فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية و يميل إليهم خلق كثير لقربتهم من رسول الله ص و ما في هذا الكتاب من إطرائهم أو كما قال و إذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل و كانوا هم أبسط شرح هج البلاغة ج : 15 ص : 173ألسنة و أثبت حجة منهم اليوم فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا و لم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشي ء و كان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله ص أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العا من شبهة قد دخلتهم في أديانهم و فساد قد لحقهم في معتقدهم و عصبية قد غلبت عليها أهواؤهم و نطقت بها ألسنتهم على غير معرفة و لا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة و لا بصيرة و خالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة قال الله تعالى وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ خروجا عن الجماعة و مسارعة إلى الفتنة و إيثارا للفرقة و تشتيتا للكلمة و إظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة و بتر منه العصمة و أخرجه من الملة و أوجب عليه اللعنة و تعظيما لمن صغر الله حقه و أوهن أمره و أضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة و مخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة و أسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة و الرحمة وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك و رأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين و فسادا لمن قلده الله أمره من المسلمين و إهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين و تبصير الجاهلين و إقامة الحجة على الشاكين و بسط اليد على المعاندين و أمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين أن الله جل ثناؤه لما ابتعث محمدا ص بدينه و أمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله و عشيرته فدعاهم إلى ربه و أنذرهم و بشرهم(16/148)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 174و نصح لهم و أرشدهم فكان من استجاب له و صدق قوله و اتبع أمره نفير يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربه و ناصر لكلمته و إن لم يتبع دينه إعزازا له و إشفاقا عليه فمؤمنهم مجاهد ببصيرته و كافرهم مجاهد بنصرته و حميته يدفن من نابذه و يقهرون من عازه و عانده و يتوثقون له ممن كانفه و عاضده و يبايعون من سمح بنصرته و يتجسسون أخبار أعدائه و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتى بلغ المدى و حان وقت الاهتداء فدخلوا في دين الله و طاعته و تصديق رسوله و الإيمان به بأثبت بصيرة و أحسن هدى و رغبة فجعلهم الله أهل بيت الرحمة و أهل بيت الذين أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا معدن الحكمة و ورثة النبوة و موضع الخلافة أوجب الله لهم الفضيلة و ألزم العباد لهم الطاعة. و كان ممن عانده و كذبه و حاربه من عشيرته العدد الكثير و السواد الأعظم يتلقونه بالضرر و التثريب و يقصدونه بالأذى و التخويف و ينابذونه بالعداوة و ينصبون له المحاربة و يصدون من قصده و ينالون بالتعذيب من اتبعه و كان أشدهم في ذلك عداوة و أعظمهم له مخالفة أولهم في كل حرب و مناصبة و رأسهم في كل إجلاب و فتنة لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها و قائدها و رئيسها أبا سفيان بن حرب صاحب أحد و الخندق و غيرهما و أشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله ص في مواطن عدة لسابق علم الله فيهم و ماضي حكمه في أمرهم و كفرهم و نفاقهم فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهدا و يدافع مكايدا و يجلب منابذا حتى قهره السيف و علا أمر الله و هم كارهون فتعوذ بالإسلام غير منطو عليه و أسر الكفر غير مقلع عنه فقبله و قبل ولده على علم منه بحاله و حالهم ثم أنزل الله شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 175تعالى كتابا فيما أنزله على رسوله يذكر فيهأنهم و هو قوله تعالى وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ و(16/149)


لا خلاف بين أحد في أنه تعالى و تبارك أراد بها بني أمية. و مما ورد من ذلك في السنة و رواه ثقات الأمة
قول رسول الله ص فيه و قد رآه مقبلا على حمار و معاوية يقوده و يزيد يسوقه لعن الله الراكب و القائد و السائق
و منه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة فو الله ما من جنة و لا نار و هذا كفر صراح يلحقه اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون. و منه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره و قوله لقائده هاهنا رمينا محمدا و قتلنا أصحابه. و منها الكلمة التي قالها للعباس قبل الفتح و قد عرضت عليه الجنود لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال له العباس ويحك إنه ليس بملك إنها النبوة. و منها قوله يوم الفتح و قد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذن و يقول أشهد أن محمدا رسول الله لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد. و منه الرؤيا التي رآها رسول الله ص فوجم لها قالوا فما رئي بعدها ضاحكا رأى نفرا من بني أمية ينزون على منبره نزوة القردة. و منها طرد رسول الله ص الحكم بن أبي العاص لمحاكاته إياه في شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 176مشيته و ألحقه الله بدعوة رسول الله ص آفة باقية حين التفت إليه فرآه يتخلج يحكيه فقال كن كما أنت فبقي على ذلك سائر عمره. هذا إلى ما كان من مروان ابنه في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام و احتقابه كحرام سفك فيها أو أريق بعدها. و منها ما أنزل الله تعالى على نبيه ص لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قالوا ملك بني أمية. و منها
أن رسول الله ص دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره و اعتل بطعامه فقال ص لا أشبع الله بطنه
فبقي لا يشبع و هو يقول و الله ما أترك الطعام شبعا و لكن إعياء. و منها(16/150)


أن رسول الله ص قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي
فطلع معاوية. و منها أن رسول الله ص قال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه
و منها الحديث المشهور المرفوع أنه ص قال إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنم ينادي يا حنان يا منان فيقال له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
و منها افتراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكانا و أقدمهم إليه سبقا و أحسنهم فيه أثرا و ذكرا علي بن أبي طالب ينازعه حقه بباطله و يجاهد أنصاره بضلاله أعوانه و يحاول ما لم يزل هو و أبوه يحاولانه من إطفاء نور الله و جحود دينه شرح نهج البلاغة ج : 15 : 177 وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و يستهوي أهل الجهالة و يموه لأهل الغباوة بمكره و بغيه اللذين قدم رسول الله ص الخبر عنهما
فقال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية(16/151)


تدعوهم إلى الجنة و يدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة كافرا بالآجلة خارجا من ربقة الإسلام مستحلا للدم الحرام حتى سفك في فتنته و على سبيل غوايته و ضلالته ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين الله و الناصرين لحقه مجاهدا في عداوة الله مجتهدا في أن يعصى الله فلا يطاع و تبطل أحكامه فلا تقام و يخالف دينه فلا بد و أن تعلو كلمة الضلال و ترتفع دعوة الباطل و كلمة الله هي العليا و دينه المنصور و حكمه النافذ و أمره الغالب و كيد من عاداه و حاده المغلوب الداحض حتى احتمل أوزار تلك الحروب و ما تبعها و تطوق تلك الدماء و ما سفك بعدها و سن سنن الفساد التي عليه إثمها و إثم من عمل بها و أباح المحارم لمن ارتكبها و منع الحقوق أهلها و غرته الآمال و استدرجه الإمهال و كان مما أوجب الله عليه به اللعنة قتله من قتل صبرا من خيار الصحابة و التابعين و أهل الفضل و الدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي و حجر بن عدي الكندي فيمن قتل من أمثالهم على أن تكون له العزة و الملك و الغلبة ثم ادعاؤه زياد ابن سمية أخا و نسبته إياه إلى أبيه و الله تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و
رسول الله ص يقول ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه
و قال الولد للفراش و للعاهر الحجر(16/152)

66 / 150
ع
En
A+
A-