سبيلا عليها يسلك الثقل شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 59كما حمل المهد الصبي و قبلها ذعرت أسود الغيل بالنزوان و لي بعدها أخرى تسمى جنازة جنيبة يوم للمنية دان تسير على أقدام أربعة إلى ديار البلى معدودهن ثمان و إني على عيث الردى في جوارحي و ما كف من خطوي و بطش بناني و إن لم يدع ادا مروعا به غير باق من الحدثان تلوم تحت الحجب ينفث حكمه إلى أذن تصغي لنطق لسان لأعلم أني ميت عاق دفنه ذماء قليل في غد هو فان و إن فما للأرض غرثان حائما يراصد من أكلي حضور أوان به شره عم الورى بفجائع تركن فلانا ثاكلا لفلان غدا فاغرا يشكو الطوى و هو راا تلتقي يوما له الشفتان إذا عاضنا بالنسل ممن نعوله تلا أولا منه بمهلك ثان إلى ذات يوم لا ترى الأرض وارثا سوى الله من إنس تراه و جاقوله تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي أي دون الهموم التي قد كانت تعتريني لأجل أحوال الناس. فصدقني رأيي يقال صدقته كذا أي عن كذا و في المثل صدقني سن بكره لأنه لما نفر قال له هدع و هي كلمة تسكن بها صغار الإبل إذا نفرت و المعنى أن هذا الهم صدقني عن الصفة التي يجب أن يكون رأيي عليها و تلك الصفة هي ألا يفكر في شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 60أمر شي ء من الموجودات أصلا إلا الله تعالى و نفسه و فوق هذه الطبقة طبقة أخرى جدا و هي ألا تفكر في شي ء قط إلا في الله وحده و فوق هذه الطبقة طبقة أخرى تجل عن الذكر و التفسير و صلح لأحد من المخلوقين إلا النادر الشاذ و قد ذكرها هو فيما سبق و هو ألا يفكر في شي ء أصلا لا في المخلوق و لا في الخالق لأنه قد قارب أن يتحد بالخالق و يستغني عن الفكر فيه. قوله و صرفني عن هواي أي عن هواي و فكري في تدبير الخلافة و سياسة الرعية و القيام بما يوم(17/51)


به الأئمة. قوله ع و صرح لي محض أمري يروى بنصب محض و رفعه فمن نصب فتقديره عن محض أمري فلما حذف الجار نصب و من رفع جعله فاعلا و صرح كشف أو انكشف. قوله فأفضى بي إلى كذا ليس بمعنى أنه قد كان من قبل يمازج جده باللعب بل المعنى أن همومه الأولى قد كانت بحيث يمكن أن يتخللها وقت راحة أو دعابة لا يخرج بها عن الحق كما كان رسول الله ص يمزح و لا يقول إلا حقا فالآن قد حدث عنده هم لا يمكن أن يتخلله من ذلك شي ء أصلا و مدار الفرق بين الحالتين أعني الأولى و الثانية على إمكان اللعب لا نفس اللعب و ما يلزم من قوله أفضى لك بيهذا الهم إلى انتفاء إمكان اللعب أن تكون همومه الأولى قد كان يمازجها اللعب و لكن يلزم من ذلك أنها قد كانت يمكن ذلك فيها إمكانا محضا على أن اللعب غير منكر إذا لم يكن باطلا أ لا ترى إلى
قول النبي ص المؤمن دعب لعب
و كذلك القول في قوله و صدق لا يشوبه كذب
أي لا يمكن أن يشوبه كذب و ليس المراد بالصدق و الكذب هاهنا مفهومهما المشهورين بل هو من قولهم صدقونا اللقاء و من قولهم حمل عليهم فما كذب قال زهير شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 6ليث بعثر يصطاد الليوث إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
أي أفضى بي هذا الهم إلى أن صدقتني الدنيا حربها كأنه جعل نفسه محاربا للدنيا أي صدقتني الدنيا حربها و لم تكذب أي لم تجبن و لم تخن. أخبر عن شدة اتحاد ولده به فقال وجدتك بعضي قال الشاعر(17/52)


و إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمضو غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره فاستعطفه له الأحنف قال له يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا و عماد ظهورنا و نحن لهم سماء ظليلة و أرض ذليلة فإن غضبوا فأرضهم و إن سألوا فأعطهم فلا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك و يتمنوا موتك. و قيل لابنة الخس أي ولديك أحب إليك قالت الصغير حتى يكبر و المريض حتى يبرأ و الغائب حتى يقدم. غضب الطرماح على امرأته فشفع فيها ولده منها صمصام و هو غلام لم يبلغ عشرا فقال الطرماح
أ صمصام إن تشفع لأمك تلقها لها شافع في الصدر لم يتزحزح هل الحب إلا أنها لو تعرضت لذبحك يا صمصام قلت لها اذبحي أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي تراثي و إياك امرؤ غير مصلح إذا صك وسط القوم رأسك صكة يقول له الناهي ملكت فأسو في الحديث المرفوع إن ريح الولد من ريح الجنة
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 62و في الحديث الصحيح أنه قال لحسن و حسين ع إنكم لتجبنون و إنكم لتبخلون و إنكم لمن ريحان اللهو من ترقيص الأعراب قول أعرابية لولدها
يا حبذا ريح الولد ريح الخزامى في البلدأ هكذا كل ولد أم لم يلد قبلي أحد
و في الحديث المرفوع من كان له صبي فليستصب له
و أنشد الرياشي
من سره الدهر أن يرى الكبدا يمشي على الأرض فلير الولدا(17/53)


فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَيُّ بُنَيَّ وَ لُزُومِ أَمْرِهِ وَ عِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ وَ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَ أَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَ أَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ وَ قَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَ نَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ وَ ذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَ قَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ اعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَ ذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَ آثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَ عَمَّا انْتَقَلُوا وَ أَيْنَ حَلُّوا وَ نَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ وَ حَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ وَ كَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 63فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ وَ لَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ وَ دَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَ الْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ وَ أَسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ
قوله ع و أي سبب أوثق إشارة إلى القرآن لأنه هو المعبر عنه بقوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا. ثم أتى بلفظتين متقابلتين و ذلك من لطيف الصنعة فقال أحي قلبك بالموعظة و أمته بالزهادة و المراد إحياء دواعيه إلى الطاعة و إماتة الشهوات عنه. قوله ع و اعرض عليه أخبار الماضين معنى قد تداوله الناس قال الشاعر
سل عن الماضين إن نطقت عنهم الأجداث و الترك أي دار للبلى نزلوا و سبيل للردي سلكواقوله ع و دع القول فيما لا تعرف(17/54)


من قول رسول الله ص لعبد الله بن عمرو بن العاص يا عبد الله كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم و أماناتهم و صار الناس هكذا و شبك بين أصابعه قال عبد الله فقلت مرني يا رسول الله فقال خذ ما تعرف و دع ما لا تعرف و عليك بخويصة نفسك
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 64قوله و الخطاب فيما لم تكلف من قول رسول الله ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
و قال معاوية في عبد الملك بن مروان و هو حينئذ غلام إن لهذا الغلام لهمة و إنه مع ذلك تارك لثلاث آخذ بثلاث تارك مساءة الصديق جدا و هزلا تارك ما لا يعنيه تارك ما لا يعتذر منه آخذ بأحسن الحديث إذا حدث و بأحسن الاستماع إذا حدث و بأهون الأمرين إذا خولف. قوله ع و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته مأخوذ من
قول النبي ص دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
و في خبر آخر إذا رابك أمر فدعه
وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَ أَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَ لِسَانِكَ وَ بَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَ جَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَ لَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَ خُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَ تَفَقَّهْ فِي الدِّينِ وَ عَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَ نِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ وَ أَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَ مَانِعٍ عَزِيزٍ وَ أَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَ الْحِرْمَانَ وَ أَكْثِرِ الِاسْتِخَارَةَ وَ تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ(17/55)

99 / 150
ع
En
A+
A-