فقال صدقت و قال مرة و الله لأشكون سليمان يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك و هذا ضعف شديد و جهل مفرط. و قال أبو عثمان و كان هشام يقول و الله إني لأستحيي أن أعطي رجلا أكثر من أربعة آلاف درهم ثم أعطى عبد الله بن الحسن أربعة آلاف دينار فاعتدها في جوده و توسعه و إنما اشترى بها ملكه و حصن بها عن نفسه و ما في يديه قال له أخوه مسلمة أ تطمع أن تلي الخلافة و أنت بخيل جبان فقال و لكني حليم عفيف فاعترف بالجبن و البخل و هل تقوم الخلافة مع واحد منهما و إن قامت فلا تقوم إلا مع الخطر العظيم و التغرير الشديد و لو سلمت من الفساد لم تسلم من العيب. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 254و لقد قدم المنصور عليهم عمر بن عبد العزيز بقوله أعور بين عميان و زعمتم أنه كان ناسكا ورعا تقيا فكيف و قد جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير مائة جلدة و صب على رأسه جرة من ماء بارد في يوم شات حتى كز ات فما أقر بدمه و لا خرج إلى وليه من حقه و لا أعطى عقلا و لا قودا و لا كان خبيب ممن أتت عليه حدود الله و أحكامه و قصاصه فيقال كان مطيعا بإقامتها و أنه أزهق الحد نفسه و احتسبوا الضرب كان أدبا و تعزيرا فما عذره في الماء البارد في الشتاء على أثر جلد شديد و لقد بلغه أن سليمان بن عبد الملك يوصي فجاء حتى جلس على طريق من يجلس عنده أو يدخل إليه فقال رجاء بن حيوة في بعض من يدخل و من يخرج نشدتك الله أن تذكرني لهذا الأمر أو تشير بي في هذا الشأن فو الله ما لي عليه من طاقة فقال له رجاء قاتلك الله ما أحرصك عليها. و لما جاء الوليد بن عبد الملك بنعي الحجاج قال له الوليد مات الحجاج يا أبا حفص فقال و هل كان الحجاج إلا رجلا منا أهل البيت و قال في خلافته لو لا بيعة في أعناق الناس ليزيد بن عاتكة لجعلت هذا الأمر شورى بين صاحب الأعوص إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد الأشدق و بين أحمس قريش القاسم بن محمد بن أبي بكر و بين سالم بن عبد الله بن عمر(16/223)


فما كان عليه من الضرر و الحرج و ما كان عليه من الوكف و النقص أن لو قال بين علي بن العباس و علي بن الحسين بن علي و على أنه لم يرد التيمي و لا العدوي و إنما دبر الأمر للأموي و لم يكن عنده أحد من هاشم يصلح للشورى ثم دبر الأمر ليبايع لأخيه أبي بكر بن عبد العزيز من بعده حتى عوجل بالسم. و قدم عليه عبد الله بن حسن بن حسن فلما رأى كماله و بيانه و عرف نسبه و مركبه
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 255و موضعه و كيف ذلك من قلوب المسلمين و في صدور المؤمنين لم يدعه يبيت بالشام ليلة واحدة و قال له الحق بأهلك فإنك لم تغنهم شيئا هو أنفس منك و لا أرد عليهم من حياتك أخاف عليك طواعين الشام و ستلحقك الحوائج على ما تشتهي و تحب. و إا كره أن يروه و يسمعوا كلامه فلعله يبذر في قلوبهم بذرا و يغرس في صدورهم غرسا و كان أعظم خلق قولا بالجبر حتى يتجاوز الجهمية و يربي على كل ذي غاية صاحب شنعة و كان يصنع ذلك الكتب مع جهله بالكلام و قلة اختلافه إلى أهل النظر و قال له شوذب الخارجي لم لا تلعن رهطك و تذكر أباك إن كانوا عندك ظلمة فجرة فقال عمر متى عهدك بلعن فرعون قال ما لي به عهد قال أ فيسعك أن تمسك عن لعن فرعون و لا يسعني أن أمسك عن لعن آبائي فرأى أنه قد خصمه و قطع حجته و كذلك يظنه كل من قصر عن مقدار العالم و جاوز مقدار الجاهل و أي شبه لفرعون بآل مروان و آل أبي سفيان هؤلاء قوم لهم حزب و شيعة و ناس كثير يدينون بتفضيلهم و قد اعتورتهم الشبه في أمرهم و فرعون على خلاف ذلك و ضده لا شيعة له و لا حزب و لا نسل و لا موالي و لا صنائع و لا في أمره شبهة ثم إن عمر ظنين في أمر أهله فيحتاج إلى غسل ذلك عنه بالبراءة منهم و شوذب ليس بظنين في أمر فرعون و ليس الإمساك عن لعن فرعون و البراءة منه مما يعرفه الخوارج فكيف استويا عنده. و شكا إليه رجل من رهطه دينا فادحا و عيالا كثيرا فاعتل عليه فقال له فهلا اعتللت على عبد الله بن الحسن قال و(16/224)


متى شاورتك في أمري قال أو مشيرا شرح هج البلاغة ج : 15 ص : 256تراني قال أو هل أعطيته إلا بعض حقه قال و لم قصرت عن كله فأمر بإخراجه و ما زال إلى أن مات محروما منه. و كان عمال أهله على البلاد عماله و أصحابه و الذي حسن أمره و شبه على الأغنياء حاله أنه قام بعقب قوم قد بدلوا عامة شرائع الدين و سن النبي ص و كان الناس قبله من الظلم و الجور و التهاون بالإسلام في أمر صغر في جنبه عاينوا منه و ألفوه عليه فجعلوه بما نقص من تلك الأمور الفظيعة في عداد الأئمة الراشدين و حسبك من ذلك أنهم كانوا يلعنون عليا ع على منابرهم فلما نهى عمر عن ذلك عد محسنا و يشهد لذلك قول كثير فيه
و ليت فلم تشتم عليا و لم تخف بريا و لم تتبع مقالة مجرم
و هذا الشعر يدل على أن شتم علي ع قد كان لهم عادة حتى مدح من كف عنه و لما ولي خالد بن عبد الله القسري مكة و كان إذا خطب بها لعن عليا و الحسن و الحسين ع قال عبيد الله بن كثير السهمي(16/225)


لعن الله من يسب عليا و حسينا من سوقة و إمام أ يسب المطهرون جدودا و الكرام الآباء و الأعمام يأمن الطير و الحمام و لا يأمن آل الرسول عند المقام طبت بيتا و طاب أهلك أهلا أهل بيت النبي و الإسلام رحمة الله و السلام عليهم كلما قام قائم بسو قام عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان و كان ممن يناله بزعمهم إلى هشام بن عبد الملك و هو يخطب على المنبر بعرفة فقال يا أمير المؤمنين هذا يوم كانت شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 257الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب فقال هشام ليس لهذا جئنا أ لا ترى أن ذلك يدل ى أنه قد كان لعنه فيهم فاشيا ظاهرا و كان عبد الله بن الوليد هذا يلعن عليا ع و يقول قتل جدي جميعا الزبير و عثمان. و قال المغيرة و هو عامل معاوية يومئذ لصعصعة بن صوحان قم فالعن عليا فقام فقال إن أميركم هذا أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله و هو يضمر المغيرة. و أما عبد الملك فحسبك من جهله تبديله شرائع الدين و الإسلام و هو يريد أن يلي أمور أصحابها بذلك الدين بعينه و حسبك من جهله أنه رأى من أبلغ التدبير في منع بنى هاشم الخلافة أن يلعن علي بن أبي طالب ع على منابره و يرمي بالفجور في مجالسه و هذا قرة عين عدوه و عير وليه و حسبك من جهله قيامه على منبر الخلافة قائلا إني و الله ما أنا بالخليفة المستضعف و لا بالخليفة المداهن و لا بالخليفة المأفون و هؤلاء سلفه و أئمته و بشفعتهم قام ذلك المقام و بتقدمهم و تأسيسهم نال تلك الرئاسة و لو لا العادة المتقدمة و الأجناد المجندة و الصنائع القائمة لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام و أقربهم إلى المهلكة إن رام ذلك الشرف و عنى بالمستضعف عثمان و بالمداهن معاوية و بالمأفون يزيد بن معاوية و هذا الكلام نقض لسلطانه و عداوة لأهله و إفساد لقلوب شيعته و لو لم يكن من عجز رأيه إلا أنه لم يقدر على إظهار قوته إلا بأن يظهر عجز أئمته لكفاك ذلك منه فهذا ما ذكرته هاشم لأنفسها(16/226)


مفاخر بني أمية
قالت أمية لنا من نوادر الرجال في العقل و الدهاء و الأدب و المكر ما ليس لأحد شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 258و لنا من الأجواد و أصحاب الصنائع ما ليس لأحد زعم الناس أن الدهاة أربعة معاوية بن أبي سفيان و زياد و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فمنا رجلان و من ئر الناس رجلان و لنا في الأجواد سعيد بن العاص و عبد الله بن عامر لم يوجد لهما نظير إلى الساعة و أما نوادر الرجال في الرأي و التدبير فأبو سفيان بن حرب و عبد الملك بن مروان و مسلمة بن عبد الملك و على أنهم يعدون في الحلماء و الرؤساء فأهل الحجاز يضربون المثل في الحلم بمعاوية كما يضرب أهل العراق المثل فيه بالأحنف. فأما الفتوح و التدبير في الحرب فلمعاوية غير مدافع و كان خطيبا مصقعا و مجربا مظفرا و كان يجيد قول الشعر إذا آثر أن يقوله و كان عبد الملك خطيبا حازما مجربا مظفرا و كان مسلمة شجاعا مدبرا و سائسا مقدما و كثير الفتوح كثير الأدب و كان يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا و كان الوليد بن يزيد خطيبا شاعرا و كان مروان بن الحكم و عبد الرحمن بن الحكم شاعرين و كان بشر بن مروان شاعرا ناسبا و أديبا عالما و كان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا جيد الرأي أديبا كثير الأدب حكيما و كان أول من أعطى التراجمة و الفلاسفة و قرب أهل الحكمة و رؤساء أهل كل صناعة و ترجم كتب النجوم و الطب و الكيمياء و الحروب و الآداب و الآلات و الصناعات. قالوا و إن ذكرت البأس و الشجاعة فالعباس بن الوليد بن عبد الملك و مروان بن محمد و أبوه محمد بن مروان بن الحكم و هو صاحب مصعب و هؤلاء قوم لهم آثار بالروم لا تجهل و آثار بإرمينية لا تنكر و لهم يوم العقر شهده مسلمة و العباس بن الوليد. قالوا و لنا الفتوح العظام و لنا فارس و خراسان و إرمينية و سجستان و إفريقية و جميع فتوح عثمان فأما فتوح بني مروان فأكثر و أعم و أشهر من أن شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 259تحتاج إلى(16/227)

81 / 150
ع
En
A+
A-