و روى أبو الحسن المدائني قال خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة و صلح الحسن ع له فأرسل معاوية إلى الحسن ع يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك و هو لي حلال لصلاح الأمة و ألفتهم أ فتراني أقاتل معك فخطب معاوية أهل الكوفة فقال يا أهل الكوفة شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 15أ تروني قاتلتكم على الصلاة و الزكاة و الحج و قد علمت أنكم تصلون و تزكون و تحجون و لكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم و على رقابكم و قد آتاني الله ذلك و أنتم كارهون ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول و كلرط شرطته فتحت قدمي هاتين و لا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله و إقفال الجنود لوقتها و غزو العدو في داره فإنهم إن لم تغزوهم غزوكم ثم نزل.
قال المدائني فقال المسيب بن نجبة للحسن ع ما ينقضي عجبي منك بايعت معاوية و معك أربعون ألفا و لم تأخذ لنفسك وثيقة و عقدا ظاهرا أعطاك أمرا فيما بينك و بينه ثم قال ما قد سمعت و الله ما أراد بها غيرك قال فما ترى قال أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه و بينك فقال يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء و لا أثبت عند الحرب مني و لكني أردت صلاحكم و كف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله و قضائه حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر(17/11)
قال المدائني و دخل عبيدة بن عمرو الكندي على الحسن ع و كان ضرب على وجهه ضربة و هو مع قيس بن سعد بن عبادة فقال ما الذي أرى بوجهك قال أصابني مع قيس فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن فقال لوددت أنك كنت مت قبل هذا اليوم و لم يكن ما كان إنا رجعنا راغمين بما كرهنا و رجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن و غمز الحسين ع حجرا فسكت فقال الحسن ع يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و ما فعلت إلا إبقاء عليك و الله كل يوم في شأن. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 1 قال المدائني و دخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال الحسن اجلس يرحمك الله إن رسول الله ص رفع له ملك بني أمية فنظر إليهم يعلون منبره واحدا فواحدا فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا قال له وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ و سمعت عليا أبي رحمه الله يقول سيلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم كبير البطن فسألته من هو فقال معاوية و قال لي إن القرآن قد نطق بملك بني أمية و مدتهم قال تعالى لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال أبي هذه ملك بني أمية(17/12)
قال المدائني فلما كان عام الصلح أقام الحسن ع بالكوفة أياما ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن نجبة الفزاري و ظبيان بن عمارة التيمي ليودعاه فقال الحسن الحمد لله الغالب على أمره لو أجمع الخلق جميعا على ألا يكون ما هو كائن ما استطاعوا فقال أخوه الحسين ع لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى عزم علي أخي فأطعته و كأنما يجذ أنفي بالمواسي فقال المسيب إنه و الله ما يكبر علينا هذا الأمر إلا أن تضاموا و تنتقصوا فأما نحن فإنهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه فقال الحسين يا مسيب نحن نعلم أنك تحبنا فقال الحسن ع سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ص يقول من أحب قوما كان معهم
فعرض له المسيب و ظبيان بالرجوع فقال ليس لي إلى ذلك سبيل فلما كان من غد خرج فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة و قال
و لا عن قلى فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي و ذماري
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 17ثم سار إلى المدينة. قال المدائني فقال معاوية يومئذ للوليد بن عقبة بن أبي معيط بعد شخوص الحسن ع يا أبا وهب هل رمت قال نعم و سموت. قال المدائني أراد معاوية قول الوليد بن عقبة يحرضه على الطلب بدم عثمانألا أبلغ معاوية بن حرب فإنك من أخي ثقة مليم قطعت الدهر كالسدم المعنى تهدر في دمشق و لا تريم فلو كنت القتيل و كان حيا لشمر لا ألف و لا سئوم و إنك و الكتاب إلى علي كدابغة و قد حلم الأدو روى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال دخل رجل على الحسن ع بالمدينة و في يده صحيفة فقال له الرجل ما هذه قال هذا كتاب معاوية يتوعد فيه على أمر كذا فقال الرجل لقد كنت على النصف فما فعلت فقال له الحسن ع أجل و لكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا تشخب أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه(17/13)
قال أبو الحسن و كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول و الله ما وفى معاوية للحسن بشي ء مما أعطاه قتل حجرا و أصحاب حجر و بايع لابنه يزيد و سم الحسن. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : قال المدائني و روى أبو الطفيل قال قال الحسن ع لمولى له أ تعرف معاوية بن خديج قال نعم قال إذا رأيته فأعلمني فرآه خارجا من دار عمرو ابن حريث فقال هو هذا فدعاه فقال له أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد أما و الله لئن وردت الحوض و لم ترده لترينه مشمرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين
قال أبو الحسن و روى هذا الخبر أيضا قيس بن الربيع عن بدر بن الخليل عن مولى الحسن ع.
قال أبو الحسن و حدثنا سليمان بن أيوب عن الأسود بن قيس العبدي إن الحسن ع لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله فقال أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال بلى و الله و لكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك و لو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال عز و جل خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً و لكنك كما قال سبحانه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ
قال أبو الحسن طلب زياد رجلا من أصحاب الحسن ممن كان في كتاب الأمان فكتب إليه الحسن من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا و قد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب ألا تعرض له إلا بخير و السلام(17/14)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 19فلما أتاه الكتاب و ذلك بعد ادعاء معاوية إياه غضب حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد فإنه أتاني كتابك في فاسق تؤويه الفساق من شيعتك و شيعة أبيك و ايم الله لأطلبنه بين جلدك و لحمك و إن ب الناس إلي لحما أن آكله للحم أنت منه و السلام. فلما قرأ الحسن ع الكتاب بعث به إلى معاوية فلما قرأه غضب و كتب من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد أما بعد فإن لك رأيين رأيا من أبي سفيان و رأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم و حزم و أما رأيك من سمية فما يكون من مثلها إن الحسن بن علي ع كتب إلي بأنك عرضت لصاحبه فلا تعرض له فإني لم أجعل لك عليه سبيلا و إن الحسن ليس ممن يرمى به الرجوان و العجب من كتابك إليه لا تنسبه إلى أبيه أو إلى أمه فالآن حين اخترت له و السلام. قلت جرى في مجلس بعض الأكابر و أنا حاضر القول في أن عليا ع شرف بفاطمة ع فقال إنسان كان حاضر المجلس بل فاطمة ع شرفت به و خاض الحاضرون في ذلك بعد إنكارهم تلك اللفظة و سألني صاحب المجلس أن أذكر ما عندي في المعنى و أن أوضح أيما أفضل علي أم فاطمة فقلت أما أيهما أفضل فإن أريد بالأفضل الأجمع للمناقب التي تتفاضل بها الناس نحو العلم و الشجاعة و نحو ذلك فعلي أفضل و إن أريد بالأفضل الأرفع منزلة عند الله فالذي شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 20استقر عليه رأي المتأخرين من أصحابنا أن عليا أرفع المسلمين كافة عند الله تعالى بعد رسول الله ص من الذكور و الإناث و فاطمة امرأة مالمسلمين و إن كانت سيدة نساء العالمين و يدل على ذلك أنه قد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله تعالى بحديث الطائر و فاطمة من الخلق و أحب الخلق إليه سبحانه أعظمهم ثوابا يوم القيامة على ما فسره المحققون من أهل الكلام و إن أريد بالأفضل الأشرف نسبا ففاطمة أفضل لأن أباها سيد ولد آدم من الأولين و الآخرين فليس في آباء علي ع مثله و لا(17/15)