الدهاقين الزعماء أرباب الأملاك بالسواد واحدهم دهقان بكسر الدال و لفظه معرب. و داول بينهم أي مرة هكذا و مرة هكذا أمره أن يسلك معهم منهجا متوسطا لا يدنيهم كل الدنو لأنهم مشركون و لا يقصيهم كل الإقصاء لأنهم معاهدون فوجب أن يعاملهم معاملة آخذة من كل واحد من القسمين بنصيب
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 20138- و من كتاب له ع إلى زياد ابن أبيه و هو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة و عبد الله عامل أمير المؤمنين ع يومئذ عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان و غيرهاوَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ وَ السَّلَامُ سيأتي ذكر نسب زياد و كيفية استلحاق معاوية له فيما بعد إن شاء الله تعالى. قوله ع لأشدن عليك شدة مثل قوله لأحملن عليك حملة و المراد تهديده بالأخذ و استصفاء المال. ثم وصف تلك الشدة فقال إنها تتركك قليل الوفر أي أفقرك بأخذ ما احتجت من بيت مال المسلمين. و ثقيل الظهر أي مسكين لا تقدر على مئونة عيالك. و ضئيل الأمر أي حقير لأنك إنما كنت نبيها بين الناس بالغنى و الثروة فإذا افتقرت صغرت عندهم و اقتحمتك أعينهم(16/118)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 21139- و من كتاب له ع إلى زياد أيضافَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً وَ اذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً وَ أَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وَ قَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَ أَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ وَ تَطْمَعُ وَ أَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ أَنْ تَمْنَعَهُ الضَّعِيفَ وَ الْأَرْمَلَةَ وَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ إِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وَ قَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ وَ السَّلَامُ
المتمرغ في النعيم المتقلب فيه و نهاه عن الإسراف و هو التبذير في الإنفاق و أمره أن يمسك من المال ما تدعو إليه الضرورة و أن يقدم فضول أمواله و ما ليس له إليه حاجة ضرورية في الصدقة فيدخره ليوم حاجته و هو يوم البعث و النشور. قلت قبح الله زيادا فإنه كافأ إنعام علي ع و إحسانه إليه و اصطناعه له بما لا حاجة إلى شرحه من أعماله القبيحة بشيعته و محبيه و الإسراف في لعنه و تهجين أفعاله و المبالغة في ذلك بما قد كان معاوية يرضى باليسير منه و لم يكن يفعل ذلك لطلب رضا معاوية كلا بل يفعله بطبعه و يعاديه بباطنه و ظاهره و أبى الله إلا أن يرجع إلى أمه و يصحح نسبه و كل إناء ينضح بما فيه ثم جاء ابنه بعد فختم تلك الأعمال السيئة بما ختم و إلى الله ترجع الأمور
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 22140- و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس رحمه الله تعالىو كان ابن عباس يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله ص كانتفاعي بهذا الكلام(16/119)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ وَ لْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا وَ مَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلَا تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً وَ مَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلَا تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعاً وَ لْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ
يقول إن كل شي ء يصيب الإنسان في الدنيا من نفع و ضر فبقضاء من الله و قدره تعالى لكن الناس لا ينظرون حق النظر في ذلك فيسر الواحد منهم بما يصيبه من النفع و يساء بفوت ما يفوته منه غير عالم بأن ذلك النفع الذي أصابه كان لا بد أن يصيبه و أن ما فاته منه كان لا بدأن يفوته و لو عرف ذلك حق المعرفة لم يفرح و لم يحزن. و لقائل أن يقول هب أن الأمور كلها بقضاء و قدر فلم لا ينبغي للإنسان أن يفرح بالنفع و إن وقع بالقدر و يساء بفوته أو بالضرر و إن وقعا بقدر أ ليس العريان يساء شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 141بقدوم الشتاء و إنان لا بد من قدومه و المحموم غبا يساء بتجدد نوبة الحمى و إن كان لا بد من تجددها فليس سبب الاختيار في الأفعال مما يوجب أن لا يسر الإنسان و لا يساء بشي ء منها. و الجواب ينبغي أن يحمل هذا الكلام على أن الإنسان ينبغي أن لا يعتقد في الرزق أنه أتاه بسعيه و حركتهفيفرح معجبا بنفسه معتقدا أن ذلك الرزق ثمرة حركته و اجتهاده و كذلك ينبغي ألا يساء بفوات ما يفوته من المنافع لائما نفسه في ذلك ناسبا لها إلى التقصير و فساد الحيلة و الاجتهاد لأن الرزق هو من الله تعالى لا أثر للحركة فيه و إن وقع عندها و على هذا التأويل ينبغي أن يحمل قوله تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ(16/120)
وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. من النظم الجيد الروحاني في صفة الدنيا و التحذير منها و الوصاة بترك الاغترار بها و العمل لما بعدها ما أورده أبو حيان في كتاب الإشارات الإلهية و لم يسم قائله
دار الفجائع و الهموم و دار البث و الأحزان و البلوى مر المذاقة غب ما احتلبت منها يداك وبية المرعى بينا الفتى منها بمنزلة إذ صار تحت ترابها ملقى تقفو مساويها محاسنها لا شي ء بين النعي و البشرى و لقل يوم ذر شارقه إلا سمعت بهالك ينعى لا تعتبن على الزمان تي به فلقلما يرضى(16/121)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 142للمرء رزق لا يفوت و لو جهد الخلائق دون أن يفنى يا عامر الدنيا المعد لها ما ذا عملت لدارك الأخرى و ممهد الفرش الوطيئة لا تغفل فراش الرقدة الكبرى لو قد دعيت لقد أجبت لما تدعى له فانظر متى تدعى أ تراك تحصي كم رأيت من الأحيرأيتهم موتى من أصبحت دنياه همته فمتى ينال الغاية القصوى سبحان من لا شي ء يعدله كم من بصير قلبه أعمى و الموت لا يخفى على أحد ممن أرى و كأنه يخفى و الليل يذهب و النهار بأحبابي و ليس عليهما شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 23143- و من كلام له ع قاله قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه اللهوَصِيَّتِي لَكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَ مُحَمَّدٌ ص فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَ إِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَ هُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَ لَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَ مَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ وَ طَالِبٍ وَجَدَ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ
قال الرضي رحمه الله تعالى أقول و قد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره(16/122)