شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 155قوله و لا تنفرن بهيمة و لا تفزعنها و ذلك أنهم على عادة السوء يهجهجون بالقطيع حتى تنفر الإبل و كذلك بالشاء إظهارا للقوة و القهر و ليتمكن أعوانهم من اختيار الجيد و رفض الردي ء. قوله و لا تسوءن صاحبها فيها أي لا تغموه و لا تحه يقال سؤته في كذا سوائية و مسائية. قوله و اصدع المال صدعين و خيره أي شقه نصفين ثم خيره فإذا اختار أحد النصفين فلا تعرضن لما اختار ثم اصدع النصف الذي ما ارتضاه لنفسه صدعين و خيره ثم لا تزال تفعل هكذا حتى تبقي من المال بمقدار الحق الذي عليه فأقبضه منه فإن استقالك فأقله ثم اخلط المال ثم عد لمثل ما صنعت حتى يرضى و ينبغي أن يكون المعيبات الخمس و هي المهلوسة و المكسورة و أخواتهما يخرجها المصدق من أصل المال قبل قسمته ثم يقسم و إلا فربما وقعت في سهم المصدق إذا كان يعتمد ما أمره به من صدع المال مرة بعد مرة. و العود المسن من الإبل و الهرمة المسنة أيضا و المكسورة التي أحد قوائمها مكسورة العظم أو ظهرها مكسور و المهلوسة المريضة قد هلسها المرض و أفنى لحمها و الهلاس السل و العوار بفتح العين العيب و قد جاء بالضم. و المعنف ذو العنف بالضم و هو ضد الرفق و المجحف الذي يسوق المال سوقا عنيفا فيجحف به أي يهلكه أو يذهب كثيرا من لحمه و نقية. و الملغب المتعب و اللغوب الإعياء. و حدرت السفينة و غيرها بغير ألف أحدرها بالضم. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 156قوله بين ناقة و بين فصيلها الأفصح حذف بين الثانية لأن الاسمين ظاهران و إنما تكرر إ جاءت بعد المضمر كقولك المال بيني و بين زيد و بين عمرو و ذلك لأن المجرور لا يعطف عليه إلا بإعادة حرف الجر و الاسم المضاف و قد جاء المال بين زيد و عمرو و أنشدوا
بين السحاب و بين الريح ملحمة قعاقع و ظبي في الجو تخترط
و أيضا
بين الندي و بين برقة ضاحك غيث الضريك و فارس مقدام
و من شعر الحماسة(16/133)


و إن الذي بيني و بين بني أبي و بين بني عمي لمختلف جدا
و ليس قول من يقول إنه عطف بين الثالثة على الضمير المجرور بأولى من قول من يقول بل عطف بين الثالثة على بين الثانية لأن المعنى يتم بكل واحد منها. قوله ع و لا تمصر لبنها المصر حلب ما في الضرع جميعه نهاه من أن يحلب اللبن كله فيبقى الفصيل جائعا ثم نهاه أن يجهدها ركوبا أي يتعبها و يحملها مشقة ثم أمره أن يعدل بين الركاب في ذلك لا يخص بالركوب واحدة بعينها ليكون ذلك أروح لهن ليرفه على اللاغب أي ليتركه و ليعفه عن الركوب ليستريح و الرفاهية الدعة و الراحة. و النقب ذو النقب و هو رقة خف البعير حتى تكاد الأرض تجرحه أمره أن يستأني بالبعير ذي النقب من الأناة و هي المهلة. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 157و الظالع الذي ظلع أي غمز في مشيه. و الغدر جمع غدير الماء و جواد الطريق حيث لا ينبت المرعى. و النطاف جمع نطفة و هي الماء الصافي القليل. و البدن بالتشديد السمان واحدها بادن. و منات ذوات نقي و هو المخ في العظم و الشحم في العين من السمن و أنقت الإبل و غيرها سمنت و صار فيها نقي و ناقة منقية و هذه الناقة لا تنقي(16/134)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 26158- و من عهد له ع إلى بعض عماله و قد بعثه على الصدقةآمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَ خَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لَا شَاهِدَ غَيْرُهُ وَ لَا وَكِيلَ دُونَهُ وَ آمُرُهُ أَلَّا يَعْمَلَ بِشَيْ ءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَ مَنْ لَمْ يَخْتلِفْ سِرُّهُ وَ عَلَانِيَتُهُ وَ فِعْلُهُ وَ مَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَ أَخْلَصَ الْعِبَادَةَ وَ آمُرُهُ أَلَّا يَجْبَهَهُمْ وَ لَا يَعْضَهَهُمْ وَ لَا يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَ الْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَ إِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَ حَقّاً مَعْلُوماً وَ شُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَ ضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ وَ إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَ إِلَّا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ بُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكِينُ وَ السَّائِلُونَ وَ الْمَدْفُوعُونَ وَ الْغَارِمُونَ وَ ابْنُ السَّبِيلِ وَ مَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَ رَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَ لَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَ دِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَ هُوَ فِي الآْخِرَةِ أَذَلُّ وَ أَخْزَى وَ إِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَ أَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَ السَّلَامُ(16/135)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 159حيث لا شهيد و لا وكيل دونه يعني يوم القيامة. قوله ألا يعمل بشي ء من طاعة الله فيما ظهر أي لا ينافق فيعمل الطاعة في الظاهر و المعصية في الباطن. ثم ذكر أن الذين يتجنبون النفاق و الرياء هم المخلصون. و ألا يجبههم لا يواجههم بمكرهونه و أصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته به سمي بذلك جبها. قوله و لا يعضههم أي لا يرميهم بالبهتان و الكذب و هي العضيهة و عضهت فلانا عضها و قد عضهت يا فلان أي جئت بالبهتان قوله و لا يرغب عنهم تفضلا يقول لا يحقرهم ادعاء لفضله عليهم و تمييزه عنهم بالولاية و الإمرة يقال فلان يرغب عن القوم أي يأنف من الانتماء إليهم أو من المخالطة لهم. و كان عمر بن عبد العزيز يدخل إليه سالم مولى بني مخزوم و عمر في صدر بيته فيتنحى عن الصدر و كان سالم رجلا صالحا و كان عمر أراد شراءه و عتقه فأعتقه مواليه فكان يسميه أخي في الله فقيل له أ تتنحى لسالم فقال إذا دخل عليك من لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه شرف المجلس و هم السراج ليلة بأن يخمد فوثب إليه رجاء بن حيوة ليصلحه فأقسم عليه عمر بن عبد العزيز فجلس ثم قام عمر فأصلحه فقال له رجاء أ تقوم أنت يا أمير المؤمنين قال نعم قمت و أنا عمر بن عبد العزيز و رجعت و أنا عمر بن عبد العزيز شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 16 قال رسول الله ص لا ترفعوني فوق قدري فتقولوا في ما قالت النصارى في ابن مريم فإن الله عز و جل اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا(16/136)


ثم قال إن أرباب الأموال الذين تجب الصدقة عليهم في أموالهم إخوانك في الدين و أعوانك على استخراج الحقوق لأن الحق إنما يمكن العامل استيفاؤه بمعاونة رب المال و اعترافه به و دفعه إليه فإذا كانوا بهذه الصفة لم يجز لك عضههم و جبههم و ادعاء الفضل عليهم. ثم ذكر أن لهذا العامل نصيبا مفروضا من الصدقة و ذلك بنص الكتاب العزيز فكما نوفيك نحن حقك يجب عليك أن توفي شركاءك حقوقهم و هم الفقراء و المساكين و الغارمون و سائر الأصناف المذكورة في القرآن و هذا يدل على أنه ع قد فوضه في صرف الصدقات إلى الأصناف المعلومة و لم يأمره بأن يحمل ما اجتمع إليه ليوزعه هو ع على مستحقيه كما في الوصية الأولى و يجوز للإمام أن يتولى ذلك بنفسه و أن يكله إلى من يثق به من عماله. و انتصب أهل مسكنة لأنه صفة شركاء و في التحقيق أن شركاء صفة أيضا موصوفها محذوف فيكون صفة بعد صفة. و قال الراوندي انتصب أهل مسكنه لأنه بدل من شركاء و هذا غلط لأنه لا يعطي معناه ليكون بدلا منه. و قال أيضا بؤسى أي عذابا و شدة فظنه منونا و ليس كذلك بل هو بؤسى على وزن فعلى كفضلى و نعمى و هي لفظة مؤنثة يقال بؤسى لفلان قال الشاعر
أرى الحلم بؤسى للفتى في حياته و لا عيش إلا ما حباك به الجهل(16/137)

63 / 150
ع
En
A+
A-