شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 115قال الواقدي فكان حكيم بن حزام يحدث قال كنا يومئذ في خباء لنا على جزور نشوي من لحمها فما هو إلا أن سمعنا الخبر فامتنع الطعام منا و لقي بعضنا بعضا و لقيني عتبة بن ربيعة فقال يا أبا خالد ما أعلم أحدا يسير أعجب من مسيرنا إن عير قد نجت و إنا جئنا إلى قوم في بلادهم بغيا عليهم فقلت أراه لأمر حم و لا رأي لمن لا يطاع هذا شؤم ابن الحنظلية فقال عتبة أبا خالد أ تخاف أن تبيتنا القوم قلت لأنت آمن من ذلك قال فما الرأي يا أبا خالد قلت نتحارس حتى نصبح و ترون رأيكم قال عتبة هذا الرأي قال فتحارسنا حتى أصبحنا فقال أبو جهل هذا عن أمر عتبة كره قتال محمد و أصحابه إن هذا لهو العجب أ تظنون أن محمدا و أصحابه يعترضون لجمعكم و الله لأنتحين ناحية بقومي فلا يحرسنا أحد فتنحى ناحية و إن السماء لتمطر عليه قال يقول عتبة إن هذا لهو النكد قال الواقدي أخذ من السقاء من على القليب يسار غلام سعيد بن العاص و أسلم غلام منبه بن الحجاج و أبو رافع غلام أمية بن خلف فأتي بهم النبي ص و هو قائم يصلي فسألهم المسلمون فقالوا نحن سقاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهم و رجوا أن يكونوا لأبي سفيان و أصحاب العير فضربوهم فلما أذلقوهم بالضرب قالوا نحن لأبي سفيان و نحن في العير و هذا العير بهذا القوز فكانوا إذا قالوا ذلك يمسكون عن ضربهم فسلم رسول الله ص من صلاته ثم قال إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم فقال أصحابه ع إنهم يا رسول الله يقولون إن قريشا قد جاءت فقال لقد صدقوكم خرجت قريش تمنع عيرها و خافوكم عليها ثم أقبل ص على السقاء فقال أين شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 116قريش فقالوا خلف هذا الكثيب الذي ترى قال كم هم قالوا كثير قال كم عددهم قالوا لا ندري قال كم ينحرون قالوا يوما عشرة و يوما تسعة فقال القوم ما بين الألف و اسعمائة ثم قال للسقاء كم خرج من أهل مكة قالوا لم يبق أحد به طعم إلا(15/96)
خرج فأقبل رسول الله ص على الناس فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ثم سألهم رسول الله ص هل رجع منهم أحد قالوا نعم رجع ابن أبي شريق ببني زهرة فقال ص راشدهم و ما كان برشيد و إن كان ما علمت لمعاديا لله و لكتابه ثم قال فأحد غيرهم قالوا نعم بنو عدي بن كعب فتركهم رسول الله ص ثم قال لأصحابه أشيروا علي في المنزل فقال الحباب بن المنذر يا رسول الله أ رأيت منزلك هذا أ هو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه و لا نتأخر عنه أم هو الرأي و الحرب و المكيدة قال بل هو الرأي و الحرب و المكيدة قال فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى مياه القوم فإني عالم بها و بقلبها فإن بها قليبا قد عرفت عذوبة مائها و ماؤها كثير لا ينزح نبني عليها حوضا و نقذف فيها بالآنية فنشرب و نقاتل و نعور ما سواها من القلب. قال الواقدي فكان ابن عباس يقول نزل جبريل على النبي ص فقال الرأي ما أشار به الحباب فقال يا حباب أشرت بالرأي و نهض و فعل كل ذلك. قال الواقدي و بعث الله السماء و كان الوادي دهسا أي كثير الرمل فأصاب المسلمين ما لبد الأرض و لم يمنعهم من المسير و أصاب قريشا ما لم يقدروا معه أن يرتحلوا منه و إنما بين الطائفتين قوز من رمل. قال الواقدي و أصاب المسلمين تلك الليلة النعاس ألقي عليهم فناموا و لم يصبهم من المطر ما يؤذيهم.(15/97)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 117قال الزبير بن العوام لقد سلط الله عليهم النعاس تلك الليلة حتى إني كنت لأتشدد و النعاس يجلد بي الأرض فما أطيق إلا ذلك فكان رسول الله ص و أصحابه على مثل ذلك الحال و قال سعد بن أبي وقاص لقد رأيتني و إن ذقني بين ثديي فما أشعر ح أقع على جنبي. و قال رفاعة بن رافع بن مالك لقد غلبني النوم فاحتلمت حتى اغتسلت آخر الليل. قال الواقدي فلما تحول رسول الله ص إلى المنزل بعد أن أخذ السقاء أرسل عمار بن ياسر و عبد الله بن مسعود فأطافا بالقوم ثم رجعا إليه فقالا له يا رسول الله القوم مذعورون فزعون إن الفرس ليريد أن يصهل فيضرب وجهه مع أن السماء تسح عليهم. قال الواقدي فلما أصبحوا قال منبه بن الحجاج و كان رجلا يبصر الأثر هذا و الله أثر ابن سمية و ابن أم عبد أعرفهما لقد جاءنا محمد بسفهائنا و سفهاء أهل يثرب ثم قال
لم يترك الجوع لنا مبيتا لا بد أن نموت أو نميتا(15/98)
يا معشر قريش انظروا غدا إن لقينا محمد و أصحابه فاتقوا على شبانكم و فتيانكم شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 118بأهل يثرب فإنا إن نرجع بهم إلى مكة يبصروا من ضلالتهم ما فارقوا من دين آبائهم. قال الواقدي و لما نزل رسول الله ص على القليب بني له عريش من جريد فقام س بن معاذ على باب العريش متوشحا سيفه فدخل النبي ص و أبو بكر. قلت لأعجب من أمر العريش من أين كان لهم أو معهم من سعف النخل ما يبنون به عريشا و ليس تلك الأرض أعني أرض بدر أرض نخل و الذي كان معهم من سعف النخل يجري مجرى السلاح كان يسيرا جدا قيل إنه كان بأيدي سبعة منهم سعاف عوض السيوف و الباقون كانوا بالسيوف و القسي و هذا قول شاذ و الصحيح أنه ما خلا أحد منهم عن سلاح اللهم إلا أن يكون معهم سعافات يسيرة و ظلل عليها بثوب أو ستر و إلا فلا أرى لبناء عريش من جريد النخل هناك وجها. قال الواقدي و صف رسول الله ص أصحابه قبل أن تنزل قريش فطلعت قريش و رسول الله ص يصف أصحابه و قد أترعوا حوضا يفرطون فيه من السحر و قذفت فيه الآنية و دفع رسول الله ص رايته إلى مصعب بن عمير فتقدم بها إلى الموضع الذي أمره أن يضعها و وقف رسول الله ص ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغارب و جعل الشمس خلفه و أقبل المشركون فاستقبلوا الشمس و نزل بالعدوة الدنيا من الوادي و نزلوا بالعدوة اليمانية و هي القصوى و جاءه رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن كان هذا عن وحي فامض له و إلا فإني شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 119أرى أن تعلوا الوادي فإني أرى ريحا قد هاجت من أعلاها أراها بعثت بنصرك فقال رسول الله ص قد صففت صفوفي و وضعت رايتي فلا أغير ذلك ثم دعا رسول الله ص فأمده الله بالملائكة. قال الواقدي و روى عروة بن الزبير قال عدل رسول الله ص الصفوف يومئذ فتقدم سواد بن غزية أمام الصف فدفع النبي ص بقدح في بطنه و قال استو يا سواد فقال أوجعتني و الذي بعثك بالحق أقدني فكشف ص عن بطنه و قال استقد(15/99)
فاعتنقه و قبله فقال ما حملك على ما صنعت قال حضر يا رسول الله من أمر الله ما قد ترى و خشيت القتل فأردت أن يكون آخر عهدي بك و أن أعتنقك.
قال الواقدي فحدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم عن رجل من بني أود قال سمعت عليا ع يخطب على منبر الكوفة و يقول بينا أنا أميح في قليب بدر جاءت ريح لم أر مثلها قط شدة ثم ذهبت فجاءت أخرى لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها ثم جاءت ريح أخرى لم أر مثلها إلا الأوليين فكانت الأولى جبريل في ألف مع رسول الله ص و الثانية ميكائيل في ألف عن ميمنته و الثالثة إسرافيل في ألف عن ميسرته فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله ص على فرس فجرت بي فلما جرت بي خررت على عنقها فدعوت ربي فأمسكني حتى استويت و ما لي و للخيل و إنما كنت صاحب الحشم فلما استويت طعنت فيهم بيدي هذه حتى اختضبت مني ذي يعني إبطه(15/100)