شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 55القول في خروج النبي ص و بعد انصرافه من أحد إلى المشركين ليوقع بهم على ما هو به من الوهنقال الواقدي بلغ رسول الله ص أن المشركين قد عزموا أن يردوا إلى المدينة فينهبوها فأحب أن يريهم قوة فصلى الصبح يوم الأحد لثمان خلون من شوال و معه وجوه الأوس و الخزرج و كانوا باتوا تلك الليلة في بابه يحرسونه من البيات فيهم سعد بن عبادة و سعد بن معاذ و الحباب بن المنذر و أوس بن خولي و قتادة بن النعمان في عدة منهم فلما انصرف من صلاة الصبح أمر بلالا أن ينادي في الناس أن رسول الله ص يأمركم بطلب عدوكم و لا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس فخرج سعد بن معاذ راجعا إلى قومه يأمرهم بالمسير و الجراح في الناس فاشية عامة بني عبد الأشهل جريح بل كلها فجاء سعد بن معاذ فقال إن رسول الله ص يأمركم أن تطلبوا عدوكم قال يقول أسيد بن حضير و به سبع جراحات و هو يريد أن يداويها سمعا و طاعة لله و لرسوله فأخذ سلاحه و لم يعرج على دواء جراحة و لحق برسول الله ص و جاء سعد بن عبادة قومه بني ساعدة فأمرهم بالمسير فلبسوا و لحقوا و جاء أبو قتادة أهل خربا و هم يداوون الجراح فقال هذا منادي رسول الله ص يأمركم بطلب العدو فوثبوا إلى سلاحهم و لم يعرجوا على جراحاتهم فخرج من بني سلمة أربعون جريحا بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا و بخراش بن الصمة عشر جراحات و بكعب بن مالك بضعة عشر جرحا و بقطبة بن عامر بن خديج بيده تسع جراحات حتى وافوا النبي ص بقبر أبي عتبة و عليهم السلاح شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 56و قد صفوا لرسول الله ص فلما نظر إليهم و الجراح فيهم فاشية قال اللهم ارحم بني سلمة. قال الواقدي و حدثني عتببن جبيرة عن رجال من قومه أن عبد الله بن سهل و رافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من أحد و بهما جراح كثيرة و عبد الله أثقلهما جرحا فلما أصبحا و جاء سعد بن معاذ قومه يخبرهم أن رسول الله ص يأمرهم بطلب العدو(16/48)


قال أحدهما لصاحبه و الله إن تركنا غزاة مع رسول الله ص لغبن و الله ما عندنا دابة نركبها و لا ندري كيف نصنع قال عبد الله انطلق بنا قال رافع لا و الله ما بي مشي قال أخوه انطلق بنا نقصد و نجوز و خرجا يزحفان فضعف رافع فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبه و يمشي الآخر عقبه حتى أتوا رسول الله ص عند العشاء و هم يوقدون النيران فأتي بهما رسول الله ص و على حرسه تلك الليلة عباد بن بشر فقال رسول الله ص لهما ما حبسكما فأخبراه بعلتهما فدعا لهما بخير و قال إن طالت لكما مدة كانت لكما مراكب من خيل و بغال و إبل و ليس ذلك بخير لكما. قال الواقدي و قال جابر بن عبد الله يا رسول الله إن مناديا نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس و قد كنت حريصا بالأمس على الحضور و لكن أبي خلفني على أخوات لي و قال يا بني لا ينبغي لك أن تدعهن و لا رجل معهن و أخاف عليهن و هن نسيات ضعاف و أنا خارج مع رسول الله ص لعل الله يرزقني الشهادة فتخلفت عليهن فاستأثر علي بالشهادة و كنت رجوتها فأذن لي يا رسول الله أن أسير معك فأذن له رسول الله ص قال جابر فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري و استأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك(16/49)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 57عليهم فدعا رسول الله ص بلواءه و هو معقود لم يحل من أمس فدفعه إلى علي ع و يقال دفعه إلى أبي بكر فخرج رسول الله ص و هو مجروح في وجهه أثر الحلقتين و مشجوج في جبهته في أصول الشعر و رباعيته قد شظيت و شفته قد كلمت من باطنها و منكبالأيمن موهن بضربة ابن قميئة و ركبتاه مجحوشتان فدخل المسجد فصلى ركعتين و الناس قد حشدوا و نزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ و دعا بفرسه على باب المسجد و تلقاه طلحة بن عبيد الله و قد سمع المنادي فخرج ينظر متى يسير رسول الله ص فإذا هو و عليه الدرع و المغفر لا يرى منه إلا عيناه فقال يا طلحة سلاحك قال قريبا قال طلحة فأخرج و أعدو فألبس درعي و آخذ سيفي و أطرح درقتي في صدري و إن بي لتسع جراحات و لأنا أهتم بجراح رسول الله ص مني بجراحي فأقبل رسول الله ص على طلحة فقال أين ترى القوم الآن قال هم بالسيالة فقال رسول الله ص ذلك الذي ظننت أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا قال و بعث رسول الله ص ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فانقطع أحدهم و انقطع قبال نعل الآخر و لحق الثالث بقريش و هم بحمراء الأسد و لهم زجل يأتمرون في الرجوع إلى المدينة و صفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك و لحق الذي انقطع قبال نعله بصاحبه فبصرت قريش بالرجلين فعطفت عليهما فأصابوهما و انتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء الأسد فقبرهما رسول الله ص في قبر واحد فهما القرينان. شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 58قال الواقدي اسماهما سليط و نعمان. ل الواقدي قال جابر بن عبد الله كانت عامة أزوادنا ذلك اليوم التمر و حمل سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا تمرا حتى وافت حمراء الأسد و ساق جزرا فنحروا في يوم ثنتين و في يوم ثلاثا و أمرهم رسول الله ص بجمع الحطب فإذا أمسوا أمرهم أن يوقدوا النيران فيوقد كل رجل نارا فلقد كنا تلك الليلة نوقد خمسمائة نار حتى نرى من المكان البعيد و ذهب(16/50)


ذكر معسكرنا و نيراننا في كل وجه و كان ذلك مما كبت الله به عدونا. قال الواقدي و جاء معبد بن أبي معبد الخزاعي و هو يومئذ مشرك إلى النبي ص و كانت خزاعة سلما للنبي ص فقال يا محمد عز علينا ما أصابك في نفسك و ما أصابك في أصحابك و لوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك و أن المصيبة كانت بغيرك ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان و قريشا بالروحاء و هم يقولون لا محمدا أصبتم و لا الكواعب أردفتم فبئسما صنعتم و هم مجمعون على الرجوع إلى المدينة و يقول قائلهم فيما بينهم ما صنعنا شيئا أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم و قبل أن يكون لهم وفر و كان المتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل فلما جاء معبد إلى أبي سفيان قال هذا معبد و عنده الخبر ما وراءك يا معبد قال تركت محمدا و أصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران و قد اجتمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس و الخزرج و تعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم و قد غضبوا لقومهم غضبا شديدا و لمن أصبتم من أشرافهم قالوا ويحك ما تقول قال و الله ما أرى شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 59أن ترتحلوا حتى تروا نواصي الخيل و لقد حملني ما رأيت منهم قلت أبياتا قالوا و ما هي فأنشدهم هذا الشعر
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سألت الأرض بالجرد الأبابيل تعدو بأسد ضراء لا تنابلة عند اللقاء و لا ميل معازيل فقلت ويل ابن حرب من لقائهم إذا تغطمطت البطحاء بالجيو قد كان صفوان بن أمية رد القوم بكلامه قبل أن يطلع معبد و قال لهم صفوان يا قوم لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا و أخشى أن يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج فارجعوا و الدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم إليهم أن تكون الدولة عليكم قال فلذلك
قال رسول الله ص أرشدهم صفوان و ما كان برشيد ثم قال و الذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة و لو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب(16/51)


قال فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم و مر بأبي سفيان قوم من عبد القيس يريدون المدينة فقال لهم هل أنتم مبلغو محمد و أصحابه ما أرسلكم به على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ إن أنتم جئتموني قالوا نعم قال حيثما شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 60لقيتم محا و أصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم و أنا آثاركم و انطلق أبو سفيان إلى مكة و قدم الركب على النبي ص و أصحابه بالحمراء فأخبروهم بالذي أمرهم أبو سفيان فقالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فأنزل ذلك في القرآن و أرسل معبد رجلا من خزاعة إلى رسول الله ص يعلمه أنه قد انصرف أبو سفيان و أصحابه خائفين وجلين فانصرف رسول الله ص بعد ثلاث إلى المدينة
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 61الفصل الخامس في شرح غزاة مؤتةنذكرها من كتاب الواقدي و نزيد على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق في كتابه على عادتنا فيما تقدم قال الواقدي حدثني ربيعة بن عثمان عن عمر بن الحكم قال بعث رسول الله ص الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه و لم يقتل لرسول الله ص رسول غيره و بلغ ذلك رسول الله ص فاشتد عليه و ندب الناس و أخبرهم بمقتل الحارث فأسرعوا و خرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله ص الظهر جلس و جلس أصحابه حوله و جاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس
فقال رسول الله ص زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم(16/52)

46 / 150
ع
En
A+
A-