قال أبو الفرج و حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد قال حدثني الفضل بن الحسن البصري قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال خطب معاوية بالكوفة حين دخلها و الحسن و الحسين ع جالسان تحت المنبر فذكر عليا ع شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 47فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين ع ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك عتبة بن ربيعة و جدتخديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قديما و حديثا و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد آمين
قال الفضل قال يحيى بن معين و أنا أقول آمين. قال أبو الفرج قال أبو عبيد قال الفضل و أنا أقول آمين و يقول علي بن الحسين الأصفهاني آمين. قلت و يقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب آمين. قال أبو الفرج و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة و بين يديه خالد ابن عرفطة و معه حبيب بن حماد يحمل رايته فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل و اجتمع الناس إليه.(17/41)
قال أبو الفرج فحدثني أبو عبيد الصيرفي و أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن علي بن خلف عن محمد بن عمرو الرازي عن مالك بن سعيد عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال بينما علي بن أبي طالب ع على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال لا و الله ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد و أشار إلى باب الفيل و معه راية ضلالة يحملها حبيب بن حماد قال فوثب رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حماد و أنا لك شيعة فقال شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 48فإنه كما أقول فو اللهقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حماد قال أبو الفرج و قال مالك بن سعيد و حدثني الأعمش بهذا الحديث قال حدثني صاحب هذه الدار و أشار إلى دار السائب أبي عطاء إنه سمع عليا ع يقول هذا
قال أبو الفرج فلما تم الصلح بين الحسن و معاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاءه و كان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف و رجلاه تخطان في الأرض و ما في وجهه طاقة شعر و كان يسمى خصي الأنصار فلما أرادوا إدخاله إليه قال إني حلفت ألا ألقاه إلا و بيني و بينه الرمح أو السيف فأمر معاوية برمح و سيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه. قال أبو الفرج و قد روي أن الحسن لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف فارس فأبى أن يبايع فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن فقال أ في حل أنا من بيعتك فقال نعم فألقي له كرسي و جلس معاوية على سرير و الحسن معه فقال له معاوية أ تبايع يا قيس قال نعم و وضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية فجاء معاوية من سريره و أكب على قيس حتى مسح يده على يده و ما رفع إليه قيس يده. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 49قال أبو الفرج ثم إن معاويأمر الحسن أن يخطب فظن أنه سيحصر فقام فخطب(17/42)
فقال في خطبته إنما الخليفة من سار بكتاب الله و سنة نبيه و ليس الخليفة من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم تنخمه تنقطع لذته و تبقى تبعته وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
قال و انصرف الحسن إلى المدينة فأقام بها و أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن عليه شي ء أثقل من أمر الحسن بن علي و سعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه. قال أبو الفرج فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن عيسى بن مهران عن عبيد بن الصباح الخراز عن جريرعن مغيرة قال أرسل معاوية إلى بنت الأشعث بن قيس و هي تحت الحسن فقال لها إني مزوجك يزيد ابني على أن تسمي الحسن و بعث إليها بمائة ألف درهم ففعلت و سمت الحسن فسوغها المال و لم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيروهم و قالوا يا بني مسمة الأزواج. قال حدثني أحمد قال حدثني يحيى بن بكير عن شعبة عن أبي بكر بن حفص قال توفي الحسن بن علي و سعد بن أبي وقاص في أيام متقاربة و ذلك بعد ما مضى من ولاية إمارة معاوية عشر سنين و كانوا يروون أنه سقاهما السم
قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عون عن عمران بن إسحاق قال كنت مع الحسن و الحسين ع في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال لقد سقيت السم مرارا ما سقيت مثل هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 50أقلبها بعود معي فقال الحسين و من سق قال و ما تريد منه أ تريد أن تقتله إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك و إن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بري ء قال أبو الفرج دفن الحسن ع في قبر فاطمة بنت رسول الله ص في البقيع و قد كان أوصى أن يدفن مع النبي ص فمنع مروان بن الحكم من ذلك و ركبت بنو أمية في السلاح و جعل مروان يقول
يا رب هيجا هي خير من دعه(17/43)
يدفن عثمان في البقيع و يدفن الحسن في بيت النبي ص و الله لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف و كادت الفتنة تقع و أبى الحسين ع أن يدفنه إلا مع النبي ص فقال له عبد الله بن جعفر عزمت عليك يا أبا عبد الله بحقي ألا تكلم بكلمة فمضوا به إلى البقيع و انصرف مروان.
قال أبو الفرج و قد روى الزبير بن بكار أن الحسن ع أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي ص فقالت نعم فلما سمعت بنو أمية بذلك استلأموا في السلاح و تنادوا هم و بنو هاشم في القتال فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى بني هاشم أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جنب أمي فدفن إلى جنب فاطمة ع
قال أبو الفرج فأما يحيى بن الحسن صاحب كتاب النسب فإنه روى أن عائشة شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 51ركبت ذلك اليوم بغلا و استنفرت بنو أمية مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم و هو قول القائلفيوما على بغل و يوما على جمل
قلت و ليس في رواية يحيى بن الحسن ما يؤخذ على عائشة لأنه لم يرو أنها استنفرت الناس لما ركبت البغل و إنما المستنفرون هم بنو أمية و يجوز أن تكون عائشة ركبت لتسكين الفتنة لا سيما و قد روي عنها أنه لما طلب منها الدفن قالت نعم فهذه الحال و القصة منقبة من مناقب عائشة.
قال أبو الفرج و قال جويرية بن أسماء لما مات الحسن و أخرجوا جنازته جاء مروان حتى دخل تحته فحمل سريره فقال له الحسين ع أ تحمل اليوم سريره و بالأمس كنت تجرعه الغيظ قال مروان كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(17/44)
قال و قدم الحسين ع للصلاة عليه سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير المدينة و قال تقدم فلو لا أنها سنة لما قدمتك. قال قيل لأبي إسحاق السبيعي متى ذل الناس فقال حين مات الحسن و ادعي زياد و قتل حجر بن عدي. قال اختلف الناس في سن الحسن ع وقت وفاته فقيل ابن ثمان و أربعين و هو المروي عن جعفر بن محمد ع في رواية هشام بن سالم و قيل ابن ست و أربعين و هو المروي أيضا عن جعفر بن محمد ع في رواية أبي بصير. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 52قال و في الحسن ع يقول سليمان بن قتة يرثيه و كان محبا لهيا كذب الله من نعى حسنا ليس لتكذيب نعيه ثمن كنت خليلي و كنت خالصتي لكل حي من أهله سكن أجول في الدار لا أراك و في الدار أناس جوارهم غبن بدلتهم منك ليت أنهم أضحوا و بيني و بينهم عثم نرجع إلى تفسير ألفاظ الفصل أما قوله كتبها إليه بحاضرين فالذي كنا نقرؤه قديما كتبها إليه بالحاضرين على صيغة التثنية يعني حاضر حلب و حاضر قنسرين و هي الأرباض و الضواحي المحيطة بهذه البلاد ثم قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام و لم يفسروه و منهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية و منهم من يقول بخناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها و قد طلبت هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيما في البلاد و الأرضين فلم أجدها و لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع. قوله من الوالد الفان حذف الياء ها هنا للازدواج بين الفان و الزمان و لأنه وقف و في الوقف على المنقوص يجوز مع اللام حذف الياء و إثباتها و الإثبات هو الوجه و مع عدم اللام يجوز الأمران و إسقاط الياء هو الوجه. قوله المقر للزمان أي المقر له بالغلبة كأنه جعل نفسه فيما مضى خصما للزمان بالقهر. قوله المدبر العمر لأنه كان قد جاوز الستين و لم يبق بعد مجاوزة الستين إلا إدبار العمر لأنها نصف العمر الطبيعي الذي قل أن يبلغه أحد فعلى تقدير أنه شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 53يبلغه فكل ما بعد الستين(17/45)