فإن قلت لقائل أن يقول إذا أوصاهم بالتوحيد و اتباع سنة النبي ص شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 144فلم يبق شي ء بعد ذلك يقول فيه أقيموا هذين العمودين و خلاكم ذم لأن سنة النبي ص فعل كل واجب و تجنب كل قبيح فخلاهم ذم فما ذا يقال. و الجواب أن كثيرا من الصحابة كلفونفسهم أمورا من النوافل شاقة جدا فمنهم من كان يقوم الليل كله و منهم من كان يصوم الدهر كله و منهم المرابط في الثغور و منهم المجاهد مع سقوط الجهاد عنه لقيام غيره به و منهم تارك النكاح و منهم تارك المطاعم و الملابس و كانوا يتفاخرون بذلك و يتنافسون فيه فأراد ع أن يبين لأهله و شيعته وقت الوصية أن المهم الأعظم هو التوحيد و القيام بما يعلم من دين محمد ص أنه واجب و لا عليكم بالإخلال بما عدا ذلك فليت من المائة واحدا نهض بذلك و المراد ترغيبهم بتخفيف وظائف التكاليف عنهم فإن الله تعالى يقول يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و
قال ص بعثت بالحنيفية السهلة السمحة(16/123)


قوله و خلاكم ذم لفظة تقال على سبيل المثل أي قد أعذرتم و سقط عنكم الذم. ثم قسم أيامه الثلاثة أقساما فقال أنا بالأمس صاحبكم أي كنت أرجى و أخاف و أنا اليوم عبرة لكم أي عظة تعتبرون بها و أنا غدا مفارقكم أكون في دار أخرى غير داركم. ثم ذكر أنه إن بقي و لم يمت من هذه الضربة فهو ولي دمه إن شاء عفا و إن شاء اقتص و إن لم يبق فالفناء الموعد الذي لا بد منه. ثم عاد فقال و إن أعف و التقسيم ليس على قاعدة تقسيم المتكلمين و المعنى منه مفهوم و هو إما أن أسلم من هذه الضربة أو لا أسلم فإن سلمت منها فأنا ولي دمي إن شئت عفوت فلم أقتص و إن شئت اقتصصت و لا يعني بالقصاص هاهنا القتل بل ضربة بضربة فإن سرت إلى النفس كانت السراية مهدرة كقطع اليد. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 145ثم أومأ إلى أنه إن سلم عفا بقوله إن العفو لي إن عفوت قربة. ثم عدنا إلى القسم الثاني من القسمين الأولين و هو أنع لا يسلم من هذه فولاية الدم إلى الورثة إن شاءوا اقتصوا و إن شاءوا عفوا. ثم أومأ إلى أن العفو منهم أحسن بقوله و هو لكم حسنة بل أمرهم أمرا صريحا بالعفو فقال فاعفوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ و هذا لفظ الكتاب العزيز و ينبغي أن يكون أمره بالعفو في هذا الكلام محمولا على الندب. ثم أقسم ع أنه ما فجأة من الموت أمر أنكره و لا كرهه فجأني الشي ء أتاني بغتة. ثم قال ما كنت إلا كقارب ورد و القارب الذي يسير إلى الماء و قد بقي بينه و بينه ليلة واحدة و الاسم القرب فهم قاربون و لا يقال مقربون و هو حرف شا
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 24146- و من وصية له ع بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفينهَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَالِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ لِيُولِجَهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَ يُعْطِيَهُ بِهِ الْأَمَنَةَ(16/124)


قد عاتبت العثمانية و قالت إن أبا بكر مات و لم يخلف دينارا و لا درهما و إن عليا ع مات و خلف عقارا كثيرا يعنون نخلا قيل لهم قد علم كل أحد أن عليا ع استخرج عيونا بكد يده بالمدينة و ينبع و سويعة و أحيا بها مواتا كثيرا ثم أخرجها عن ملكه و تصدق بها على المسلمين و لم يمت و شي ء منها في ملكه أ لا ترى إلى ما تتضمنه كتب السير و الأخبار من منازعة زيد بن علي و عبد الله بن الحسن في صدقات علي ع و لم يورث علي ع بنيه قليلا من المال و لا كثيرا إلا عبيده و إماءه و سبعمائة درهم من عطائه تركها ليشتري بها خادما لأهله قيمتها ثمنية و عشرون دينارا على حسب المائة أربعة دنانير و هكذا كانت المعاملة بالدراهم إذ ذاك و إنما لم يترك أبو بكر قليلا و لا كثيرا لأنه ما عاش و لو عاش لترك أ لا ترى أن عمر أصدق أم كلثوم أربعين ألف درهم و دفعها إليها و ذلك لأن هؤلاء طالت أعمارهم فمنهم من درت عليه أخلاف التجارة و منهم من كان يستعمر الأرض و يزرعها و منهم من استفضل من رزقه من الفي ء. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 147و فضلهم أمير المؤمنين ع بأنه كان يعمل بيده و يحرث الأرض و يستقي الماء و يغرس النخل كل ذلك يباشره بنفسه الشريفة و لم يستبق منه لوقته و لاقبه قليلا و لا كثيرا و إنما كان صدقة و قد مات رسول الله ص و له ضياع كثيرة جليلة جدا بخيبر و فدك و بني النضير و كان له وادي نخلة و ضياع أخرى كثيرة بالطائف فصارت بعد موته صدقة بالخبر الذي رواه أبو بكر فإن كان علي ع معيبا بضياعه و نخله فكذلك رسول الله ص و هذا كفر و إلحاد و إن كان رسول الله ص إنما ترك ذلك صدقة فرسول الله ص ما روى عنه الخبر في ذلك إلا واحد من المسلمين و علي ع كان في حياته قد أثبت عند جميع المسلمين بالمدينة أنها صدقة فالتهمة إليه في هذا الباب أبعد و روي و يعطيني به الأمنة و هي الأمن(16/125)


مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وَ حُسَيْنٌ حَيٌّ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَ أَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ وَ إِنَّ لِابْنَيْ فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذِي لِبَنِي عَلِيٍّ وَ إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذَلِكَ إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ قُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ تَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ وَ تَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ وَ يَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ وَ يُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَ هُدِيَ لَهُ وَ أَلَّا يَبِيعَ مِنْ أَوْلَادِ نَخِيلِ هَذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً شرح نهج البلاغة ج : 15 ص 148وَ مَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي اللَّاتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَهَا وَلَدٌ أَوْ هِيَ حَامِلٌ فَتُمْسَكُ عَلَى وَلَدِهَا وَ هِيَ مِنْ حَظِّهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَ هِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ وَ حَرَّرَهَا الْعِتْقُ
قال السيد الرضي رحمه الله تعالى قوله ع في هذه الوصية و ألا يبيع من نخلها ودية الودية الفسيلة و جمعها ودي. قوله ع حتى تشكل أرضها غراسا هو من أفصح الكلام و المراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها و يحسبها غيرها(16/126)


جعل للحسن ابنه ع ولاية صدقات أمواله و أذن له أن يأكل منه بالمعروف أي لا يسرف و إنما يتناول منه مقدار الحاجة و ما جرت بمثله عادة من يتولى الصدقات كما قال الله تعالى وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها. ثم قال فإن مات الحسن و الحسين بعده حي فالولاية للحسين و الهاء في مصدره ترجع إلى الأمر أي يصرفه في مصارفه التي كان الحسن يصرفه فيها ثم ذكر أن لهذين الولدين حصة من صدقاته أسوة بسائر البنين و إنما قال ذلك لأنه قد يتوهم متوهم شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 149أنهما لكونهما قد فوض إليهما النظر في هذه الصدقات قد منعا أن يسهما في بشي ء و إن الصدقات إنما يتناولها غيرهما من بني علي ع ممن لا ولاية له مع وجودهما ثم بين لما ذا خصهما بالولاية فقال إنما فعلت ذلك لشرفهما برسول الله ص فتقربت إلى رسول الله ص بأن جعلت لسبطيه هذه الرئاسة و في هذا رمز و إزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول الل ص مع وجود من يصلح للأمر أي كان الأليق بالمسلمين و الأولى أن يجعلوا الرئاسة بعده لأهله قربة إلى رسول الله ص و تكريما لحرمته و طاعة له و أنفة لقدره ص أن تكون ورثته سوقة يليهم الأجانب و من ليس من شجرته و أصله أ لا ترى أن هيبة الرسالة و النبوة في صدور الناس أعظم إذا كان السلطان و الحاكم في الخلق من بيت النبوة و ليس يوجد مثل هذه الهيبة و الجلال في نفوس الناس للنبوة إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة ع. ثم اشترط على من يلي هذه الأموال أن يتركها على أصولها و ينفق من ثمرتها أي لا يقطع النخل و الثمر و يبيعه خشبا و عيدانا فيفضي الأمر إلى خراب الضياع و عطلة العقار. قوله و ألا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى أي من الفسلان الصغار سماها أولادا و في بعض النسخ ليست أولاد مذكورة و الودية الفسيلة. تشكل أرضها تمتلي بالغراس حتى لا يبقى فيه طريقة واضحة. قوله أطوف عليهن كناية لطيفة عن غشيان النساء أي من السراري و كان ع يذهب إلى حل(16/127)

61 / 150
ع
En
A+
A-