في رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات و لم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء و لهم العدد و العارضة منهم من ذكرنا قصته. قال أبو عثمان و لهاشم أخرى لا يعد أحد مثلها و لا يأتي بما يتعلق بها و ذلك أن رؤساء قبائل قريش خرجوا إلى حرب بني عامر متساندين فكان حرب بن أمية على بني عبد شمس و كان الزبير بن عبد المطلب على بني هاشم و كان عبد الله بن جدعان على بني تيم و كان هشام بن المغيرة على بني مخزوم و كان على كل قبيلة رئيس منها فهم متكافئون في التساند و لم يحقق واحد منهم الرئاسة على الجميع ثم آب هاشم بما لا تبلغه يد متناول و لا يطمع فيه طامع و ذلك
أن النبي ص قال شهدت الفجار و أنا غلام فكنت أنبل فيه على عمومتي
فنفى مقامه ع أن تكون قريش هي التي فجرت فسميت تلك الحرب حرب الفجار و ثبت أن الفجور إنما كان ممن حاربهم و صاروا بيمنه و بركته و لما يريد الله تعالى من إعزاز أمره و إعظامه الغالبين العالين و لم يكن الله ليشهده فجرة و لا غدرة فصار مشهده نصرا و موضعه فيهم حجة و دليلا. قال أبو عثمان و شرف هاشم متصل من حيث عددت كان الشرف معك كابرا عن كابر و ليس بنو عبد شمس كذلك فإن الحكم بن أبي العاص كان عاديا في الأعلام و لم يكن له سناء في الجاهلية. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 207و أما أمية فلم يكن في نفسه هناك و إنما رفعه أبوه كان مضعوفا و كان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية و عبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب و تعجب من إقدام حرب عليه و قال له
أبوك معاهر و أبوه عف و ذاد الفيل عن بلد حرام(16/178)
و ذلك أن أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم بالسيف فأراد بنو أمية و من تبعهم إخراج زهرة من مكة فقام دونهم قيس بن عدي السهمي و كانوا أخواله و كان منيع الجانب شديد العارضة حمي الأنفس أبي النفس فقام دونهم و صاح أصبح ليل فذهبت مثلا و نادى الآن الظاعن مقيم و في هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله ص
مهلا أمي فإن البغي مهلكة لا يكسبنك يوم شره ذكرتبدو كواكبه و الشمس طالعة يصب في الكأس منه الصبر و المقر(16/179)
قال أبو عثمان و صنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية و المقيتون في الإسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم فإما أن يتزوجها في حياة الأب و يبني عليها و هو يراه فإنه شي ء لم يكن قط. قال أبو عثمان و قد أقر معاوية على نفسه و رهطه لبني هاشم حين قيل له أيهما كان أسود في الجاهلية أنتم أم بنو هاشم فقال كانوا أسود منا واحدا و كنا شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 208أكثر منهم سيدا فأقر و ادعى فهو في إقراره بالنقص مخصوم و في ادعائهفضل خصيم. و قال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب و الله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا الوادي و لأحالفن أعزهم فتزوج أميمة بنت عبد المطلب و حالف أبا سفيان بن حرب و قد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم و لا يمكن أن يكون أكرمهم ليس بأكرمهم و قد أقر أبو جهل على نفسه و رهطه من بني مخزوم حين قال تحاربنا نحن و هم حتى إذا صرنا كهاتين قالوا منا نبي فأقر بالتقصير ثم ادعى المساواة أ لا تراه كيف أقر أنه لم يزل يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم فهو مخصوم في إقراره خصيم في دعواه و قد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم فقال هم أطعم للطعام و أضرب للهام و هاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف. قال أبو عثمان و العجب من منافرة حرب بن أمية عبد المطلب بن هاشم و قد لطم حرب جارا لخلف بن أسعد جد طلحة الطلحات فجاء جاره فشكا ذلك إليه فمشى خلف إلى حرب و هو جالس عند الحجر فلطم وجهه عنوة من غير تحاكم و لا تراض فما انتطح فيه عنزان ثم قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته فحالفه أبو الأزيهر الدوسي و كان عظيم الشأن في الأزد و كانت بينه و بين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت بين الوليد و بينه فجاءه هشام بن الوليد و أبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان بذي المجاز فضرب عنقه(16/180)
فلم يدرك به أبو سفيان عقلا و لا قودا في بني المغيرة و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 20غدا أهل حصني ذي المجاز بسحرة و جار ابن حرب لا يروح و لا يغدوكساك هشام بن الوليد ثيابه فأبل و أخلق مثلها جددا بعد
فهذه جملة صالحة مما ذكره شيخنا أبو عثمان. و نحن نورد من كتاب أنساب قريش للزبير بن بكار ما يتضمن شرحا لما أجمله شيخنا أبو عثمان أو لبعضه فإن كلام أبي عثمان لمحة و إشارة و ليس بالمشروح. قال الزبير حدثني عمر بن أبي بكر العدوي من بني عدي بن كعب قال حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن أبيه قال اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بعد موت أبيه عبد مناف السقاية و الرفادة و ذلك أن عبد شمس كان يسافر قل أن يقيم بمكة و كان رجلا معيلا و كان له ولد كثير و كان هاشم رجلا موسرا فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله و أهل بيته و إنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم لذلك ضيف الله و أحق ضيف بالكرامة ضيف الله و قد خصكم الله بذلك و أكرمكم به ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه و زواره فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح و قد أرجفوا و تفلوا و قملوا و أرملوا فأقروهم و أعينوهم قال فكانت قريش تترافد على ذلك حتى إن كل أهل بيت ليرسلون بالشي ء اليسير على قدر حالهم و كان هاشم يخرج في كل سنة مالا كثيرا و كان قوم من قريش يترافدون و كانوا أهل يسار فكان كل إنسان ربما أرسل مائة مثقال ذهب هرقلية شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 210و كان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج و كان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة و بمنى و بجمع و عرفة و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق التمر و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى و الماء يومئذ قليل إلى أن يصدر الحاج من(16/181)
منى ثم تنقطع الضيافة و تتفرق الناس إلى بلادهم. قال الزبير و إنما سمي هاشما لهشمه الثريد و كان اسمه عمرا ثم قالوا عمرو العلا لمعاليه و كان أول من سن الرحلتين رحلة إلى الحبشة و رحلة إلى الشام ثم خرج في أربعين من قريش فبلغ غزة فمرض بها فمات فدفنوه بها و رجعوا بتركته إلى ولده و يقال إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبو رهم عبد العزى بن أبي قيس العامري من بني عامر بن لؤي. قال الزبير و كان يقال لهاشم و المطلب البدران و لعبد شمس و نوفل الأبهران. قال الزبير و قد اختلف في أي ولد عبد مناف أسن و الثبت عندنا أن أسنهم هاشم و قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عمر بن عبد العزيز بن مروان(16/182)