و ذهب علي ع فأتى بماء من المهراس و قال لفاطمة أمسكي هذا السيف غير ذميم فنظر إليه رسول الله ص مختضبا بالدم فقال لئن كنت أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سيف أبي دجانة غير مذموم هكذا روى الواقدي. و
روى محمد بن إسحاق أن عليا ع قال لفاطمة بيتي شعر و هما
أ فاطم هاء السيف غير ذميم فلست برعد يد و لا بلئيم لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد و طاعة رب بالعباد رحيمفقال رسول الله ص لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشة و سهل بن حنيف(16/28)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 36قال الواقدي فلما أحضر علي ع الماء أراد رسول الله ص أن يشرب منه فلم يستطع و قد كان عطشا و وجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثم مجه و غسلت فاطمة به الدم عن أبيها ص فخرج محمد بن مسلمة يطب معلنساء و كن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة ع يحملن الطعام و الشراب على ظهورهن و يسقين الجرحى و يداوينهم. قال الواقدي قال كعب بن مالك رأيت عائشة و أم سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم أحد و كانت حمنة بنت جحش تسقي العطشى و تداوي الجرحى فلم يجد محمد بن مسلمة عندهن ماء و رسول الله ص قد اشتد عطشه فذهب محمد بن مسلمة إلى قناة و معه سقاؤه حتى استقى من حسى قناة عند قصور التميميين اليوم فجاء بماء عذب فشرب منه رسول الله ص و دعا له بخير و جعل الدم لا ينقطع من وجهه ع و هو يقول لن ينالوا منا مثلها حتى نستلم الركن فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ و هي تغسل جراحه و علي يصب الماء عليها بالمجن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم و يقال إنها داوته بصوفة محرقة و كان رسول الله ص بعد يداوي الجراح الذي في وجهه بعظم بال حتى ذهب أثره و لقد مكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر و يداوي الأثر الذي في وجهه بعظم. قال الواقدي و قال رسول الله ص قبل أن ينصرف إلى المدينة من يأتينا بخبر سعد بن الربيع فإني رأيته و أشار بيده إلى ناحية من الوادي قد شرع فيه اثنا عشر سنانا فخرج محمد بن مسلمة و يقال أبي بن كعب نحو تلك الناحية قال فأنا وسط القتلى لتعرفهم إذ مررت به صريعا في الوادي فناديته فلم يجب ثم قلت إن رسول الله ص أرسلني إليك قال فتنفس كما يتنفس الطير ثم قال شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 37و إن رسول الله ص لحي قلت نعم و قد أخنا أنه شرع لك اثنا عشر سنانا فقال طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها أجافتني(16/29)
أبلغ قومك الأنصار السلام و قل لهم الله الله و ما عاهدتم عليه رسول الله ص ليلة العقبة و الله ما لكم عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم و منكم عين تطرف فلم أرم من عنده حتى مات فرجعت إلى النبي ص فأخبرته فرأيته استقبل القبلة رافعا يديه يقول اللهم الق سعد بن الربيع و أنت عنه راض. قال الواقدي و خرجت السمداء بنت قيس إحدى نساء بني دينار و قد أصيب ابناها مع النبي ص بأحد النعمان بن عبد عمر و سليم بن الحارث فلما نعيا لها قالت فما فعل رسول الله ص قالوا بخير هو بحمد الله صالح على ما تحبين فقالت أرونيه أنظر إليه فأشاروا لها إليه فقالت كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل و خرجت تسوق بابنيها بعيرا تردهما إلى المدينة فلقيتها عائشة فقالت ما وراءك فأخبرتها قالت فمن هؤلاء معك قالت ابناي حل حل تحملهما إلى القبر. قال الواقدي و كان حمزة بن عبد المطلب أول من جي ء به إلى النبي ص بعد انصراف قريش أو كان من أولهم فصلى عليه رسول الله ص ثم قال رأيت الملائكة تغسله قالوا لأن حمزة كان جنبا ذلك اليوم و لم يغسل رسول الله ص الشهداء يومئذ و قال لفوهم بدمائهم و جراحهم فإنه ليس أحد يجرح فيسبيل الله إلا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم و ريحه ريح المسك ثم(16/30)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 38قال ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة و كان حمزة أول من كبر عليه أربعا ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه و على الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة لأن الشهداء سبعون. قال الواقدي و يقال كان يؤ بتسعة و حمزة عاشرهم فيصلي عليهم و ترفع التسعة و يترك حمزة مكانه و يؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليه و عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات و يقال إنه كبر عليه خمسا و سبعا و تسعا. قال الواقدي و قد اختلفت الرواية في هذا و كان طلحة بن عبيد الله و ابن عباس و جابر بن عبد الله يقولون صلى رسول الله ص على قتلى أحد و قال أنا شهيد على هؤلاء فقال أبو بكر أ لسنا إخوانهم أسلمنا كما أسلموا و جاهدنا كما جاهدوا قال بلى و لكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا و لا أدري ما تحدثون بعدي فبكى أبو بكر و قال إنا لكائنون بعدك. و قال أنس بن مالك و سعيد بن المسيب لم يصل رسول الله ص على قتلى أحد. قال الواقدي و قال لأهل القتلى احفروا و أوسعوا و أحسنوا و ادفنوا الاثنين و الثلاثة في القبر و قدموا أكثرهم قرآنا و أمر بحمزة أن تمد بردته عليه و هو في القبر و كانت قصيرة فكانوا إذا خمروا بها رأسه بدت رجلاه و إذا خمروا بها رجليه انكشف وجهه فبكى المسلمون يومئذ فقالوا يا رسول الله عم رسول الله يقتل فلا يوجد له ثوب فقال بلى إنكم بأرض جردية ذات أحجار و ستفتح يعني الأرياف و الأمصار فيخرج الناس إليها ثم يبعثون إلى أهليهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 39و الذي نفسي بيده لا تصبر نفس على لأوائها و شدتها إلا كنت لها شفيعا أو قال شهيدا يوم القيامة. قال الواقدي و أتى عبد الرحمن بن عوف في خلافة عثمان بثياب و طعام فقال و لكن حمزة لم يوجد له كفن و مصعب بن عمير لم يوجد له كفن كانا خيرا مني. قال الواقدي و مر رسول الله ص بمصعب بن عمير و هو(16/31)
مقتول مسجى ببردة خلق فقال لقد رأيتك بمكة و ما بها أحد أرق حلة و لا أحسن لمة منك ثم أنت اليوم أشعث الرأس في هذه البردة ثم أمر به فقبر و نزل في قبره أخوه أبو الروم و عامر بن ربيعة و سويبطة بن عمرو بن حرملة و نزل في قبر حمزة علي ع و الزبير و أبو بكر و عمر و رسول الله ص جالس على حفرته. قال الواقدي ثم إن الناس أو عامتهم حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفن بالبقيع منهم عدة عند دار زيد بن ثابت و دفن بعضهم ببني سلمة فنادى منادي رسول الله ص ردوا القتلى إلى مضاجعهم و كان الناس قد دفنوا قتلاهم فلم يرد أحد أحدا منهم إلا رجلا واحدا أدركه المنادي و لم يدفن و هو شماس بن عثمان المخزومي كان قد حمل إلى المدينة و به رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة ابن عمي يدخل إلى غيري فقال رسول الله ص احملوه إلى أم سلمة فحملوه إليها فمات عندها فأمر رسول الله ص أن يرد إلى أحد فيدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها و كان قد مكث يوما و ليلة و لم يذق شيئا فلم يصل عليه رسول الله ص و لا غسله. قال الواقدي فأما القبور المجتمعة هناك فكثير من الناس يظنها قبور قتلى أحد و كان طلحة بن عبيد الله و عباد بن تميم المازني يقولان هي قبور قوم من الأعراب كانوا(16/32)