فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئ في السوق و ابن عقيل تري بطلا قد هشم السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيلو أكلت هند كبد حمزة فمنهم آكلة الأكباد و منهم كهف النفاق و منهم من نقر بين ثنيتي الحسين ع بالقضيب و منهم القاتل يوم الحرة عون بن عبد الله بن جعفر و يوم الطف أبا بكر بن عبد الله بن جعفر و قتل يوم الحرة أيضا من بني هاشم الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب و عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. قلت إن أبا عثمان قايس بين مدتي ملكهما و هو حينئذ في أيام الواثق ففضل هؤلاء عليهم لأن ملكهم أطول من ملكهم بعشر سنين فكيف به لو كان اليوم حيا و قد امتد ملكهم خمسمائة و ست عشرة سنة و هذا أكثر من ملك البيت الثالث من ملوك الفرس بنحو ثلاثين سنة و أيضا فإن كان الفخر بطول مدة الملك فبنو هاشم قد كان لهم أيضا ملك بمصر نحو مائتين و سبعين سنة مع ما ملكوه بالمغرب قبل أن ينتقلوا إلى مصر شرح نهج البلاغة ج : 15 ص :38قال أبو عثمان و قالت هاشم لأمية قد علم الناس ما صنعتم بنا من القتل و التشريد لا لذنب أتيناه إليكم ضربتم علي بن عبد الله بن عباس بالسياط مرتين على أن تزوج بنت عمه الجعفرية التي كانت عند عبد الملك و على أن نحلتموه قتل سليط و سممتم أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ع و نبشتم زيدا و صلبتموه و ألقيتم رأسه في عرصة الدار توطأ بالأقدام و ينقر دماغه الدجاج حتى قال القائل
اطرد الديك عن ذؤابة زيد طالما كان لا تطأه الدجاج
و قال شاعركم أيضا(16/208)
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة و لم نر مهديا على الجذع يصلب و قستم بعثمان عليا سفاهة و عثمان خير من علي و أطيبفروي أن بعض الصالحين من أهل البيت ع قال اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج يوما بسفر له فعرض له الأسد فافترسه و قتلتم الإمام جعفرا الصادق ع و قتلتم يحيى بن زيد و سميتم قاتله ثائر مروان و ناصر الدين هذا إلى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن أمركم و قولكم بعبد الله أبي جعفر المنصور قبل الخلافة و ما صنع مروان بإبراهيم الإمام أدخل رأسه في جراب نورة حتى مات فإن أنشدتم
أفاض المدامع قتلى كدى و قتلى بكثوة لم ترمس و بالزابيين نفوس ثوت و أخرى بنهر أبي فطرسأنشدنا نحن
و اذكروا مصرع الحسين و زيدا و قتيلا بجانب المهراس
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 239و القتيل الذي بنجران أمسى ثاويا بين غربة و تناو قد علمتم حال مروان أبيكم و ضعفه و أنه كان رجلا لا فقه له و لا يعرف بالزهد و لا الصلاح و لا برواية الآثار و لا بصحبة و لا ببعد همة و إنما ولي رستاقا من رساتيق درابجرد لابن عامر ثم ولي البحرين لمعاوية و قد كان جمع أصحابه و من تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد و قال يوم مرج راهط و الرءوس تندر عن كواهلها في طاعته
و ما ضرهم غير حين النفوس و أي غلامي قريش غلب(16/209)
هذا قول من لا يستحق أن يلي ربعا من الأرباع و لا خمسا من الأخماس و هو أحد من قتلته النساء لكلمة كان حتفه فيها. و أما أبوه الحكم بن العاص فهو طريد رسول الله ص و لعينه و المتخلج في مشيته الحاكي لرسول الله ص و المستمع عليه ساعة خلوته ثم صار طريدا لأبي بكر و عمر امتنعا عن إعادته إلى المدينة و لم يقبلا شفاعة عثمان فلما ولي أدخله فكان أعظم الناس شؤما عليه و من أكبر الحجج في قتله و خلعه من الخلافة فعبد الملك أبو هؤلاء الملوك الذين تفتخر الأموية بهم أعرق الناس في الكفر لأن أحد أبويه الحكم هذا و الآخر من قبل أمه معاوية بن المغيرة بن أبي العاص كان النبي ص طرده من المدينة و أجله ثلاثا فحيره الله تعالى حين خرج و بقي مترددا متلددا حولها لا يهتدي لسبيله حتى أرسل في أثره عليا ع و عمارا فقتلاه فأنتم أعرق الناس في الكفر و نحن أعرق الناس في الإيمان و لا يكون أمير المؤمنين إلا أولاهم بالإيمان و أقدمهم فيه. قال أبو عثمان و تفخر هاشم بأن أحدا لم يجد تسعين عاما لا طواعين فيها إلا منذ ملكوا قالوا لو لم يكن من بركة دعوتنا إلا أن تعذيب الأمراء بعمال الخراج شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 240بالتعليق و الزهق و التجريد و التسهير و المسالد النورة و الجورتين و العذراء و الجامعة و التشطيب قد ارتفع لكان ذلك خيرا كثيرا و في الطاعون يقول العماني الراجز يذكر دولتنا
قد رفع الله رماح الجن و أذهب التعذيب و التجني
و العرب تسمي الطواعين رماح الجن و في ذلك يقول الشاعر
لعمرك ما خشيت على أبي رماح بني مقيدة الحمارو لكني خشيت على أبي رماح الجن أو إياك حار(16/210)
يقول بعض بني أسد للحارث الغساني الملك. قال أبو عثمان و تفخر هاشم عليهم بأنهم لم يهدموا الكعبة و لم يحولوا القبلة و لم يجعلوا الرسول دون الخليفة و لم يختموا في أعناق الصحابة و لم يغيروا أوقات الصلاة و لم ينقشوا أكف المسلمين و لم يأكلوا الطعام و يشربوا على منبر رسول الله ص و لم ينهبوا الحرم و لم يطئوا المسلمات دار في الإسلام بالسباء. قلت نقلت من كتاب افتراق هاشم و عبد شمس لأبي الحسين محمد بن علي بن نصر المعروف بابن أبي رؤبة الدباس قال كان بنو أمية في ملكهم يؤذنون و يقيمون في العيد و يخطبون بعد الصلاة و كانوا في سائر صلاتهم لا يجهرون بالتكبير في الركوع و السجود و كان لهشام بن عبد الملك خصي إذا سجد هشام و هو يصلي في المقصورة قال لا إله إلا الله فيسمع الناس فيسجدون و كانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد و الجمعة و يقومون في الأخرى قال و رأى كعب مروان بن الحكم يخطب قاعدا فقال انظروا شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 241إلى هذا يخطب قاعدا و الله تعالى يقول لرسوله وَ تَرَكُوكَ قائِماً. قال و أول من قعد في الخطب معاوية و أول من أذن و أقام في صلاة العيد بشر بن مروان و كان عمال بني أمية يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة و يقول هؤلاء فروا من الجزية و يأخذون الصدقة من الخيل و ربما دخلوا دار الرجل قد نفق فرسه أو باعه فإذا أبصروا الآخية قالوا قد كان هاهنا فرس فهات صدقتها و كانوا يؤخرون صلاة الجمعة تشاغلا عنها بالخطبة و يطيلون فيها إلى أن تتجاوز وقت العصر و تكاد الشمس تصفر فعل ذلك الوليد بن عبد الملك و يزيد أخوه و الحجاج عاملهم و وكل بهم الحجاج المسالخ معه و السيوف على رءوسهم فلا يستطيعون أن يصلوا الجمعة في وقتها. و قال الحسن البصري وا عجبا من أخيفش أعيمش جاءنا ففتننا عن ديننا و صعد على منبرنا فيخطب و الناس يلتفتون إلى الشمس فيقول ما بالكم تلتفتون إلى الشمس إنا و الله ما نصلي للشمس إنما نصلي لرب(16/211)
الشمس أ فلا تقولون يا عدو الله إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار و حقا بالنهار لا يقبله بالليل ثم يقول الحسن و كيف يقولون ذلك و على رأس كل واحد منهم علج قائم بالسيف قال و كانوا يسبون ذراري الخوارج من العرب و غيرهم لما قتل قريب و زحاف الخارجيان سبى زياد ذراريهما فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهما و أعطى عباد بن حصين الأخرى و سبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري و بنت لقطري بن الفجاءة المازني فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك و اسمها أم سلمة شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 242فوطئها بملك اليمين على رأيهم فولدت له المؤمل و محمدا و إبراهيم و أحمد و حصينا بني عباس بن الوليد بن عبد الملك و سبي واصل بن عمرو القنا و استرق و سبي سعيد الصغير الحروري و استرق و أم يزيد بن عمر بن هبيرة و كانت من سبي عن الذين سباهم مجاعة و كانت بنو أمية تبيع الرجل في الدين يلزمه و ترى أنه يصير بذلك رقيقا. كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرا مولى لبني العنبر فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي و باع الحجاج علي بن بشير بن الماحوز لكونه قتل رسول المهلب على رجل من الأزد. فأما الكعبة فإن الحجاج في أيام عبد الملك هدمها و كان الوليد بن يزيد يصلي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة فقيل له فقرأ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. و خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله ص بالمدينة فقال تبا لهم إنما يطوفون بأعواد و رمة بالية هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك أ لا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله. قال و كانت بنو أمية تختم في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم. و بايع مسلم بن عقبة أهل المدينة كافة و فيها بقايا الصحابة و أولادها و صلحاء التابعين على أن كلا منهم عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية إلا علي بن الحسين ع فإنه بايعه على أنه أخوه و(16/212)