أما بعد فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير و نبذتموه وراء شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 84ظهوركم و حاولتم إطفاءه بأفواهكم وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و لعمري لينفذن العلم فيك و ليتمن النور بصغ و قماءتك و لتخسأن طريدا مدحورا أو قتيلا مثبورا و لتجزين بعملك حيث لا ناصر لك و لا مصرخ عندك و قد أسهبت في ذكر عثمان و لعمري ما قتله غيرك و لا خذله سواك و لقد تربصت به الدوائر و تمنيت له الأماني طمعا فيما ظهر منك و دل عليه فعلك و إني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه و أكبر من خطيئته فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف و إن قائمه لفي يدي و قد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس و فراعنة بني سهم و جمح و بني مخزوم و أيتمت أبناءهم و أيمت نساءهم و أذكرك ما لست له ناسيا يوم قتلت أخاك حنظلة و جررت برجله إلى القليب و أسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا و طلبتك ففررت و لك حصاص فلو لا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما و أنا أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبدا و لأجعجعن بك في مناخك حتى يحكم الله بيني و بينك و هو خير الحاكمين و لئن أنسأ الله في أجلي قليلا لأغزينك سرايا المسلمين و لأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين و الأنصار ثم لا أقبل لك معذرة و لا شفاعة و لا أجيبك إلى طلب و سؤال و لترجعن إلى تحيرك و ترددك و تلددك فقد شاهدت و أبصرت و رأيت شرح نهج البلاغة ج 15 ص : 85سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت و أبوك أول من كفر و كذب بنزوله و لقد كنت تفرستها و آذنتك أنك فاعلها و قد مضى منها ما مضى و انقضى من كيدك فيها ما انقضى و أنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب فاختر لنفسك و انظر لها و تداركها فإنك إن فطرت و استمررت على غيك و غلوائك حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك(16/73)


الأمور و منعت أمرا هو اليوم منك مقبول يا ابن حرب إن لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرأي فلا يطمعنك أهل الضلال و لا يوبقنك سفه رأي الجهال فو الذي نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار لتصعقن صعقة لا تفيق منها حتى ينفخ في الصور النفخة التي يئست منها كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ
قلت سألت النقيب أبا زيد عن معاوية هل شهد بدرا مع المشركين فقال نعم شهدها ثلاثة من أولاد أبي سفيان حنظلة و عمرو و معاوية قتل أحدهم و أسر الآخر و أفلت معاوية هاربا على رجليه فقدم مكة و قد انتفخ قدماه و ورمت ساقاه فعالج نفسه شهرين حتى برأ. قال النقيب أبو زيد و لا خلاف عند أحد أن عليا ع قتل حنظلة و أسر عمرا أخاه و لقد شهد بدرا و هرب على رجليه من هو أعظم منهما و من أخيهما عمرو بن عبد ود فارس يوم الأحزاب شهدها و نجا هاربا على قدميه و هو شيخ كبير شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 86و ارتث جريحا فوصل إلى مكة و هو وقيذ ف يشهد أحدا فلما برأ شهد الخندق فقتله قاتل الأبطال و الذي فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق. ثم قال لي النقيب رحمه الله أ ما سمعت نادرة الأعمش و مناظره فقلت ما أعلم ما تريد فقال سأل رجل الأعمش و كان قد ناظر صاحبا له هل معاوية من أهل بدر أم لا فقال له أصلحك الله هل شهد معاوية بدرا فقال نعم من ذلك الجانب و اعلم أن هذه الخطبة قد ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفين على وجه يقتضي أن ما ذكره الرضي رحمه الله منها قد ضم إليه بعض خطبة أخرى و هذه عادته لأن غرضه التقاط الفصيح و البليغ من كلامه و(16/74)


الذي ذكره نصر بن مزاحم هذه صورته من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتبع الهدى فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك قد رأيت مرور الدنيا و انقضاءها و تصرمها و تصرفها بأهلها و خير ما اكتسب من الدنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى و من يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بعيدا و اعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث و لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد من كتاب الله و لست متعلقا بآية من شرح نهج البلاغة ج : 1ص : 87كتاب الله و لا عهد من رسول الله ص فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أتت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها و ركنت إلى لذاتها و خلي بينك و بين عدوك فيها و هو عدو و كلب مضل جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و أمرتك فأطعتها فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك مجن و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بلا قدم حسن و لا شرف تليد على قومكم فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك و شمر لما سينزل بك و لا تمكن عدوك الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله و رسوله صادقان نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إلا تفعل فإني أعلمك ما أغفلت من نفسك إنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق و لست من أئمة هذه الأمة و لا من رعاتها و اعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه و لامتنوا علينا به و لكنه قضاء ممن منحناه و اختصنا به على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان و البينة رب احكم بيننا و بين عدونا بالحق و أنت خير الحاكمين(16/75)


قال نصر فكتب معاوية إليه الجواب من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به و لا تفسد سابقة شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 88جهادك بشرة نخوتك فإن الأعمال بخواتيمها و لا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه فإنك إن تفعلا تضر بذلك إلا نفسك و لا تمحق إلا عملك و لا تبطل إلا حجتك و لعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء و خلاف أهل الحق فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق و تعوذ من نفسك فإنك الحاسد إذا حسد
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 1189- و من وصية له ع وصى بها جيشا بعثه إلى العدوفَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَ اجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلَّا يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلَائِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً(16/76)


المعسكر بفتح الكاف موضع العسكر و حيث ينزل. الأشراف الأماكن العالية و قبلها ما استقبلك منها و ضده الدبر. و سفاح الجبال أسافلها حيث يسفح منها الماء. و أثناء الأنهار ما انعطف منها واحدها ثني و المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ليأمنوا بذلك من البيات و ليأمنوا أيضا من إتيان العدو لهم شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 90من خلفهم و قد فسر ذلك بقوله كيما يكون لكم ردءا و الردء العون قال الله تعالى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي. و دونكم مردا أي حاجزا بينكم و بين العدو. ثم أمرهم بأن يكون مقاتلتهم بفتح التاء و هي مصدر قاتل من وجه واحد أوثنين أي لا تتفرقوا و لا يكن قتالكم العدو في جهات متشعبة فإن ذلك أدعى إلى الوهن و اجتماعكم أدعى إلى الظفر ثم أمرهم أن يجعلوا رقباء في صياصي الجبال و صياصي الجبال أعاليها و ما جرى مجرى الحصون منها و أصل الصياصي القرون ثم استعير ذلك للحصون لأنه يمتنع بها كما يمتنع ذو القرن بقرنه و مناكب الهضاب أعاليها لئلا يأتيكم العدو إما من حيث تأمنون أو من حيث تخافون. قوله ع مقدمة القوم عيونهم المقدمة بكسر الدال و هم الذين يتقدمون الجيش أصله مقدمة القوم أي الفرقة المتقدمة و الطلائع طائفة من الجيش تبعث ليعلم منها أحوال العدو و قال ع المقدمة عيون الجيش و الطلائع عيون المقدمة فالطلائع إذا عيون الجيش. ثم نهاهم عن التفرق و أمرهم أن ينزلوا جميعا و يرحلوا جميعا لئلا يفجأهم العدو بغتة على غير تعبئة و اجتماع فيستأصلهم ثم أمرهم أن يجعلوا الرماح كفة إذا غشيهم الليل و الكاف مكسورة أي اجعلوها مستديرة حولكم كالدائرة و كل ما استدار كفة بالكسر نحو كفة الميزان و كل ما استطال كفة بالضم نحو كفة الثوب و هي حاشيته و كفة الرمل و هو ما كان منه كالحبل. ثم نهاهم عن النوم إلا غرارا أو مضمضة و(16/77)

51 / 150
ع
En
A+
A-