شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 120قلت أكثر الرواة يروونه فحملني رسول الله على فرسه و الصحيح ما ذكرناه لأنه لم يكن لرسول الله ص فرس يوم بدر و إنما حضرها راكب بعير و لكنه لما اصطدم الصفان و قتل قوم من فرسان المشركين حمل رسول الله ص عليا ع على بعض الخيل المأخو منهم. قال الواقدي قالوا كان على ميمنة رسول الله ص أبو بكر و كان على ميسرته علي بن أبي طالب ع و كان على ميمنة قريش هبيرة بن أبي وهب المخزومي و على ميسرتهم عمرو بن عبد ود قيل كان زمعة بن الأسود على ميسرتهم و قيل بل كان على خيل المشركين و قيل الذي على الخيل الحارث بن هشام و قال قوم لم يكن هبيرة على الميمنة بل كان عليها الحارث بن عامر بن نوفل. قال الواقدي و حدثني محمد بن صالح عن يزيد بن رومان و ابن أبي حبيبة قالا ما كان على ميمنة النبي ص يوم بدر و لا على ميسرته أحد يسمى و كذلك ميمنة المشركين و ميسرتهم ما سمعنا فيها بأحد قال الواقدي و هذا هو الثبت عندنا قال و كان لواء رسول الله ص يومئذ الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير و لواء الخزرج مع الحباب بن المنذر و لواء الأوس مع سعد بن معاذ و كان مع قريش ثلاثة ألوية لواء مع أبي عزيز و لواء مع المنذر بن الحارث و لواء مع طلحة بن أبي طلحة.(15/101)


قال الواقدي و خطب رسول الله ص المسلمين يومئذ فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه و أنهاكم عما نهاكم الله عنه فإن الله عظيم شأنه يأمر بالحق و يحب الصدق و يعطي على الخير أهله على منازلهم عنده شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 12ه يذكرون و به يتفاضلون و إنكم أصبحتم بمنزل من منازل الحق لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغى به وجهه و إن الصبر في البأس مما يفرج الله به الهم و ينجي به من الغم تدركون به النجاة في الآخرة فيكم نبي الله يحذركم و يأمركم فاستحيوا اليوم أن يطلع الله على شي ءمن أمركم يمقتكم عليه فإنه تعالى يقول لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ انظروا إلى الذي أمركم به من كتابه و أراكم من آياته و ما أعزكم به بعد الذلة فاستمسكوا به يرض ربكم عنكم و ابلوا ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبون به الذي وعدكم من رحمته و مغفرته فإن وعده حق و قوله صدق و عقابه شديد و إنما أنا و أنتم بالله الحي القيوم إليه ألجأنا ظهورنا و به اعتصمنا و عليه توكلنا و إليه المصير و يغفر الله لي و للمسلمين
قال الواقدي و لما رأى رسول الله ص قريشا تصوب من الوادي و كان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه فاستجال بفرسه يريد أن يبنوا للقوم منزلا
فقال رسول الله ص اللهم إنك أنزلت علي الكتاب و أمرتني بالقتال و وعدتني إحدى الطائفتين و أنت لا تخلف الميعاد اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها و فخرها تخاذل و تكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة(15/102)


و طلع عتبة بن ربيعة على جمل أحمر فقال رسول الله ص إن يك في أحد من القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا. قال الواقدي و كان إيماء بن رحضة قد بعث إلى قريش ابنا له بعشر جزائر حين مروا به أهداها لهم و قال إن أحببتم أن يمدكم بسلاح و رجال فإنا معدون لذلك مؤدون فعلنا فأرسلوا أن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك و لعمري لئن شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 122كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم و لئن كنا نقاتل الله بزعم محمد فما لأحد بالله طاقة. قال الواقدي فروى خفاف بن إيماء بن رحضة قال كان أبي ليس شي ء أحب إلين إصلاح بين الناس موكلا بذلك فلما مرت به قريش أرسلني بجزائر عشر هدية لها فأقبلت أسوقها و تبعني أبي فدفعتها إلى قريش فقبلوها و وزعوها في القبائل فمر أبي على عتبة بن ربيعة و هو سيد الناس يومئذ فقال يا أبا الوليد ما هذا المسير قال لا أدري و الله غلبت قال فأنت سيد العشيرة فما يمنعك أن ترجع بالناس و تحمل دم حليفك و تحمل العير التي أصابوا بنخلة فتوزعها على قومك فو الله ما يطلبون قبل محمد إلا هذا و الله يا أبا الوليد ما تقتلون بمحمد و أصحابه إلا أنفسكم. قال الواقدي و حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه قال ما سمعنا بأحد سار بغير مال إلا عتبة بن ربيعة. قال الواقدي و روى محمد بن جبير بن مطعم قال لما نزل القوم أرسل رسول الله ص عمر بن الخطاب إلى قريش فقال ارجعوا فلأن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلي من أن تلوه مني و أن أليه من غيركم أحب إلى من أن أليه منكم فقال حكيم بن حزام قد عرض نصفا فلبوه و الله لا تنصرون عليه بعد أن عرض عليكم من النصف ما عرض و قال أبو جهل لا نرجع بعد أن أمكننا الله منهم و لا نطلب أثرا بعد عين و لا يعرض لعيرنا بعد هذا أبدا. قال الواقدي و أقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض منهم حكيم بن حزام فأراد المسلمون تنحيتهم عنه فقال النبي ص دعوهم فوردوا الماء شرح نهج البلاغة ج : 14 ص :(15/103)


123فشربوا فلم يشرب منهم أحد إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام. قال الواقدي فكان سعيد بن المسيب يقول نجا حكيم من الدهر مرتين لما أراد الله تعالى به من الخير خرج رسول الله ص على نفر من المشين و هم جلوس يريدونه فقرأ يس و نثر على رءوسهم التراب فما أفلت منهم أحد إلا قتل ما عدا حكيم بن حزام و ورد الحوض يوم بدر مع من ورده مع المشركين فما ورده إلا من قتل إلا حكيم بن حزام. قال الواقدي فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي و كان صاحب قداح فقالوا احزر لنا محمدا و أصحابه فاستجال بفرسه حول العسكر و صوب في الوادي و صعد يقول عسى أن يكون لهم مدد أو كمين ثم رجع فقال لا مدد و لا كمين و القوم ثلاثمائة إن زادوا قليلا و معهم سبعون بعيرا و معهم فرسان ثم قال يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلا سيوفهم أ لا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي و الله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل رجلا فإذا أصابوا منكم عددهم فما خير في العيش بعد ذلك فروا رأيكم. قال الواقدي و حدثني يونس بن محمد الظفري عن أبيه أنه قال لما قال لهم عمير بن وهب هذه المقالة أرسلوا أبا أسامة الجشمي و كان فارسا فأطاف بالنبي ص و أصحابه ثم رجع إليهم فقالوا له ما رأيت قال و الله ما رأيت جلدا و لا عددا و لا حلقة و لا كراعا و لكني و الله رأيت قوما لا يريدون أن يردوا إلى أهليهم رأيت قوما مستميتين ليست معهم منعة و لا ملجأ إلا سيوفهم زرق العيون(15/104)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 124كأنهم الحصا تحت الحجف ثم قال أخشى أن يكون لهم كمين أو مدد فصوب في الوادي ثم صعد ثم رجع إليهم فقال لا كمين و لا مدد فروا رأيكم. قال الواقدي و لما سمع حكيم بن حزام ما قال عمير بن وهب مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فقال يا أبالوليد أنت كبير قريش و سيدها و المطاع فيها فهل لك ألا تزال تذكر فيها بخير آخر الدهر مع ما فعلت يوم عكاظ و عتبة يومئذ رئيس الناس فقال و ما ذاك يا أبا خالد قال ترجع بالناس و تحمل دم حليفك و ما أصابه محمد من تلك العير ببطن نخلة إنكم لا تطلبون من محمد شيئا غير هذا الدم و العير فقال عتبة قد فعلت و أنت علي بذلك ثم جلس عتبة على جمله فسار في المشركين من قريش يقول يا قوم أطيعوني و لا تقاتلوا هذا الرجل و أصحابه و اعصبوا هذا الأمر برأسي و اجعلوا جبنها في فإن منهم رجالا قرابتهم قريبة و لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه و أخيه فيورث ذلك بينكم شحناء و أضغانا و لن تخلصوا إلى قتلهم حتى يصيبوا منكم عددهم مع أنه لا آمن أن تكون الدائرة عليكم و أنتم لا تطلبون إلا دم القتيل منكم و العير التي أصيبت و أنا أحتمل ذلك و هو علي يا قوم إن يك محمد كاذبا يكفيكموه ذؤبان العرب و إن يك ملكا كنتم في ملك ابن أخيكم و إن يك نبيا كنتم أسعد الناس به يا قوم لا تردوا نصيحتي و لا تسفهوا رأيي فحسده أبو جهل حين سمع خطبته و قال إن يرجع الناس عن خطبة عتبة يكن سيد الجماعة و كان عتبة أنطق الناس و أطولهم لسانا و أجملهم جمالا ثم قال عتبة لهم أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي كأنها وجوه الحيات فلما فرغ عتبة من كلامه قال أبو جهل إن عتبة يشير عليكم بهذا شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 125لأن محمدا ابن عمه و هو يكره أن يقتل ابنه و ابن عمه امتلأ و الله سحرك يا عتبة وبنت حين التقت حلقتا البطان الآن تخذل بيننا و تأمرنا بالرجوع لا و(15/105)

6 / 150
ع
En
A+
A-