مقارنه و إن أريد بالأفضل من كان رسول الله ص أشد عليه حنوا و أمس به رحما ففاطمة أفضل لأنها ابنته و كان شديد الحب لها و الحنو عليها جدا و هي أقرب إليه نسبا من ابن العم لا شبهة في ذلك. فأما القول في أن عليا شرف بها أو شرفت به فإن عليا ع كانت أسباب شرفه و تميزه على الناس متنوعة فمنها ما هو متعلق بفاطمة ع و منها ما هو متعلق بأبيها ص و منها ما هو مستقل بنفسه. فأما الذي هو مستقل بنفسه فنحو شجاعته و عفته و حلمه و قناعته و سجاحة أخلاقه و سماحة نفسه و أما الذي هو متعلق برسول الله ص فنحو علمه و دينه و زهده و عبادته و سبقه إلى الإسلام و إخباره بالغيوب. و أما الذي يتعلق بفاطمة ع فنكاحه لها حتى صار بينه و بين رسول الله ص الصهر المضاف إلى النسب و السبب و حتى إن ذريته منها صارت ذرية لرسول الله ص و أجزاء من ذاته ع و ذلك لأن الولد إنما يكون من مني الرجل و دم المرأة و هما جزءان من ذاتي الأب و الأم ثم هكذا أبدا في ولد الولد و من بعده من البطون دائما فهذا هو القول في شرف علي ع بفاطمة.(17/16)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 21فأما شرفها به فإنها و إن كانت ابنة سيد العالمين إلا أن كونها زوجة علي أفادها نوعا من شرف آخر زائدا على ذلك الشرف الأول أ لا ترى أن أباها لو زوجها أبا هريرة أو أنس بن مالك لم يكن حالها في العظمة و الجلالة كحالها الآن و كذلك لكان بنوها و ذريتها من أبي هريرة و أنس بن مالك لم يكن حالهم في أنفسهم كحالهم الآن. قال أبو الحسن المدائني و كان الحسن كثير التزوج تزوج خولة بنت منظور بن زبان الفزارية و أمها مليكة بنت خارجة بن سنان فولدت له الحسن بن الحسن و تزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله فولدت له ابنا سماه طلحة و تزوج أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري و اسم أبي مسعود عقبة بن عمر فولدت له زيد بن الحسن و تزوج جعدة بنت الأشعث بن قيس و هي التي سقته السم و تزوج هند ابنة سهيل بن عمرو و حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر و تزوج امرأة من كلب و تزوج امرأة من بنات عمرو بن أهتم المنقري و امرأة من ثقيف فولدت له عمرا و تزوج امرأة من بنات علقمة ابن زرارة و امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة فقيل له إنها ترى رأي الخوارج فطلقها و قال إني أكره أن أضم إلى نحري جمرة من جمر جهنم. و قال المدائني و خطب إلى رجل فزوجه و قال له إني مزوجك و أعلم أنك ملق طلق غلق و لكنك خير الناس نسبا و أرفعهم جدا و أبا. قلت أما قوله ملق طلق فقد صدق و أما قوله غلق فلا فإن الغلق الكثير الضجر و كان الحسن ع أوسع الناس صدرا و أسجحهم خلقا. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 22قال المدائني أحصيت زوج الحسن بن علي فكن سبعين امرأة. قال المدائني و لما توفي علي ع خرج عبد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى الناس فقال إن أمير المؤمنين ع توفي و قد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم و إن كرهتم فلا أحد على أحد فبكى الناس و قالوا بل يخرج إلينا(17/17)
فخرج الحسن ع فخطبهم فقال أيها الناس اتقوا الله فإنا أمراؤكم و أولياؤكم و إنا أهل البيت الذين قال الله تعالى فينا إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فبايعه الناس
و كان خرج إليهم و عليه ثياب سود ثم وجه عبد الله بن عباس و معه قيس بن سعد بن عبادة مقدمة له في اثني عشر ألفا إلى الشام و خرج و هو يريد المدائن فطعن بساباط و انتهب متاعه و دخل المدائن و بلغ ذلك معاوية فأشاعه و جعل أصحاب الحسن الذين وجههم مع عبد الله يتسللون إلى معاوية الوجوه و أهل البيوتات فكتب عبد الله بن العباس بذلك إلى الحسن ع فخطب الناس و وبخهم و قال خالفتم أبي حتى حكم و هو كاره ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم حتى صار إلى كرامة الله ثم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني و تحاربوا من حاربني و قد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية و بايعوه فحسبي منكم لا تغروني من ديني و نفسي. و أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و أمه هند بنت أبي سفيان بن حرب إلى معاوية يسأله المسالمة و اشترط عليه العمل بكتاب الله و سنة نبيه و ألا يبايع لأحد من بعده و أن يكون الأمر شورى و أن يكون الناس أجمعون آمنين. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 23و كتب بذلك كتابا فأبى الحسين ع و امتنع فكلمه الحسن حتى رضي و قدم معاوية إلى الكوفة. قال أبو الحسن و حدثنا أبو بكر بن الأسود قال كتب ابن العباس إلى الحسن أما بعفإن المسلمين ولوك أمرهم بعد علي ع فشمر للحرب و جاهد عدوك و قارب أصحابك و اشتر من الظنين دينه بما لا يثلم لك دينا و وال أهل البيوتات و الشرف تستصلح به عشائرهم حتى يكون الناس جماعة فإن بعض ما يكره الناس ما لم يتعد الحق و كانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل و عز الدين خير من كثير مما يحبه الناس إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور و ذل المؤمنين و عز(17/18)
الفاجرين و اقتد بما جاء عن أئمة العدل فقد جاء عنهم أنه لا يصلح الكذب إلا في حرب أو إصلاح بين الناس فإن الحرب خدعة و لك في ذلك سعة إذا كنت محاربا ما لم تبطل حقا. و اعلم أن عليا أباك إنما رغب الناس عنه إلى معاوية أنه أساء بينهم في الفي ء و سوى بينهم في العطاء فثقل عليهم و اعلم أنك تحارب من حارب الله و رسوله في ابتداء الإسلام حتى ظهر أمر الله فلما وحد الرب و محق الشرك و عز الدين أظهروا الإيمان و قرءوا القرآن مستهزءين بآيات و قاموا إلى الصلاة و هم كسالى و أدوا الفرائض
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 24و هم لها كارهون فلما رأوا أنه لا يعز في الدين إلا الأتقياء الأبرار توسموا بسيما الصالحين ليظن المسلمون بهم خيرا فما زالوا بذلك حتى شركوهم في أماناتهم و قالوا حسابهم على الله فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين و إن كانوا كاذب كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين و قد منيت بأولئك و بأبنائهم و أشباههم و الله ما زادهم طول العمر إلا غيا و لا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا فجاهدهم و لا ترض دنية و لا تقبل خسفا فإن عليا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب و إنهم يعلمون أنه أولى بالأمر إن حكموا بالعدل فلما حكموا بالهوى رجع إلى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله و لا تخرجن من حق أنت أولى به حتى يحول الموت دون ذلك و السلام(17/19)
قال المدائني و كتب الحسن ع إلى معاوية من عبد الله الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الله بعث محمدا ص رحمة للعالمين فأظهر به الحق و قمع به الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به قريشا خاصة فقال وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما توفاه الله تنازعت العرب في الأمر بعده فقالت قريش نحن عشيرته و أولياؤه فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب لقريش ذلك و جاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب فهيهات ما أنصفتنا قريش و قد كانوا ذوي فضيلة في الدين و سابقة في الإسلام و لا غرو إلا منازعته إيانا الأمر بغير حق في الدنيا معروف و لا أثر في الإسلام محمود فالله الموعد نسأل الله ألا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده في الآخرة إن عليا لما توفاه الله ولاني المسلمون الأمر بعده فاتق الله يا معاوية و انظر لأمة محمد شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 25ص ما تحقن به اءها و تصلح به أمرها و السلام(17/20)