فكتب معاوية إليه شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 35من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت به محمدا رسول الله من الفضل و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل كلهديمه و حديثه و صغيره و كبيره و قد و الله بلغ و أدى و نصح و هدى حتى أنقذ الله به من الهلكة و أنار به من العمى و هدى به من الجهالة و الضلالة فجزاه الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته و صلوات الله عليه يوم ولد و يوم بعث و يوم قبض و يوم يبعث حيا. و ذكرت وفاة النبي ص و تنازع المسلمين الأمر بعده و تغلبهم على أبيك فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق و عمر الفاروق و أبي عبيدة الأمين و حواري رسول الله ص و صلحاء المهاجرين و الأنصار فكرهت ذلك لك إنك امرؤ عندنا و عند الناس غير الظنين و لا المسي ء و لا اللئيم و أنا أحب لك القول السدي و الذكر الجميل إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم و لا سابقتكم و لا قرابتكم من نبيكم و لا مكانكم في الإسلام و أهله فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها و رأى صلحاء الناس من قريش و الأنصار و غيرهم من سائر الناس و عوامهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما و أعلمها بالله و أحبها له و أقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر و كان ذلك رأي ذوي الدين و الفضل و الناظرين للأمة فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة و لم يكونوا متهمين و لا فيما أتوا بالمخطئين و لو رأى المسلمون أن فيكم من يغني غناءه و يقوم مقامه و يذب عن حريم الإسلام ذبه شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 36ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه و لكنهم علموا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام و أهله و الله يجزيهم عن الإسلام و أهله خيرا. و قد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح و الحال فيما بيني بينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد وفاة النبي ص(17/31)
فلو علمت أنك أضبط مني للرعية و أحوط على هذه الأمة و أحسن سياسة و أقوى على جمع الأموال و أكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه و رأيتك لذلك أهلا و لكن قد علمت أني أطول منك ولاية و أقدم منك بهذه الأمة تجربة و أكبر منك سنا فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي و لك الأمر من بعدي و لك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما يبلغ تحمله إلى حيث أحببت و لك خراج أي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجيبها أمينك و يحملها إليك في كل سنة و لك ألا نستولي عليك بالإساءة و لا نقضي دونك الأمور و لا نعصي في أمر أردت به طاعة الله أعاننا الله و إياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء و السلام. قال جندب فلما أتيت الحسن بكتاب معاوية قلت له إن الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله فإما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا و الله حتى يرى منا أعظم من يوم صفين فقال افعل ثم قعد عن مشورتي و تناسى قولي. قالوا و كتب معاوية إلى الحسن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 37أما بعد فإن الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب فاحذر أتكون منيتك على أيدي رعاع من الناس و ايئس من أن تجد فينا غميزة و إن أنت أعرضت عما أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت و أجريت لك ما شرطت و أكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة
و إن أحد أسدى إليك أمانة فأوف بها تدعى إذا مت وافياو لا تحسد المولى إذا كان ذا غنى و لا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى الناس بها و السلام.
فأجابه الحسن أما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت فتركت جوابك خشية البغي مني عليك و بالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق تعلم أني من أهله و علي إثم أن أقول فأكذب و السلام(17/32)
فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه ثم كتب إلى عماله على النواحي بنسخة واحدة من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان و من قبله من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم و قتل خليفتكم إن الله بلطفه و حسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 38فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين و قد جاءتنا كتب أشرافهم و قادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم فاقبلوا إلى حين يأتيكم كتابي هذا بجهدكم و جندكم و حسن عدت فقد أصبتم بحمد الله الثأر و بلغتم الأمل و أهلك الله أهل البغي و العدوان و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. قال فاجتمعت العساكر إلى معاوية فسار بها قاصدا إلى العراق و بلغ الحسن خبره و مسيره نحوه و إنه قد بلغ جسر منبج فتحرك عند ذلك و بعث حجر بن عدي فأمر العمال و الناس بالتهيؤ للمسير و نادى المنادي الصلاة جامعة فأقبل الناس يثوبون و يجتمعون و قال الحسن إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني و جاءه سعيد بن قيس الهمداني فقال له اخرج(17/33)
فخرج الحسن ع و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه و سماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر و تنظروا و نرى و تروا. قال و إنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له قال فسكتوا فما تكلم منهم أحد و لا أجابه بحرف فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال أنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيكم أين خطباء مضر أين المسلمون أين شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 39الخواضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله و لا عيبها و عارها. ثم استقبل الن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد و جنبك المكاره و وفقك لما يحمد ورده و صدره قد سمعنا مقالتك و انتهينا إلى أمرك و سمعنا لك و أطعناك فيما قلت و ما رأيت و هذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف
ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد و دابته بالباب فركبها و مضى إلى النخيلة و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه و كان عدي بن حاتم أول الناس عسكرا. و قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري و معقل بن قيس الرياحي و زياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس و لاموهم و حرضوهم و كلموا الحسن ع بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة و القبول فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية و الوفاء و القبول و المودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل. و خرج الناس فعسكروا و نشطوا للخروج و خرج الحسن إلى العسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و أمره باستحثاث الناس و أشخاصهم إليه فجعل يستحثهم و يستخرجهم حتى يلتئم العسكر.(17/34)
و سار الحسن ع في عسكر عظيم و عدة حسنة حتى نزل دير عبد الرحمن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 40فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له يا ابن عم إني باعث إليك اثني عشر ألفا من فرسان العرب و قراء المصر الرجل منهم يزيد الكتيبة فسر بهم و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و افرش لهم جنا و أدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقات أمير المؤمنين و سر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا و ليكن خبرك عندي كل يوم و شاور هذين يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله و إن أصبت فقيس بن سعد على الناس و إن أصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على الناس
فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات و الفلوجة حتى أتى مسكن و أخذ الحسن على حمام عمر حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما أصبح نادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا
فصعد المنبر فخطبهم فقال الحمد لله كلما حمده حامد و أشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد و أشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق و ائتمنه على الوحي ص أما بعد فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله و منه و أنا أنصح خلقه لخلقه و ما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريد له بسوء و لا غائلة ألا و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا و إني ناظر لكم خيرا شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 41من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا على رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه محبته وضاه إن شاء الله ثم نزل(17/35)