و ذكر نصر بن مزاحم بن بشار العقيلي في كتاب صفين أن هذا الكتاب كتبه علي ع إلى معاوية قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة قال نصر أظهر علي ع أنه مصبح معاوية و مناجز له و شاع ذلك من قوله ففزع أهل الشام لذلك و انكسروا لقوله و كان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية مبغضا لمعاوية و أهل الشام و له هوى مع أهل العراق و علي بن أبي طالب ع و كان يكتب بأخبار معاوية إلى عبد الله بن الطفيل العامري و هو مع أهل العراق فيخبر بها عليا ع فلما شاعت كلمة علي ع وجل لها أهل الشام و بعث ابن الضحاك إلى عبد الله بن الطفيل إني قائل شعرا أذعر به أهل الشام و أرغم به معاوية و كان معاوية لا يتهمه و كان له فضل و نجدة و لسان فقال ليلا ليستمع أصحابه
ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا علينا و إنا لا نرى بعده غداو يا ليته إن جاءنا بصباحه وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعداحذار علي إنه غير مخلف مدى الدهر ما لب الملبون موعداو أما قراري في البلاد فليس لي مقام و إن جاوزت جابلق مصعدا
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 121كأني به في الناس كاشف رأسه على ظهر خوار الرحالة أجردايخوض غمار الموت في مرجحنة ينادون في نقع العجاج محمدافوارس بدر و النضير و خيبر و أحد يهزون الصفيح المهنداو يوم حنين جالدوا عن نبيهم فريقا من الأحزاب حتى تبدداهنالك لا تلويجوز على ابنها و إن أكثرت من قول نفسي لك الفدافقل لا بن حرب ما الذي أنت صانع أ تثبت أم ندعوك في الحرب قعددافلا رأي إلا تركنا الشام جهرة و إن أبرق الفجفاج فيها و أرعدا(16/103)
فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية فهم بقتله ثم راقب فيه قومه فطرده من الشام فلحق بمصر و ندم معاوية على تسييره إياه و قال معاوية لشعر السلمي أشد على أهل الشام من لقاء علي ما له قاتله الله لو صار خلف جابلق مصعدا لم يأمن عليا أ لا تعلمون ما جابلق يقوله لأهل الشام قالوا لا قال مدينة في أقصى المشرق ليس بعدها شي ء. قال نصر و تناقل الناس كلمة علي ع لأناجزنهم مصبحا فقال الأشتر قد دنا الفضل في الصباح و للسلم رجال و للحروب رجال
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 122فرجال الحروب كل خدب مقحم لا تهده الأهوال يضرب الفارس المدجج بالسيف إذا فر في الوغا الأكفال يا ابن هند شد الحيازيم للموت و لا تذهبن بك الآمال إن في الصبح إن بقيت لأمرا تتفادى من هوله الأبطال فيه عز العراق أو ظفر الشام بأراق و الزلزال فاصبروا للطعان بالأسل السمر و ضرب تجري به الأمثال إن تكونوا قتلتم النفر البيض و غالت أولئك الآجال فلنا مثلهم غداة التلاقي و قليل من مثلهم أبدال يخضبون الوشيج طعنا إذا جرت من الموت بينهم أذيال طلب الفوز في المعاد و فيه تستهان النفوس و الأ(16/104)
قال فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال شعر منكر من شاعر منكر رأس أهل العراق و عظيمهم و مسعر حربهم و أول الفتنة و آخرها قد رأيت أن أعاود عليا و أسأله إقراري على الشام فقد كنت كتبت إليه ذلك فلم يجب إليه و لأكتبن ثانية فألقى في نفسه الشك و الرقة فقال له عمرو بن العاص و ضحك أين أنت يا معاوية من خدعة علي قال أ لسنا بني عبد مناف قال بلى و لكن لهم النبوة دونك و إن شئت أن تكتب فاكتب فكتب معاوية إلى علي ع مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة و كان من نافلة أهل العراق أما بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 123بعض و لئن كنا قد غلبنا على عقولنا لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى و نصلح به ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن تلزمني لك بيعة و طاعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت و أنا أدعوك اليوم إ ما دعوتك إليه أمس فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو و لا أخاف من الموت إلا ما تخاف و قد و الله فارقت الأجناد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترق به حر و السلام.(16/105)
فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي ع قرأه ثم قال العجب لمعاوية و كتابه و دعا عبيد بن أبي رافع كاتبه فقال اكتب جوابه أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض فإني لو قتلت في ذات الله و حييت ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله و الجهاد لأعداء الله و أما قولك إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى فإني ما نقصت عقلي و لا ندمت على فعلي و أما طلبك الشام فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف و الرجاء فلست أمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض فلعمري إنا بنو أب واحد و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا المهاجر كالطليق و لا المحق كالمبطل و في أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز و أعززنا بها الذليل و السلام(16/106)
فلما أتى معاوية كتاب علي ع كتمه عن عمرو بن العاص أياما ثم دعاه شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 124فاقرأه إياه فشمت به عمرو و لم يكن أحد من قريش أشد إعظاما لعلي من عمرو بن العاص منذ يوم لقيه و صفح عنه فقال عمرو فيما كان أشار به على معاويةألا لله درك يا ابن هند و در الأمرين لك الشهودأ تطمع لا أبا لك في علي و قد قرع الحديد على الحديدو ترجو أن تحيره بشك و تأمل أن يهابك بالوعيدو قد كشف القناع و جر حربا يشيب لهولها رأس الوليدله جأواء مظلمة طحون فوارسها تلهب كالأسوديقول لها إذا رجعت إليه و قد ملت طعان القوم عودي فإن وردت فأولها ورودا و إن صدت فليس بذي صدودو ما هي من أبي حسن بنكر و لا هو من مسائك بالبعيدو قلت له مقالة مستكين ضعيف الركن منقطع الوريددعن لي الشام حسبك يا ابن هند من السوآة و الرأي الزهيدو لو أعطاكها ما ازددت عزا و لا لك لو أجابك من ميدفلم تكسر بذاك الرأي عودا لركته و لا ما دون عود
فلما بلغ معاوية شعر عمرو دعاه فقال له العجب لك تفيل رأيي و تعظم عليا و قد فضحك فقال أما تفييلي رأيك فقد كان و أما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني و لكنك تطويه و أنا أنشره و أما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن(16/107)