كرم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضع و ثلاثون جرحا. قال الواقدي و قد روى نافع عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان و سبعون ضربة و طعنة بالسيوف و الرماح. قال البلاذري قطعت يداه و لذلك
قال رسول الله ص لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة
و لذلك سمي الطيار. قال الواقدي ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فنكل يسيرا ثم حمل فقاتل شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 68حتى قتل فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه ثم تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أرقم و جعل يصيح بالأنصار فثاب إليه منهم قليل فقالخالد بن الوليد خذ اللواء يا أبا سليمان قال خالد لا بل خذه أنت فلك سن و قد شهدت بدرا قال ثابت خذه أيها الرجل فو الله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد و حمل به ساعة و جعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز بالمسلمين و انكشفوا راجعين. قال الواقدي و قد روى أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا و الصحيح أن خالدا انهزم بالناس. قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة أن النبي ص لما التقى الناس بمؤتة جلس على المنبر و كشف له ما بينه و بين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة و كره إليه الموت و حبب إليه الدنيا فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا فمضى قدما حتى استشهد ثم صلى عليه و قال استغفروا له فقد دخل الجنة و هو يسعى ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة و كره إليه الموت و مناه الدنيا فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تتمنى الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ص و دعا له
ثم قال استغفروا لأخيكم فإنه شهيد قد دخل الجنة فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء(16/58)
ثم قال أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم دخل معترضا فشق ذلك على الأنصار فقال رسول الله ص أصابته الجراح قيل يا رسول الله فما اعتراضه قال لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة فسري عن قومه. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 69و روى محمد بن إسحاق قال لما ذكر رسول الله ص زيدا و جعفرا سكت عن عبد الله بن رواحة حتى تغيرت وجوه الأنصار و ظنوا أنه قد كان من عبد الله بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير ابن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت لم هذا فقيل لأنهما مضيا و تردد هذا بعض التردد ثم مضى
قال و روى محمد بن إسحاق أنه لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية قاتل قتالا شديدا حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر رضي الله عنه أول رجل عقر فرسه في الإسلام. قال محمد بن إسحاق و لما أخذ ابن رواحة الراية جعل يتردد بعض التردد و يستقدم نفسه يستنزلها و قال
أقسمت يا نفس لتنزلنه طوعا و إلا سوف تكرهنه ما لي أراك تكرهين الجنة إذ أجلب الناس و شدوا الرنه قد طالما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنثم ارتجز أيضا فقال
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت(16/59)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 70و ما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت و إن تأخرت فقد شقثم نزل عن فرسه فقاتل فأتاه ابن عم له ببضعة من لحم فقال اشدد بهذا صلبك فأخذها من يده فانتهش منها نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية من الناس فقال و أنت يا ابن رواحة في الدنيا ثم ألقاها من يده و أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل. قال الواقدي حدثني داود بن سنان قال سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول انكشف خالد بن الوليد يومئذ بالناس حتى عيروا بالفرار و تشاءم الناس به. قال و روى أبو سعيد الخدري قال أقبل خالد بالناس منهزمين فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف فجعلوا يحثون في وجوههم التراب و يقولون يا فرار أ فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص ليسوا بالفرار و لكنهم كرار إن شاء الله. قال الواقدي و قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما لقي جيش بعثوا مبعثا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة لقوهم بالشر حتى إن الرجل ينصرف إلى بيته و أهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له يقولون ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس حتى أرسل النبي ص رجلا يقول لهم أنتم الكرار في سبيل الله فخرجوا.(16/60)
قال الواقدي فحدثني مالك بن أبي الرجال عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس قالت أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر و أصحابه فأتاني رسول الله ص و قد منأت أربعين منا من أدم و عجنت عجيني و أخذت بني فغسلت وجوههم و دهنتهم فدخلت على شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 71رسول الله ص فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم و شمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شي ء قال نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح و اجتمع إلى النساء فجعل رسول الله ص يقول يا أسماء تقولي هجرا و لا تضربي صدرا ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة رضي الله عنها و هي تقول وا عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم(16/61)
قال الواقدي و حدثني محمد بن مسلم عن يحيى بن أبي يعلى قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول أنا أحفظ حين دخل النبي ص على أمي فنعى إليها أبي فأنظر إليه و هو يمسح على رأسي و رأس أخي و عيناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا قدم إلي أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم قال يا أسماء أ لا أبشرك قالت بلى بأبي و أمي قال فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت بأبي و أمي فأعلم الناس ذلك فقام رسول الله ص و أخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر و أجلسني أمامه على الدرجة السفلى و إن الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال إن المرء كثير بأخيه و ابن عمه ألا إن جعفرا قد استشهد و قد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل فدخل بيته و أدخلني و أمر بطعام فصنع لنا و أرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته ثم نشفته ثم أنضجته و آدمته بزيت و جعلت عليه فلفلا فتغديت أنا و أخي معه و أقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا و أتاني رسول الله ص بعد ذلك و أنا أساوم في شاة فقال اللهم بارك له في صفقته فو الله ما بعت شيئا و لا اشتريت إلا بورك فيه
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 72فصل في ذكر بعض مناقب جعفر بن أبي طالبروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو المساكين و قال و كان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب أكبرهم طالب و بعده عقيل و بعده جعفر و بعده علي و كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين و علي أصغرهم سنا و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و هي أول هاشمية ولدت لهاشمي و فضلها كثير و قربها من رسول الله ص و تعظيمه لها معلوم عند أهل الحديث. و روى أبو الفرج لجعفر رضي الله عنه فضل كثير و قد ورد فيه حديث كثير(16/62)