شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 279قالوا فإن فخرتم بأن منكم اثنتين من أمهات المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان و زينب بنت جحش و فزينب امرأة من بني أسد بن خزيمة ادعيتموه بالحلف لا بالولادة و فينا رجل ولدته أمان من أمهات المؤمنين محمد بن عبد الله بن الحسن المحض وته خديجة أم المؤمنين و أم سلمة أم المؤمنين و ولدته مع ذلك فاطمة بنت الحسين بن علي و فاطمة سيدة نساء العالمين ابنة رسول الله ص و فاطمة بنت أسد بن هاشم و كان يقال خير النساء الفواطم و العواتك و هن أمهاته. قالوا و نحن إذا ذكرنا إنسانا فقبل أن نعد من ولده نأتي به شريفا في نفسه مذكورا بما فيه دون ما في غيره قلتم لنا عاتكة بنت يزيد و عاتكة في نفسها كامرأة من عرض قريش ليس فيها في نفسها خاصة أمر تستوجب به المفاخرة و نحن نقول منا فاطمة و فاطمة سيدة نساء العالمين و كذلك أمها خديجة الكبرى و إنما تذكران مع مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم اللتين ذكرهما النبي ص و ذكر إحداهما القرآن و هن المذكورات من جميع نساء العالم من العرب و العجم. و قلتم لنا عبد الله بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ولده سبعة من الخلفاء و عبد الله هذا في نفسه ليس هناك و نحن نقول منا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم كلهم سيد و أمه العالية بنت عبيد الله بن العباس و إخوته داود و صالح و سليمان و عبد الله رجال كلهم أغر محجل ثم ولدت الرؤساء إبراهيم الإمام و أخويه أبا العباس و أبا جعفر و من جاء بعدهما من خلفاء بني العباس. و قلتم منا عبد الله بن يزيد و قلنا منا الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 280و أولى الناس بكل مكرمة و أطهرهم طهارة مع النجدة و البصيرة و الفقه و الصبر و الحلم و الأنف و أخوه الحسن سيد شباب أهل الجنة و أرفع الناس درجة و أشبههم برسول الله خلقا و خلقو أبوهما علي بن أبي طالب قال شيخنا أبو عثمان و هو الذي ترك وصفه(16/248)
أبلغ في وصفه إذ كان هذا الكتاب يعجز عنه و يحتاج إلى كتاب يفرد له و عمهما ذو الجناحين و أمهما فاطمة و جدتهما خديجة و أخوالهما القاسم و عبد الله و إبراهيم و خالاتهما زينب و رقية و أم كلثوم و جدتاهما آمنة بنت وهب والدة رسول الله ص و فاطمة بنت أسد بن هاشم و جدهما رسول الله ص المخرس لكل فاخر و الغالب لكل منافر قل ما شئت و اذكر أي باب شئت من الفضل فإنك تجدهم قد حووه. و قالت أمية نحن لا ننكر فخر بني هاشم و فضلهم في الإسلام و لكن لا فرق بيننا في الجاهلية إذ كان الناس في ذلك الدهر لا يقولون هاشم و عبد شمس و لا هاشم و أمية بل يقولون كانوا لا يزيدون في الجميع على عبد مناف حتى كان أيام تميزهم في أمر علي و عثمان في الشورى ثم ما كان في أيام تحزبهم و حربهم مع علي و معاوية. و من تأمل الأخبار و الآثار علم أنه ما كان يذكر فرق بين البيتين و إنما يقال بنو عبد مناف أ لا ترى أن أبا قحافة سمع رجة شديدة و أصواتا مرتفعة و هو يومئذ شيخ كبير مكفوف فقال ما هذا قالوا قبض رسول الله ص قال فما صنعت قريش قالوا ولوا الأمر ابنك قال و رضيت بذلك بنو عبد مناف قالوا نعم قال و رضي بذلك بنو المغيرة قالوا نعم قال فلا مانع لما أعطى الله و لا معطي شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 281لما منع و لم يقل أ رضي بذلك بنو عبد شمس و إنما جمعهم على عبد مناف لأنه كذلك كان يقال. و هكذا قال أبو سفيان بن حرب لعلي ع و قد سخط إمارة أبي بكر أ رضيتم يا بني عبد مف أن تلي عليكم تيم و لم يقل أ رضيتم يا بني هاشم و كذلك قال خالد بن سعيد بن العاص حين قدم من اليمن و قد استخلف أبو بكر أ رضيتم معشر بني عبد مناف أن تلي عليكم تيم قالوا و كيف يفرقون بين هاشم و عبد شمس و هما أخوان لأب و أم و يدل على أن أمرهما كان واحدا و أن اسمهم كان جامعا
قول النبي ص و صنيعه حين قال منا خير فارس في العرب عكاشة بن محصن(16/249)
و كان أسديا و كان حليفا لبني عبد شمس و كل من شهد بدرا من بني كبير بن داود كانوا حلفاء بني عبد شمس فقال ضرار بن الأزور الأسدي ذاك منا يا رسول الله فقال ع بل هو منا بالحلف فجعل حليف بني عبد شمس حليف بني هاشم و هذا بين لا يحتاج صاحب هذه الصفة إلى أكثر منه. قالوا و لهذا نكح هذا البيت في هذا البيت فكيف صرنا نتزوج بنات النبي و بنات بني هاشم على وجه الدهر إلا و نحن أكفاء و أمرنا واحد و قد سمعتم إسحاق بن عيسى يقول لمحمد بن الحارث أحد بني عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد لو لا حي أكرمهم الله بالرسالة لزعمت أنك أشرف الناس أ فلا ترى أنه لم يقدم علينا رهطه إلا بالرسالة. قالت هاشم قلتم لو لا أنا كنا أكفاءكم لما أنكحتمونا نساءكم فقد نجد القوم يستوون في حسب الأب و يفترقون في حسب الأنفس و ربما استووا في حسب أبي شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 282القبيلة كاستواء قريش في النضر بن كنانو يختلفون كاختلاف كعب بن لؤي و عامر بن لؤي و كاختلاف ابن قصي و عبد مناف و عبد الدار و عبد العزى و القوم قد يساوي بعضهم بعضا في وجوه و يفارقونهم في وجوه و يستجيزون بذلك القدر مناكحتهم و إن كانت معاني الشرف لم تتكامل فيهم كما تكاملت فيمن زوجهم و قد يزوج السيد ابن أخيه و هو حارض ابن حارض على وجه صلة الرحم فيكون ذلك جائزا عندهم و لوجوه في هذا الباب كثيرة فليس لكم أن تزعموا أنكم أكفاؤنا من كل وجه و إن كنا قد زوجناكم و ساويناكم في بعض الآباء و الأجداد و بعد فأنتم في الجاهلية و الإسلام قد أخرجتم بناتكم إلى سائر قريش و إلى سائر العرب أ فتزعمون أنهم أكفاؤكم عينا بعين و أما قولكم إن الحيين كان يقال لهما عبد مناف فقد كان يقال لهما أيضا مع غيرهما من قريش و بنيها بنو النضر و قال الله تعالى وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فلم يدع النبي ص أحدا من بني عبد شمس و كانت عشيرته الأقربون بني هاشم و بني المطلب و عشيرته فوق ذاك عبد مناف و(16/250)
فوق ذلك قصي و من ذلك أن النبي ص لما أتي بعبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس و أم عامر بن كريز أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم قال ع هذا أشبه بنا منه بكم ثم تفل في فيه فازدرده فقال أرجو أن تكون مشفيا فكان كما قال ففي قوله هو أشبه بنا منه بكم خصلتان إحداهما أن عبد شمس و هاشما لو كانا شيئا واحدا كما أن عبد المطلب شي ء واحد لما قال هو بنا أشبه به منكم و الأخرى أن في هذا القول تفضيلا لبني هاشم على بني عبد شمس أ لا ترون أنه خرج خطيا جوادا نبيلا و سيدا مشفيا له مصانع و آثار كريمة لأنه قال و هو بنا أشبه به منكم و أتي عبد المطلب شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 283بعامر بن كريز و هو ابن ابنته أم حكيم البيضاء فتأمله و قال و عظام هاشم ما ولدنا ولدا أحرض منه فكان كما قال عبد الله يحمق و لم يقو عظام عبد مناف لأن شرف جده عبد مناف له فيه شركاء و شرف هاشم أبيه خالص له. فأما ما ذكرتم من قول أبي سفيان و خالد بن سعيد أ رضيتم معشر بني عبد مناف أن تلي عليكم تيم فإن هذه الكلمة كلمة تحريض و تهييج فكان الأبلغ فيما يريد من اجتماع قلوب الفريقين أن يدعوهم لأب و أن يجمعهم على واحد و إن كانا مفترقين و هذا المذهب سديد و هذا التدبير صحيح. قال معاوية بن صعصعة للأشهب بن رميلة و هو نهشلي و للفرزدق بن غالب و هو مجاشعي و لمسكن بن أنيف و هو عبدلي أ رضيتم معشر بني دارم أن يسب آباءكم و يشتم أعراضكم كلب بني كليب و إنما نسبهم إلى دارم الأب الأكبر المشتمل على آباء قبائلهم ليستووا في الحمية و يتفقوا على الأنف و هذا في مثل هذا الموضع تدبير صحيح. قالوا و يدل على ما قلنا ما قاله الشعراء في هذا الباب قبل مقتل عثمان و قبل صفين قال حسان بن ثابت لأبي سفيان الحارث بن عبد المطلب
و أنت منوط نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
لم يقل نيط في آل عبد مناف. و قال(16/251)
ما أنت من هاشم في بيت مكرمة و لا بني جمح الخضر الجلاعيد
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 284و لم يقل ما أنت من آل عبد مناف و كيف يقول هذا و قد علم الناس أن عبد مناف ولد أربعة هاشما و المطلب و عبد شمس و نوفلا و أن هاشما و المطلب كانا يدا واحدة و أن عبد شمس و نوفلا كانا يدا واحدة و كان مما بطأ ببني نوفل عن الإسلام إاء إخوتهم من بني عبد شمس و كان مما حث بني المطلب على الإسلام فضل محبتهم لبني هاشم لأن أمر النبي ص كان بينا و إنما كانوا يمتنعون منه من طريق الحسد و البغضة فمن لم يكن فيه هذه العلة لم يكن له دون الإسلام مانع و لذلك لم يصحب النبي ص من بني نوفل أحد فضلا أن يشهدوا معه المشاهد الكريمة و إنما صحبه حلفاؤهم كيعلى بن منبه و عتبة بن غزوان و غيرهما و بنو الحارث بن المطلب كلهم بدري عبيد و طفيل و حصين و من بني المطلب مسطح بن أثاثة بدري. و كيف يكون الأمر كما قلتم و أبو طالب يقول لمطعم بن عدي بن نوفل في أمر النبي ص لما تمالأت قريش عليه(16/252)