ذلك دعا برمة فأوثق بها عبد الله بن الزبعرى و دفعه إلى عتبة بن ربيعة فأقبل به مربوطا حتى أتى به قومه فأطلقه حمزة بن عبد المطلب و كساه فأغرى ابن الزبعرى أناس من قريش بقومه بني سهم و قالوا له اهجهم كما أسلموك فقال
لعمري ما جاءت بنكر عشيرتي و إن صالحت إخوانها لا ألومهافود جناة الشر أن سيوفنا بأيماننا مسلولة لا نشيمهافيقطع ذو الصهر القريب و يتركوا غماغم منها إذ أجد يريمهافإن قصيا أهل مجد و ثروة و أهل فعال لا يرام قديمهاهم منعوا يومي عكاظ نساءنا كما منع الشول الهجان قرومهاو إن كان هيج قدموا فتقدموا و هل يمنع المخزاة إلا حميمهامحاشيد للمقرى سراع إلى الندى مرازبة غلب رزان حلومها
قال فقدم الزبير بن عبد المطلب من الطائف فقال قصيدته التي يقول فيها
فلو لا الحمس لم يلبس رجال ثياب أعزة حتى يموتوا(16/193)


و قد ذكرنا قطعة منها فيما تقدم. قال الزبير و قال الزبير بن عبد المطلب أيضا في هذا المعنى شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 22قومي بنو عبد مناف إذا أظلم من حولي بالجندل لا أسد لن يسلموني و لا تيم و لا زهرة للنيطل و لا بنو الحارث إن مر بي يوم من الأيام لا ينجلي يا أيها الشاتم قومي و لا حق له عندهم أقبل إني لهم جار لئن أنت لم تقصر عن الباطل أو تقال الزبير و من شعر الزبير بن عبد المطلب يا ليت شعري إذا ما حمتي وقعت ما ذا تقول ابنتي في النوح تنعاني تنعى أبا كان معروف الدفاع عن المولى المضاف و فكاكا عن العاني و نعم صاحب عان كان رافده إذا تضجع عنه العاجز الوانقال الزبير و كان الزبير بن عبد المطلب ذا نظر و فكر أتى فقيل له مات فلان لرجل من قريش كان ظلوما فقال بأي عقوبة مات قالوا مات حتف أنفه فقال لئن كان ما قلتموه حقا إن للناس معادا يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم. قال و كان الزبير يكنى بأبي الطاهر و كانت صفية بنت عبد المطلب كنت ابنها الزبير بن العوام أبا الطاهر دهرا بكنية أخيها و كان للزبير بن عبد المطلب ابن يقال له الطاهر كان من أظرف فتيان مكة مات غلاما و به سمى رسول الله ص ابنه الطاهر و باسم الزبير سمت أخته صفية ابنها الزبير و قالت صفية ترثي أخاها الزبير بن عبد المطلب
بكي زبير الخير إذ مات إن كنت على ذي كرم باكيه
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 223لو لفظته الأرض ما لمتها أو أصبحت خاشعة عاريه قد كان في نفسي أن أترك الموتى و لا أتبعهم قافيه فلم أطق صبرا على رزئه وجدته أقرب إخوانيه لو لم أقل من في قولا له لقضت العبرة أضلاعيه فهو الشآمي و اليماني إذا ما خضروا ذو الشفاميه
و قال ضرار بن الخطاب يبكيه(16/194)


بكي ضباع على أبيك بكاء محزون أليم قد كنت أنشده فلا رث السلاح و لا سليم كالكوكب الدري يعلو ضوءه ضوء النجوم زخرت به أعراقه و نماه والده الكريم بين الأغر و هاشم فرعين قد فرعا القفأما القتول الخثعمية التي اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمي من أبيها فقد ذكر الزبير بن بكار قصتها في كتاب أنساب قريش. قال الزبير إن رجلا من خثعم قدم مكة تاجرا و معه ابنة يقال لها القتول أوضأ نساء العالمين فعلقها نبيه بن الحجاج السهمي فلم يبرح حتى غلب أباها عليها و نقلها إليه فقيل لأبيها عليك بحلف الفضول فأتاهم فشكا إليهم ذلك فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا له أخرج ابنة هذا الرجل و هو يومئذ منتبذ بناحية مكة و هي معه و إلا فإنا من قد عرفت فقال يا قوم متعوني بها الليلة فقالوا قبحك الله شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 224 أجهلك لا و الله و لا شخب لقحة فأخرجها إليهم فأعطوها أباها فقال نبيه بن الحجاج في ذلك قصيدة أولها
راح صحي و لم أحي القتولا لم أودعهم وداعا جميلاإذ أجد الفضول أن يمنعوها قد أراني و لا أخاف الفضولا
في أبيات طويلة و أما قصة البارقي فقد ذكرها الزبير أيضا. قال قدم رجل من ثمالة من الأزد مكة فباع سلعة من أبي بن خلف الجمحي فمطله بالثمن و كان سيئ المخالطة فأتى الثمالي أهل حلف الفضول فأخبرهم فقالوا اذهب فأخبره أنك قد أتيتنا فإن أعطاك حقك و إلا فارجع إلينا فأتاه فأخبره بما قال أهل حلف الفضول فأخرج إليه حقه فأعطاه فقال الثمالي(16/195)


أ يفجر بي ببطن مكة ظالما أبي و لا قومي لدي و لا صحبي و ناديت قومي بارقا لتجيبني و كم دون قومي من فياف و من سهب و يأبى لكم حلف الفضول ظلامتي بني جمح و الحق يؤخذ بالغصو أما قصة حلف الفضول و شرفه فقد ذكرها الزبير في كتابه أيضا قال كان بنو سهم و بنو جمح أهل بغي و عدوان فأكثروا من ذلك فأجمع بنو هاشم و بنو المطلب و بنو أسد و بنو زهرة و بنو تيم على أن تحالفوا و تعاقدوا على رد الظلم بمكة و ألا يظلم أحد شرح نهج البلاغة ج : 1ص : 225إلا منعوه و أخذوا له بحقه و كان حلفهم في دار عبد الله بن جدعان
قال رسول الله ص لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم و لو دعيت به اليوم لأجبت لا يزيده الإسلام إلا شدة
قال الزبير كان رجل من بني أسد قد قدم مكة معتمرا ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي فآواها إلى بيته ثم تغيب فابتغى الأسدي متاعه فلم يقدر عليه فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه فأغلظوا له فعرف أن لا سبيل له إلى ماله و طوف في قبائل قريش يستنفر بهم فتخاذلت القبائل عنه فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها و نادى بأعلى صوته
يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الأهل و النفرو محرم أشعث لم يقض عمرته يا آل فهر و بين الحجر و الحجرهل منصف من بني سهم فمرتجع ما غيبوا أم حلال مال معتمر(16/196)


فأعظمت ذلك قريش و تكلموا فيه فقال المطيبون و الله إن قمنا في هذا ليغضبن الأحلاف و قالت الأحلاف و الله إن قمنا في هذا ليغضبن المطيبون فقالت قبائل من قريش هلموا فلنحتلف حلفا جديدا لننصرن المظلوم على الظالم ما بل بحر صوفة فاجتمعت هاشم و المطلب و أسد و تيم و زهرة في دار عبد الله بن جدعان و رسول الله ص يومئذ معهم و هو شاب ابن خمس و عشرين سنة لم يوح إليه بعد فتحالفوا ألا يظلم بمكة غريب و لا قريب و لا حر و لا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه و يردوا إليه مظلمته من أنفسهم و من غيرهم ثم عمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة ثم بعثوا به إلى البيت فغسلوا به أركانه ثم جمعوه و أتوهم به فشربوه ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 226فقالوا له أد إلى هذا حقه فأدى إليه حقه فمكثوا كذلك دهرا لا يظلم أحد بمكة إلا أخذوا له حقه فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ول لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول. قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن موسى بن محمد عن أبيه أن الحلف كان على ألا يدعوا بمكة كلها و لا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا عليه ماله و مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا و على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و على التأسي في المعاش. قال الزبير و يقال إنه إنما سمي حلف الفضول لأن رجالا كانوا في وجوههم تحالفوا على رد المظالم يقال لهم فضيل و فضال و فضل و مفضل فسمي هذا الحلف حلف الفضول لأنه أحيا تلك السنة التي كانت ماتت. قال الزبير و قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان و كان من علماء قريش فقال له يا أبا سعيد أ لم نكن يعني بني عبد شمس و أنتم في حلف الفضول فقال أمير المؤمنين أعلم قال لتخبرني بالحق قال لا و الله يا أمير المؤمنين لقد خرجنا نحن و أنتم منه و ما كانت يدنا و يدكم إلا جميعا في الجاهلية و الإسلام.(16/197)

75 / 150
ع
En
A+
A-