شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 18125- و من كتاب له ع إلى عبد الله بن عباس و هو عامله على البصرةوَ اعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ وَ مَغْرِسُ الْفِتَنِ فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَ احْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيمٍ وَ غِلْظَتُك عَلَيْهِمْ وَ إِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلَّا طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ وَ إِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَ لَا إِسْلَامٍ وَ إِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً وَ قَرَابَةً خَاصَّةً نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا وَ مَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَا جَرَى عَلَى يَدِكَ وَ لِسَانِكَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذَلِكَ وَ كُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ وَ لَا يَفِيلَنَّ رَأْيِي فِيكَ وَ السَّلَامُ(16/108)


قوله ع مهبط إبليس موضع هبوطه. و مغرس الفتن موضع غرسها و يروى و مغرس الفتن و هو الموضع الذي ينزل فيه القوم آخر الليل للاستراحة يقال غرسوا و أغرسوا. و قوله ع فحادث أهلها أي تعهدهم بالإحسان من قولك حادثت السيف بالصقال. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 126و التنمرلقوم الغلظة عليهم و المعاملة لهم بأخلاق النمر من الجرأة و الوثوب و سنذكر تصديق قوله ع لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر. و الوغم الترة و الأوغام الترات أي لم يهدر لهم دم في جاهلية و لا إسلام يصفهم بالشجاعة و الحمية. و مأزورون كان أصله موزورون و لكنه جاء بالألف ليحاذي به ألف مأجورون و قد قال النبي ص مثل ذلك. قوله ع فاربع أبا العباس أي قف و تثبت في جميع ما تعتمده فعلا و قولا من خير و شر و لا تعجل به فإني شريكك فيه إذ أنت عاملي و النائب عني. و يعني بالشر هاهنا الضرر فقط لا الظلم و الفعل القبيح. قوله ع و كن عند صالح ظني فيك أي كن واقفا عنده كأنك تشاهده فتمنعك مشاهدته عن فعل ما لا يجوز. فال الرأي يفيل أي ضعف و أخطأ
فصل في بني تميم و ذكر بعض فضائلهم
و قد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب التاج أن لبني تميم مآثر لم يشركهم فيها غيرهم أما بنو سعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب إحداها كثرة العدد فإنه أضعف عددها على بني تميم حتى ملأت السهل و الجبل عدلت مضر كثرة و عامة العدد منها في كعب بن سعد بن زيد مناة و لذلك قال أوس بن مغراء شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 12كعبي من خير الكعاب كعبا من خيرها فوارسا و عقباتعدل جنبا و تميم جنبا
و قال الفرزدق أيضا فيهم هذه الأبيات
لو كنت تعلم ما برمل مويسل فقري عمان إلى ذوات حجورلعلمت أن قبائلا و قبائلا من آل سعد لم تدن لأمير
و قال أيضا
تبكي على سعد و سعد مقيمة بيبرين قد كادت على الناس تضعف(16/109)


و لذلك كانت تسمى سعد الأكثرين و في المثل في كل واد بنو سعد. و الثانية الإفاضة في الجاهلية كان ذلك في بني عطارد و هم يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى قام الإسلام و كانوا إذا اجتمع الناس أيام الحج بمنى لم يبرح أحد من الناس دينا و سنة حتى يجوز القائم بذلك من آل كرب بن صفوان و قال أوس بن مغراء
و لا يريمون في التعريف موقفهم حتى يقال أجيزوا آل صفوانا
و قال الفرزدق
إذا ما التقينا بالمحصب من منى صبيحة يوم النحر من حيث عرفواترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا و إن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
و الثالثة أن منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم قال المنذر بن المنذر بن ماء السماء ذات يوم و عنده وفود العرب و دعا ببردي أبيه محرق بن المنذر فقال ليلبس هذين أعز العرب و أكرمهم حسبا فأحجم الناس فقال أحيمر بن شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 128خلف بن بهة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أنا لهما قال الملك بما ذا قال بأن مضر أكرم العرب و أعزها و أكثرها عديدا و أن تميما كاهلها و أكثرها و أن بيتها و عددها في بني بهدلة بن عوف و هو جدي فقال هذا أنت في أصلك و عشيرتك فكيف أنت في عترتك و أدانيك. قال أنا أبو عشرة و أخو عشرة و عم عشرة فدفعهما إليه و إلى هذا أشار الزبرقان بن بدر في قوله
و بردا ابن ماء المزن عمي اكتساهما بفضل معد حيث عدت محاصله
قال أبو عبيدة و لهم في الإسلام خصلة قدم قيس بن عاصم المنقري على رسول الله ص في نفر من بني سعد فقال له رسول الله ص هذا سيد أهل الوبر فجعله سيد خندف و قيس ممن يسكن الوبر. قال و أما بنو حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم فلهم خصال كثيرة قال في بني دارم بن مالك بن حنظلة و هو بيت مضر فمن ذلك زرارة بن عدس بن زيد بن دارم يقال إنه أشرف البيوت في بني تميم و من ذلك قوس حاجب بن زرارة المرهونة عند كسرى عن مضر كلها و في ذلك قيل(16/110)


و أقسم كسرى لا يصالح واحدا من الناس حتى يرهن القوس حاجب
و من ذلك في بني مجاشع بن دارم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع و هو أول من أحيا الوئيد قام الإسلام و قد اشترى ثلاثمائة موءودة فأعتقهن و رباهن و كانت العرب تئد البنات خوف الإملاق. و من ذلك غالب بن صعصعة و هو أبو الفرزدق و غالب هو الذي قرى مائة ضيف و احتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم و كان من حديث ذلك أن بني كلب شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 129بن وبرة افتخرت بينها في أنديتها فقالت نحن لباب العرب و قلبها و نحن الذين لا ننازع حسبا و كرما فقال شيخ منهم إن العرب غير مقرة لكم بذلك إن لها أحسابا و إن من لبابا و إن لها فعالا و لكن ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة و بزة ينفرون من مروا به في العرب و يسألونه عشر ديات و لا ينتسبون له فمن قرأهم و بذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع فضلا فخرجوا حتى قدموا على أرض بني تميم و أسد فنفروا الأحياء حيا فحيا و ماء فماء لا يجدون أحدا على ما يريدون حتى مروا على أكثم بن صيفي فسألوه ذلك فقال من هؤلاء القتلى و من أنتم و ما قصتكم فإن لكم لشأنا باختلافكم في كلامكم فعدلوا عنه ثم مروا بقتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي فسألوه عن ذلك فقال من أنتم قالوا من كلب بن وبرة فقال إني لأبغي كلبا بدم فإن انسلخ الأشهر الحرم و أنتم بهذه الأرض و أدرككم الخيل نكلت بكم و أثكلتكم أمهاتكم فخرجوا من عنده مرعوبين فمروا بعطارد بن حاجب بن زرارة فسألوه ذلك فقال قولوا بيانا و خذوها فقالوا أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه و مروا ببني مجاشع بن دارم فأتوا على واد قد امتلأ إبلا فيها غالب بن صعصعة يهنأ منها إبلا فسألوه القرى و الديات فقال هاكم البزل قبل النزول فابتزوها من البرك و حوزوا دياتكم ثم انزلوا فتنزلوا و أخبروه بالحال و قالوا أرشدك الله من سيد قوم لقد أرحتنا من طول النصب و لو علمنا لقصدنا إليك فذلك قول(16/111)


الفرزدق
فلله عينا من رأى مثل غالب قرى مائة ضيفا و لم يتكلم و إذ نبحت كلب على الناس إنهم أحق بتاج الماجد المتكر شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 130فلم يجل عن أحسابها غير غالب جرى بعناني كل أبلج خضرقال فأما بنو يربوع بن حنظلة فمنهم ثم من بني رباح بن يربوع عتاب بن هرمي بن رياح كانت له ردافة الملوك ملوك آل المنذر و ردافة الملك أن يثنى به في الشرب و إذا غاب الملك خلفه في مجلسه و ورث ذلك بنوه كابرا عن كابر حتى قام الإسلام قال لبيد بن ربيعة
و شهدت أنجبة الأكارم غالبا كعبي و أرداف الملوك شهود
و يربوع أول من قتل قتيلا من المشركين و هو واقد بن عبد الله بن ثعلبة بن يربوع حليف عمر بن الخطاب قتل عمرو بن الحضرمي في سرية نخلة فقال عمر بن الخطاب يفتخر بذلك
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقدو ظل ابن عبد الله عثمان بيننا ينازعه غل من القد عاند
و لها جواد العرب كلها في الإسلام بدأ العرب كلها جودا خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي دخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك و كان يشنؤه لكثرة بأوه و فخره فتهجمه و تنكر له و أغلظ في خطابه حتى قال من أنت لا أم لك قال أ و ما تعرفني يا أمير المؤمنين أنا من حي هم من أوفى العرب و أحلم العرب و أسود العرب و أجود العرب و أشجع العرب و أشعر العرب فقال سليمان و الله لتحتجن لما ذكرت أو لأوجعن ظهرك و لأبعدن دارك قال أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة رهن قوسه عن العرب كلها و أوفى و أما أحلم العرب فالأحنف بن قيس يضرب به المثل حلما و أما أسود العرب فقيس بن عاصم قال له رسول الله ص هذا سيد أهل الوبر شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 131و أما أشجع العرب فالحريش بن هلال السعدي و أما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي و أما أشعر العرب فها أنا ذا عندك قال سليمان فما جاء بك لا شي ء لك عن فارجع على عقبك و غمه ما سمع من عزة و لم يستطع له ردا فقال الفرزدق في أبيات(16/112)

58 / 150
ع
En
A+
A-