الله سبحانه يقول يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد و يجعله ك صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُلا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. قال النقيب أبو جعفر فلما وصل هذا الكتاب إلى علي ع مع أبي أمامة الباهلي كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني و كتب معه هذا الجواب. قال النقيب و في كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم و ليس في ذلك هذه اللفظة و إنما فيه حسدت الخلفاء و بغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطائك عن الخلفاء. قال و إنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين و المشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه و الصحيح أنها في كتاب أبي أمامة أ لا تراها عادت شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 188في جوابه و لو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه. انتهى كلام النقيب أبي جعفرو نحن الآن مبتدءون في شرح ألفاظ الجواب المذكور. قوله فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا موضع التعجب إن معاوية يخبر عليا ع باصطفاء الله تعالى محمدا و تشريفه له و تأييده له و هذا ظريف لأنه يجري كإخبار زيد عمرا عن حال عمرو إذ كان النبي ص و علي ع كالشي ء الواحد و خب مهموز و المصدر الخب ء و منه الخابية و هي الخب ء إلا أنهم تركوا همزها و الخب ء أيضا و الخبي ء على فعيل ما خبئ. و بلاء الله تعالى إنعامه و إحسانه. و قوله ع كناقل التمر إلى هجر مثل قديم و هجر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف و التأنيث و(16/163)
قيل هو اسم مذكر مصروف و المثل كمستبضع تمر إلى هجر و النسبة إليه هاجري على غير قياس و هي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها قال الشاعر في هذا المعنى
أهدي له طرف الكلام كما يهدى لوالي البصرة التمر
قوله و داعي مسدده إلى النضال أي معلمه الرمي و هذا إشارة إلى قول القائل الأول شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 18أعلمه الرماية كل يوم فلما استد ساعده رماني
هكذا الرواية الصحيحة بالسين المهملة أي استقام ساعده على الرمي و سددت فلانا علمته النضال و سهم سديد مصيب و رمح سديد أي قل أن تخطئ طعنته و قد ظرف القاضي الأرجاني في قوله لسديد الدولة محمد بن عبد الكريم الأنباري كاتب الإنشاء
إلى الذي نصب المكارم للورى غرضا يلوح من المدى المتباعدنثل الأماثل من كنانته فما وجدت يداه سوى سديد واحد
و من الأمثال في هذا المعنى سمن كلبك يأكلك و منها أحشك و تروثني. قوله ع و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان أي أبو بكر و عمر. قوله ع فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و إن نقص لم يلحقك ثلمه من هذا المعنى قول الفرزدق لجرير و قد كان جرير في مهاجاته إياه يفخر عليه بقيس عيلان فقد كانت لجرير في قيس خئولة يعيره بأيامهم على بني تميم فلما قتل بنو تميم قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان قال الفرزدق يفتخر
أتاني و أهلي بالمدينة وقعة لآل تميم أقعدت كل قائم
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 190كان رءوس الناس إذ سمعوا بها مشدخة هاماتها بالأمائم و ما بين من لم يؤت سمعا و طاعة و بين تميم غير جز الحلاثم خرج إلى خطاب جرير بعد أبيات تركنا ذكرها فقال(16/164)
أ تغضب إن أذنا قتيبة جزتا جهارا و لم تغضب لقتل ابن حازم و ما منهما إلا نقلنا دماغه إلى الشام فوق الشاحجات الرواسم تذبذب في المخلاة تحت بطونها محذفة الأذناب جلح المقادم و ما أنت من قيس فتنبح دونها و لا من تميم في الرءوس الأعاظم تخوفنا أيام قيس و لم تدع ان أنفا مستقيم الخياشم لقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلا عضها بالأباهمفقوله
و ما أنت من قيس فتنبح دونها
هو معنى قول علي ع لمعاوية فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و ابن حازم المذكور في الشعر هو عبد الله بن حازم من بني سليم و سليم من قيس عيلان و قتلته تميم أيضا و كان والي خراسان. قوله ع و ما أنت و الفاضل و المفضول الرواية المشهورة بالرفع و قد رواها قوم بالنصب فمن رفع احتج بقوله و ما أنت و بيت أبيك و الفخر. و بقوله
فما القيسي بعدك و الفخار
و من نصب فعلى تأويل مالك و الفاضل و في ذلك معنى الفعل أي ما تصنع لأن شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 191هذا الباب لا بد أن يتضمن الكلام فيه فعلا أو معنى فعل و أنشدوافما أنت و السير في متلف(16/165)
و الرفع عند النحويين أولى. ثم قال و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز النصب هاهنا لا غير لأجل اللام في الطلقاء. ثم قال ع بين المهاجرين الأولين و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم هذا الكلام ينقض ما يقول من يطعن في السلف فإن أمير المؤمنين ع أنكر على معاوية تعرضه بالمفاضلة بين أعلام المهاجرين و لم يذكر معاوية إلا للمفاضلة بينه ع و بين أبي بكر و عمر فشهادة أمير المؤمنين ع بأنهما من المهاجرين الأولين و من ذوي الدرجات و الطبقات التي اشتبه الحال بينهما و بينه ع في أي الرجال منهم أفضل و أن قدر معاوية يصغر أن يدخل نفسه في مثل ذلك شهادة قاطعة على علو شأنهما و عظم منزلتهما. قوله ع هيهات لقد حن قدح ليس منها هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم و أصله القداح من عود واحد يجعل فيها قدح من غير ذلك الخشب فيصوت بينها إذا أرادها المفيض فذلك الصوت هو حنينه. قوله و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها أي و طفق يحكم في هذه القصة شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 192أو في هذه القضية من يجب أن يكون الحكم لها عليه لا له فيها و يجوز أن يكون الضمير يرجع إلى الطبقات. ثم قال أ لا تربع أيها الإنسان على ظلعك أي أ لا ترفق بنفسك و ت و لا تحمل عليها ما لا تطيقه و الظلع مصدر ظلع البعير يظلع أي غمز في مشيه. قوله و تعرف قصور ذرعك أصل الذرع بسط اليد يقال ضقت به ذرعا أي ضاق ذرعي به فنقلوا الاسم من الفاعلية فجعلوه منصوبا على التمييز كقولهم طبت به نفسا. قوله و تتأخر حيث أخرك القدر مثل قولك ضع نفسك حيث وضعها الله يقال ذلك لمن يرفع نفسه فوق استحقاقه. ثم قال فما عليك غلبة المغلوب و لا عليك ظفر الظافر يقول و ما الذي أدخلك بيني و بين أبي بكر و عمر و أنت من بني أمية لست هاشميا و لا تيميا و لا عدويا هذا فيما يرجع إلى أنسابنا و لست مهاجرا و لا ذا قدم في الإسلام فتزاحم المهاجرين و أرباب السوابق بأعمالك و اجتهادك(16/166)
فإذن لا يضرك غلبة الغالب منا و لا يسرك ظفر الظافر و يروى أن مروان بن الحكم كان ينشد يوم مرج راهط و الرءوس تندر عن كواهلها بينه و بين الضحاك بن قيس الفهري
و ما ضرهم غير حين النفوس أي غلامي قريش غلب
قوله ع و إنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد يحتمل قوله ع في التيه معنيين أحدهما بمعنى الكبر و الآخر التيه من قولك تاه فلان في البيداء و منه قوله تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ و هذا الثاني أحسن شرح نهج الاغة ج : 15 ص : 193يقول إنك شديد الإيغال في الضلال و ذهاب فعال للتكثير و يقال أرض متيهة مثل معيشة أي يتاه فيها. قال ع رواغ عن القصد أي تترك ما يلزمك فعله و تعدل عما يجب عليك أن تجيب عنه إلى حديث الصحابة و ما جرى بعد موت النبي ص و نحن إلى الكلام في غير هذا أحوج إلى الكلام في البيعة و حقن الدماء و الدخول تحت طاعة الإمام. ثم قال أ لا ترى غير مخبر لك و لكن بنعمة الله أحدث أي لست عندي أهلا لأن أخبرك بذلك أيضا فإنك تعلمه و من يعلم الشي ء لا يجوز أن يخبر به و لكن أذكر ذلك لأنه تحدث بنعمة الله علينا و قد أمرنا بأن حدث بنعمته سبحانه. قوله ع إن قوما استشهدوا في سبيل الله المراد هاهنا سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه و ينبغي أن يحمل قول النبي ص فيه إنه سيد الشهداء على أنه سيد الشهداء في حياة النبي ص لأن عليا ع مات شهيدا و لا يجوز أن يقال حمزة سيده بل هو سيد المسلمين كلهم و لا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله أنه أفضل من حمزة و جعفر رضي الله عنهما و قد تقدم ذكر التكبير الذي كبره رسول الله ص على حمزة في قصة أحد. قوله ع و لكل فضل أي و لكل واحد من هؤلاء فضل لا يجحد. قوله أ و لا ترى أن قوما قطعت أيديهم هذا إشارة إلى جعفر و قد تقدم ذلك في قصة مؤتة. قوله و لو لا ما نهى الله عنه هذا إشارة إلى نفسه ع. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 194قوله و لا تمجها آذان(16/167)