فقال النعمان بن مهض يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا أو كثيرا إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا قال زيد أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 62المسير و عقد رسول الله ص لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة و هو لواء أبيض و مشى الناس إلى أمراء رسول الله ص يودعونهم و يدعون لهم و كانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا في معسكرهم نادم المسلمون دفع الله عنكم و ردكم صالحين سالمين غانمين فقال عبد الله بن رواحة
لكنني أسأل الرحمن مغفرة و ضربة ذات فرغ تقذف الزبداأو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء و الكبداحتى يقولوا إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز فقد رشدا
قلت اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول و أنكرت الشيعة ذلك و قالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله بن رواحة و رووا في ذلك روايات و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو
تأوبني ليل بيثرب أعسر و هم إذا ما نوم الناس مسهرلذكرى حبيب هيجت لي عبرة سفوحا و أسباب البكاء التذكربلى إن فقدان الحبيب بلية و كم من كريم يبتلى ثم يصبرفلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفرو زيد و عبد الله حين تتابعوا جميعا و أسياف المنية تخطر(16/53)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 63رأيت خيار المؤمنين تواردوا شعوب و خلق بعدهم يتأخرغداة غدوا بالمؤمنين يقودهم إلى الموت ميمون النقيبة أزهرأغر كضوء البدر من آل هاشم أبي إذا سيم الظلامة أصعرفطاعن حتى مال غير موسد بمعترك فيه القنا متكسرفصار مع المستشهدين ثوابه ان و ملتف الحدائق أخضرو كنا نرى في جعفر من محمد وقارا و أمرا حازما حين يأمرو ما زال في الإسلام من آل هاشم دعائم صدق لا ترام و مفخرهم جبل الإسلام و الناس حولهم رضام إلى طور يطول و يقهربهاليل منهم جعفر و ابن أمه علي و منهم أحمد المتخيرو حمزة و العباس منهم و منهم عقيل و ماء العود من حيث يعصربهم تفرج الغماء من كل مأزق عماس إذا ما ضاق بالناس مصدرهم أولياء الله أنزل حكمه عليهم و فيهم و الكتاب المطهر
و منها قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها
نام العيون و دمع عينك يهمل سحا كما وكف الرباب المسبل وجدا على النفر الذين تتابعوا قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلواساروا أمام المسلمين كأنهم طود يقودهم الهزبر المشبل إذ يهتدون بجعفر و لوائه قدام أولهم و نعم الأول حتى تقوضت الصفوف و جعفر حيث التقى جمع الغواة م(16/54)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 64فتغير القمر المنير لفقده و الشمس قد كسفت و كادت تأفل قوم علا بنيانهم من هاشم فرع أشم و سؤدد متأثل قوم بهم عصم الإله عباده و عليهم نزل الكتاب المنزل فضلوا المعاشر عفة و تكرما و تعمدت أخلاقهم من قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق عن زيد بن أرقم أن رسول الله ص خطبهم فأوصاهم فقال أوصيكم بتقوى الله و بمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله و في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا و لا تغلوا و لا تقتلوا وليدا و إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم و اكفف عنهم ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا فاقبل و اكفف ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين و إن دخلوا في الإسلام و اختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله و لا يكون لهم في الفي ء و لا في الغنيمة شي ء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم و اكفف عنهم فإن أبوا فاستعن بله و قاتلهم و إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله و لكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أ تصيب حكم الله فيهم أم لا و إن حاصرت أهل حصن أو مدينة و أرادوا أن تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله فلا تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله و لكن اجعل لهم ذمتك و ذمة أبيك و أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله و ذمة رسوله(16/55)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 65 قال الواقدي و حدثني أبو صفوان عن خالد بن يزيد قال خرج النبي ص مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف و وقفوا حوله فقال اغزوا بسم الله فقاتلوا عدو الله و عدوكم بالشام و ستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضواهم و ستجدون آخرين للشيطان في رءوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف و لا تقتلن امرأة و لا صغيرا ضرعا و لا كبيرا فانيا و لا تقطعن نخلا و لا شجرا و لا تهدمن بناء
قال الواقدي فلما دعا ودع عبد الله بن رواحة رسول الله ص قال له مرني بشي ء أحفظه عنك قال إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل فأكثروا السجود فقال عبد الله زدني يا رسول الله قال اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع فقال يا رسول لله إن الله وتر يحب الوتر فقال يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجز إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة فقال ابن رواحة لا أسألك عن شي ء بعدها و روى محمد بن إسحاق أن عبد الله بن رواحة ودع رسول الله ص بشعر منه
فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى و نصرا كالذي نصرواإني تفرست فيك الخير نافلة فراسة خالفتهم في الذي نظرواأنت الرسول فمن يحرم نوافله و البشر منه فقد أودى به القدر
قال محمد بن إسحاق فلما ودع المسلمين بكى فقالوا له ما يبكيك يا عبد الله قال و الله ما بي حب الدنيا و لا صبابة إليها و لكني سمعت رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 66يقرأ وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود قال الواقدي وان زيد بن أرقم يحدث قال كنت يتيما في حجر عبد الله بن رواحة فلم أر والي يتيم كان خيرا لي منه خرجت معه في وجهة إلى مؤتة و صب بي و صببت به فكان يردفني خلف رحله فقال ذات ليلة و هو على راحلته بين شعبتي رحله(16/56)


إذا بلغتني و حملت رحلي مسافة أربع بعد الحساءفشأنك فانعمي و خلاك ذم و لا أرجع إلى أهلي ورائي و آب المسلمون و خلفوني بأرض الشام مشتهر الثواءو زودني الأقارب من دعاء إلى الرحمن و انقطع الإخاءهنالك لا أبالي طلع نخل و لا نخل أسافلها رواءفلما سمعت منه هذا الشعر بكيت فخفقني بالدرة و قال و ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا و نصبها و همومها و أحزانها و أحداثها و ترجع أنت بين شعبتي الرحل. قال الواقدي و مضى المسلمون فنزلوا وادي القرى فأقاموا به أياما و ساروا حتى نزلوا بمؤتة و بلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر و بهراء و لخم و جذام و غيرهم مائة ألف مقاتل و عليهم رجل من بلي فأقام المسلمون ليلتين ينظرون شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 67في أمرهم و قالوا نكتب إلى رسول الله ص فنخبره الخبر فإما أن يردنا أو يزيا رجالا فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم و قال و الله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة و لا كثرة سلاح و لا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد و الله رأينا يوم بدر و ما معنا إلا فرسان إنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله و رسوله و ليس لوعده خلف و إما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على قول ابن رواحة. قال الواقدي و روى أبو هريرة قال شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الديباج و الحرير و الذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أرقم ما لك يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة قلت نعم قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة. قال الواقدي فالتقى القوم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل طعنوه بالرماح ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل حتى قتل. قال الواقدي قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في(16/57)

47 / 150
ع
En
A+
A-