كلا اللفظتين ما قل من النوم.
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 91و قال شبيب الخارجي الليل يكفيك الجبان و يصف الشجاع. و كان إذا أمسى قال لأصحابه أتاكم المدد يعني الليل. قيل لبعض الملوك بيت عدوك قال أكره أن أجعل غلبتي سرقة. و لما فصل قحطبة من خراسان و في جملته خالد بن برمك بينا هو على سطح ب في قرية نزلاها و هم يتغدون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحاري حتى كادت تخالط العسكر فقال خالد لقحطبة أيها الأمير ناد في الناس يا خيل الله اركبي فإن العدو قد قرب منك و عامة أصحابك لن يسرجوا و يلجموا حتى يروا سرعان الخيل فقام قحطبة مذعورا فلم ير شيئا يروعه و لم يعاين غبارا فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أيها الأمير لا تتشاغل بي و ناد في الناس أ ما ترى أقاطيع الوحوش قد أقبلت و فارقت مواضعها حتى خالطت الناس و إن وراءها لجمعا كثيفا قال فو الله ما أسرجوا و لا ألجموا حتى رأوا النقع و ساطع الغبار فسلموا و لو لا ذلك لكان الجيش قد اصطلم(16/78)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 1292- و من وصية له ع وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة لهاتَّقِ اللَّهَ الَّذِي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لَا تُقَاتِلَنَّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ الْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي السَّيْرِ وَ لَا تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لَا ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لَا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ وَ لَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لَا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ(16/79)


معقل بن قيس كان من رجال الكوفة و أبطالها و له رئاسة و قدم أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان لفتح تستر و كان من شيعة علي ع وجهه إلى بني ساقة فقتل منهم و سبى و حارب المستورد بن علفة الخارجي شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 93من تميم الرباب فقتل كلاحد منهما صاحبه بدجلة و قد ذكرنا خبرهما فيما سبق و معقل بن قيس رياحي من ولد رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قوله ع و لا تقاتلن إلا من قاتلك نهى عن البغي. و سر البردين هما الغداة و العشي و هما الأبردان أيضا. و وصاه أن يرفق بالناس و لا يكلفهم السير في الحر. قوله ع و غور بالناس انزل بهم القائلة و المصدر التغوير و يقال للقائلة الغائرة. قوله ع و رفه في السير أي دع الإبل ترد رفها و هو أن ترد الماء كل يوم متى شاءت و لا ترهقها و تجشمها السير و يجوز أن يكون قوله و رفه في السير من قولك رفهت عن الغريم أي نفست عنه. قوله ع و لا تسر أول الليل قد ورد في ذلك خبر مرفوع و في الخبر أنه حين تنشر الشياطين و قد علل أمير المؤمنين ع النهي بقوله فإن الله تعالى جعله سكنا و قدره مقاما لا ظعنا يقول لما امتن الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه كره أن يخالفوا ذلك و لكن لقائل أن يقول فكيف لم يكره السير و الحركة في آخره و هو من جملة الليل أيضا و يمكن أن يكون فهم من رسول الله ص أن الليل الذي جعل سكنا للبشر إنما هو من أوله إلى وقت السحر. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 94ثم أمره ع بأن يريح في الليل بدنه و ظهره هي الإبل و بنو فلان مظهرون أي لهم ظهر ينقلون عليه كما تقول منجبون أي لهم نجائب. قال الراوندي الظهر الخيول و ليس بصحيح و الصحيح ما ذكرناه. قوله ع فإذا وقفت أي فإذا وقفت ثقلك و رحلك لتسير فليكن ذلك حين ينبطح السحر. قال الراوندي فإذا وقفت ثم قال و قد روي فإذا واقفت قال يعني إذا وقفت تجارب العدو و إذا واقفته و ما ذكره ليس(16/80)


بصحيح و لا روي و إنما هو تصحيف أ لا تراه كيف قال بعده بقليل فإذا لقيت العدو و إنما مراده هاهنا الوصاة بأن يكون السير وقت السحر و وقت الفجر. قوله ع حين ينبطح السحر أي حين يتسع و يمتد أي لا يكون السحر الأول أي ما بين السحر الأول و بين الفجر الأول و أصل الانبطاح السعة و منه الأبطح بمكة و منه البطيحة و تبطح السيل أي اتسع في البطحاء و الفجر انفجر انشق. ثم أمره ع إذا لقي العدو أن يقف بين أصحابه وسطا لأنه الرئيس و الواجب أن يكون الرئيس في قلب الجيش كما أن قلب الإنسان في وسط جسده و لأنه إذا كان وسطا كانت نسبته إلى كل الجوانب واحدة و إذا كان في أحد الطرفين بعد من الطرف الآخر فربما يختل نظامه و يضطرب. ثم نهاه ع أن يدنو من العدو دنو من يريد أن ينشب الحرب و نهاه أن يبعد منهم بعد من يهاب الحرب و هي البأس قال الله تعالى وَ حِينَ الْبَأْسِ شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 95أي حين الحرب بل يكون على حال متوسطة بين هذين حتى يأتيه الأمر من أمير المؤمنين ع لأنه أعرف بما تقتضيه المصلحة. ثم قال له لا يحملنكم بغضكم لهم على أن تبدءوهم بالقتال قبل أن تدعوهم إلى الطاعة و تعذا إليهم أي تصيروا ذوي عذر في حربهم. و الشنئان البغض بسكون النون و تحريكها
نبذ من الأقوال الحكيمة في الحروب
و في الحديث المرفوع لا تتمنوا العدو فعسى أن تبتلوا بهم و لكن قولوا اللهم اكفنا شرهم و كف عنا بأسهم و إذا جاءوك يعرفون أن يضجون فعليكم الأرض جلوسا و قولوا اللهم أنت ربنا و ربهم و بيدك نواصينا و نواصيهم فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم(16/81)


و كان أبو الدرداء يقول أيها الناس اعملوا عملا صالحا قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم. و أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين استعمله فقال سر على بركة الله فإذا دخلت بلاد العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة و استظهر بالزاد و سر بالأدلاء و لا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه و احترس من البيات فإن في العرب غرة و أقلل من الكلام فإن ما وعي عنك هو عليك و إذا أتاك كتابي فأمضه فإنما أعمل على حسب إنفاذه و إذا قدم عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك و أسبغ عليهم من النفقة و امنع الناس من محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين و لا شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 96تلحن في عقوبة فإن أدناها وجيعة و لا تسرعن إليها و أنت تكتفي بغيرها و اقبل من الناس علانيتهم و كلهم إلى الله في سريرتهم و لا تعرض عسكرك فتفضحه و أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. و أوصى أبو بكر أيضا عكة بن أبي جهل حين وجهه إلى عمان فقال سر على اسم الله و لا تنزلن على مستأمن و قدم النذير بين يديك و مهما قلت إني فاعل فافعله و لا تجعلن قولك لغوا في عقوبة و لا عفو فلا ترجى إذا أمنت و لا تخاف إذا خوفت و انظر متى تقول و متى تفعل و ما تقول و ما تفعل و لا تتوعدن في معصية بأكثر من عقوبتها فإنك إن فعلت أثمت و إن تركت كذبت و اتق الله و إذا لقيت فاصبر. و لما ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان قال له إن أباك كفى أخاه عظيما و قد استكفيتك صغيرا فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك و إياك مني من قبل أن أقول إياك منك و اعلم أن الظن إذا أخلف منك أخلف فيك و أنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه و قد تبعك أبوك فلا تريحن نفسك و اذكر في يومك أحاديث غدك. و قال بعض الحكماء ينبغي للأمير أن يكون له ستة أشياء وزير يثق به و يفشي إليه سره و حصن إذا لجأ إليه عصمه يعني فرسا و سيف إذا نزل به الأقران لم يخف نبوته و ذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة(16/82)

52 / 150
ع
En
A+
A-