أتيناك لا من حاجة عرضت لنا إليك و لا من قلة في مجاشع
قلت و لو ذكر عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي و قال إنه أشجع العرب لكان غير مدافع قالوا كانت العرب تقول لو وقع القمر إلى الأرض لما التقفه إلا عتيبة بن الحارث لثقافته بالرمح و كان يقال له صياد الفوارس و سم الفوارس و هو الذي أسر بسطام بن قيس و هو فارس ربيعة و شجاعها و مكث عنده في القيد مدة حتى استوفى فداءه و جز ناصيته و خلى سبيله على ألا يغزو بني يربوع و عتيبة هذا هو المقدم على فرسان العرب كلها في كتاب طبقات الشجعان و مقاتل الفرسان و لكن الفرزدق لم يذكره و إن كان تميميا لأن جريرا يفتخر به لأنه من بني يربوع فحملته عداوة جرير على أن عدل عن ذكره. قال أبو عبيدة و لبني عمرو بن تميم خصال تعرفها لهم العرب و لا ينازعهم فيها أحد فمنها أكرم الناس عما و عمة و جدا و جدة و هو هند بن أبي هالة و اسم أبي هالة نباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم كانت خديجة بنت خويلد قبل شرح نه البلاغة ج : 15 ص : 132النبي ص تحت أبي هالة فولدت له هندا ثم تزوجها رسول الله ص و هند بن أبي هالة غلام صغير فتبناه النبي ص ثم ولدت خديجة من رسول الله ص القاسم و الطاهر و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة فكان هند بن أبي هالة أخاهم لأمهم ثم أولد هند بن أبي هاة هند بن هند فهند الثاني أكرم الناس جدا و جدة يعني رسول الله ص و خديجة و أكرم الناس عما و عمة يعني بني النبي ص و بناته. و منها أن لهم أحكم العرب في زمانه أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم كان أكثر أهل الجاهلية حكما و مثلا و موعظة سائرة. و منها ذو الأعواز كان له خراج على مضر كافة تؤديه إليه فشاخ حتى كان يحمل على سرير يطاف به على مياه العرب فيؤدى إليه الخراج و قال الأسود بن يعفر النهشلي و كان ضريرا
و لقد علمت خلاف ما تناشي أن السبيل سبيل ذي الأعواز(16/113)


و منها هلال بن أحوز المازني الذي ساد تميما كلها في الإسلام و لم يسدها غيره. قال و دخل خالد بن عبد الرحمن بن الوليد بن المغيرة المخزومي مسجد الكوفة فانتهى إلى حلقة فيها أبو الصقعب التيمي من تيم الرباب و المخزومي لا يعرفه و كان أبو الصقعب من أعلم الناس فلما سمع علمه و حديثه حسده فقال له ممن الرجل قال من تيم الرباب فظن المخزومي أنه وجد فرصة فقال و الله ما أنت من سعد الأكثرين و لا من حنظلة الأكرمين و لا من عمرو الأشدين فقال أبو الصقعب فممن أنت قال من بني مخزوم قال و الله ما أنت من هاشم المنتخبين و لا من أمية المستخلفين شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 133و لا من عبد الدار المستحجبين فبم تفخر قال نحن ريحانة قريش قال أبو الصقعب قبحا لما جئت به و هل تدري لم سميت مخزوم ريحانة قريش سميت لحظوة نسائها عند الرجال فأفحمه روى أبو العباس المبرد في كتاب الكامل أن معاوية قال للأف بن قيس و جارية بن قدامة و رجال من بني سعد معهما كلاما أحفظهم فردوا عليه جوابا مقذعا و امرأته فاختة بنت قرظة في بيت يقرب منهم و هي أم عبد الله بن معاوية فسمعت ذلك فلما خرجوا قالت يا أمير المؤمنين لقد سمعت من هؤلاء الأجلاف كلاما تلقوك به فلم تنكر فكدت أن أخرج إليهم فأسطو بهم فقال معاوية إن مضر كأهل العرب و تميما كأهل مضر و سعدا كأهل تميم و هؤلاء كأهل سعد. و روى أبو العباس أيضا أن عبد الملك ذكر يوما بني دارم فقال أحد جلسائه يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم محظوظون يعني في كثرة النسل و نماء الذرية فلذلك انتشر صيتهم فقال عبد الملك ما تقول هذا و قد مضى منهم لقيط بن زرارة و لم يخلف عقبا و مضى قعقاع بن معبد بن زرارة و لم يخلف عقبا و مضى محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة و لم يخلف عقبا و الله لا تنسى العرب هذه الثلاثة أبدا. قال أبو العباس إن الأصمعي قال إن حربا كانت بالبادية ثم اتصلت بالبصرة فتفاقم الأمر فيها ثم مشي بين الناس(16/114)


بالصلح فاجتمعوا في المسجد الجامع قال فبعثت و أنا غلام إلى ضرار بن القعقاع من بني دارم فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فإذا به في شملة يخلط بزرا لعنز له حلوب فخبرته بمجتمع القوم فأمهل حتى أكلت العنز ثم غسل الصحفة و صاح يا جارية غدينا فأتته بزيت و تمر فدعاني فقذرته شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 134أن آكل معه حتى إذا قضى من أكله و حاجته وطرا وثب إلى طين ملقى في الدار فغسل به يده ثم صاح يا جارية اسقيني ماء فأتته بماء فشربه و مسح فضله على وجهه ثم قال الحمدله ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام متى نؤدي شكر هذه النعم ثم قال علي بردائي فأتته برداء عدني فارتدى به على تلك الشملة قال الأصمعي فتجافيت عنه استقباحا لزيه فلما دخل المسجد صلى ركعتين ثم مشى إلى القوم فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاما له ثم جلس فتحمل جميع ما كان بين الأحياء في ماله ثم انصرف. قال أبو العباس و حدثني أبو عثمان المازني عن أبي عبيدة قال لما أتى زياد بن عمرو المربد في عقب قتل مسعود بن عمرو العتكي و جاء زياد بن عمرو بن الأشرف العتكي ليثأر به من بني تميم صف أصحابه فجعل في الميمنة بكر بن وائل و في الميسرة عبد القيس و هم لكيز بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة و كان زياد بن عمرو العتكي في القلب فبلغ ذلك الأحنف بن قيس فقال هذا غلام حدث شأنه الشهرة و ليس يبالي أين قذف بنفسه فندب أصحابه فجاءه حارثة بن بدر الغداني و قد اجتمعت بنو تميم فلما أتى قال قوموا إلى سيدكم ثم أجلسه فناظره فجعلوا سعدا و الرباب في القلب و رئيسهم عبس بن طلق الطعان المعروف بأخي كهمس و هو أحد بني صريم بن يربوع فكانوا بحذاء زياد بن عمرو و من معه من الأزد و جعل حارثة بن بدر الغداني في بني حنظلة بحذاء بكر بن وائل و جعل عمرو بن تميم بحذاء عبد القيس فذلك حيث يقول حارثة بن بدر للأحنف(16/115)


سيكفيك عبس أخو كهمس مقارعة الأزد في المربدو يكفيك عمرو على رسلها لكيز بن أفصى و ما عددوا
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 135و نكفيك بكرا إذا أقبلت بضرب يشيب له الأمرو لكيز بن أفصى تعم عبد القيس قال فلما تواقفوا بعث إليهم الأحنف يا معشر الأزد من اليمن و ربيعة من أهل البصرة أنتم و الله أحب إلينا من تميم الكوفة و أنتم جيراننا في الدار و يدنا على العدو و أنتم بدأتمونا بالأمس و وطئتم حريمنا و حرقتم علينا فدفعنا عن أنفسنا و لا حاجة لنا في الشر ما طلبنا في الخير مسلكا فتيمموا بنا طريقة مستقيمة فوجه إليه زياد بن عمرو تخير خلة من ثلاث إن شئت فانزل أنت و قومك على حكمنا و إن شئت فخل لنا عن البصرة و ارحل أنت و قومك إلى حيث شئتم و إلا فدوا قتلانا و أهدروا دماءكم و ليود مسعود دية المشعرة. قال أبو العباس و تأويل قوله دية المشعرة يريد أمر الملوك في الجاهلية و كان الرجل إذا قتل و هو من أهل بيت المملكة ودي عشر ديات فبعث إليه الأحنف سنختار فانصرفوا في يومكم فهز القوم راياتهم و انصرفوا فلما كان الغد بعث الأحنف إليهم إنكم خيرتمونا خلالا ليس لنا فيها خيار أما النزول على حكمكم فكيف يكون و الكلم يقطر و أما ترك ديارنا فهو أخو القتل قال الله عز و جل وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ و لكن الثالثة إنما هي حمل على المال فنحن نبطل دماءنا و ندي قتلاكم و إنما مسعود رجل من المسلمين و قد أذهب الله عز و جل أمر الجاهلية فاجتمع القوم على أن يقفوا أمر مسعود و يغمدوا السيف و تودى سائر القتلى من الأزد و ربيعة فضمن ذلك الأحنف و دفع إليهم إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدي هذا المال فرضي به القوم ففخر بذلك الفرزدق فقال لجرير شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 13و منا الذي أعطى يديه رهينة لغاري معد يوم ضرب الجماجم عشية سال المربدان(16/116)


كلاهما عجاجة موت بالسيوف الصوارم هنالك لو تبغي كليبا وجدتها أذل من القردان تحت المناسو يقال إن تميما في ذلك الوقت مع باديتها و حلفائها من الأساورة و الزط و السبابجة و غيرهم كانوا زهاء سبعين ألفا و في ذلك يقول جرير
سائل ذوي يمن و رهط محرق و الأزد إذ ندبوا لنا مسعودافأتاهم سبعون ألف مدجج متسربلين يلامقا و حديدا
قال الأحنف بن قيس فكثرت على الديات فلم أجدها في حاضرة تميم فخرجت نحو يبرين إلى بادية تميم فسألت عن المقصود هناك فأرشدت إلى قبة فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة محتب بحبل فسلمت عليه و انتسبت له فقال لي ما فعل رسول الله ص قلت توفي قال فما فعل عمر بن الخطاب الذي كان يحفظ العرب و يحوطها قلت توفي قال فأي خير في حاضرتكم بعدهما قال فذكرت له الديات التي لزمتنا للأزد و ربيعة قال فقال لي أقم فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير فقال خذها ثم أراح علينا آخر مثلها فقال خذها فقلت لا أحتاج إليها قال فانصرفت بالألف عنه و و الله ما أدري من هو إلى الساعة
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 19137- و من كتاب له ع إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَ قَسْوَةً وَ احْتِقَاراً وَ جَفْوَةً وَ نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنَّ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ وَ لَا أَنْ يُقْصَوْا وَ يُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَ الرَّأْفَةِ وَ امْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَ الْإِدْنَاءِ وَ الْإِبْعَادِ وَ الْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(16/117)

59 / 150
ع
En
A+
A-