لم يحضروا الحرب و هم مسلمون و طوائف أخر من المنافقين لم يخرجوا و طوائف أخرى من اليهود أولو بأس و قوة و لهم بالمدينة عيال و أهل و نساء و كل هؤلاء كانوا يحامون عن المدينة و لم تكن قريش تأمن مع ذلك أن يأتيها رسول الله ص من ورائها بمن يجامعه من أصحابه فيحصلوا بين الأعداء من خلفهم و من أمامهم فكان الرأي الأصوب لهم العدول عن المدينة و ترك قصدها. قال الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان عن حمزة بن سعيد قال لما تحاجزوا و أراد أبو سفيان الانصراف أقبل يسير على فرس له حوراء فوقف على أصحاب النبي ص و هم في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته أعل هبل ثم صاح أين ابن أبي كبشة يوم بيوم بدر ألا إن الأيام دول. و في رواية أنه نادى أبا بكر و عمر أيضا فقال أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ثم قال الحرب سجال حنظلة بحنظلة يعنى حنظلة بن أبي عامر بحنظلة بن(16/23)
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 31أبي سفيان فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أجيبه قال نعم فأجبه فلما قال أعل هبل قال عمر الله أعلى و أجل. و يروى أن رسول الله ص قال لعمر قل له الله أعلى و أجل فقال أبو سفيان إن لنا العزى و لا عزى لكم فقال عمر أو قال رسول الله قل له الله مولانا و لا مولى لكم فقال أبو سفيان إنها قد أنعمت فقال عنها يا ابن الخطاب فقال سعيد بن أبي سفيان ألا إن الأيام دول و إن الحرب سجال فقال عمر و لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم لتقولون ذلك لقد جبنا إذا و خسرنا ثم قال يا ابن الخطاب قم إلي أكلمك فقام إليه فقال أنشدك بدينك هل قتلنا محمدا قال اللهم لا و إنه ليسمع كلامك الآن قال أنت عندي أصدق من ابن قميئة ثم صاح أبو سفيان و رفع صوته إنكم واجدون في قتلاكم عنتا و مثلا إلا أن ذلك لم يكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال و أما إذ كان ذلك فلم نكرهه ثم نادى ألا إن موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول فوقف عمر وقفة ينتظر ما يقول رسول الله ص فقال له قل نعم فانصرف أبو سفيان إلى أصحابه و أخذوا في الرحيل فأشفق رسول الله ص و المسلمون من أن يغيروا على المدينة فيهلك الذراري و النساء فقال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص اذهب فأتنا بخبر القوم فإنهم إن ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فهو الظعن إلى مكة و إن ركبوا الخيل و جنبوا الإبل فهو الغارة على المدينة و الذي نفسي بيده إن ساروا إليها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم قال سعد فتوجهت أسعى و أرصدت نفسي إن أفرعني شي ء رجعت إلى النبي ص و أنا أسعى فبدأت بالسعي حين ابتدأت فخرجت في آثارهم شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 32حتى إذا كانوا بالعقيق و أنا بحيث أراهم و أتأملهم ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فقلت إنه الظعن إلى بلادهم ثم وقفوا وقفة بالعقيق و تشاوروا في دخول المة فقال لهم صفوان بن أمية قد أصبتم القوم فانصرفوا و لا تدخلوا عليهم و(16/24)
أنتم كالون و لكم الظفر فإنكم لا تدرون ما يغشاكم فقد وليتم يوم بدر لا و الله ما تبعوكم و كان الظفر لهم فيقال إن رسول الله ص قال نهاهم صفوان فلما رآهم سعد على تلك الحال منطلقين و قد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله ص و هو كالمنكسر فقال وجه القوم يا رسول الله إلى مكة امتطوا الإبل و جنبوا الخيل فقال ما تقول قلت ما قلت يا رسول الله فخلا بي فقال أ حقا ما تقول قلت نعم يا رسول الله قال فما بالي رأيتك منكسرا فقلت كرهت أن آتي المسلمين فرحا بقفولهم إلى بلادهم فقال ص إن سعدا لمجرب. قال الواقدي و قد روي خلاف هذا روي أن سعدا لما رجع رفع صوته بأن جنبوا الخيل و امتطوا الإبل فجعل رسول الله ص يشير إلى سعد خفض صوتك فإن الحرب خدعة فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم فإنما ردهم الله تعالى.
قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر قال قال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص إن رأيت القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني و بينك و لا تفت في أعضاد المسلمين فذهب فرآهم قد امتطوا الإبل فرجع فما ملك أن جعل يصيح سرورا بانصرافهم(16/25)
قال الواقدي و قيل لعمرو بن العاص كيف كان افتراق المسلمين و المشركين يوم شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 33أحد فقال ما تريدون إلى ذلك قد جاء الله بالإسلام و نفي الكفر و أهله ثم قال لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم و تفرقوا في كل وجه و فاءت لهم فئة بعد فتشاو قريش فقالوا لنا الغلبة فلو انصرفنا فإنه بلغنا أن ابن أبي انصرف بثلث الناس و قد تخلف الناس من الأوس و الخزرج و لا نأمن أن يكروا علينا و فينا جراح و خيلنا عامتها قد عقرت من النبل فمضينا فما بلغنا الروحاء حتى قام علينا عدة منها و انصرفنا إلى مكة. قال الواقدي حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عائشة قال سمعت أبا بكر يقول لما كان يوم أحد و رمي رسول الله ص في وجهه حتى دخلت في وجهه حلقتان من المغفر أقبلت أسعى إلى رسول الله ص و إنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا فقلت اللهم اجعله طلحة بن عبيد الله حتى توافينا إلى رسول الله ص فإذا أبو عبيدة بن الجراح فبدرني فقال أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنتزعه من وجه رسول الله ص قال أبو بكر فتركته و قال رسول الله ص عليكم صاحبكم يعني طلحة فأخذ أبو عبيدة بثنيته حلقة المغفر فنزعها و سقط على ظهره و سقطت ثنية أبي عبيدة ثم أخذ الحلقة بثنيته الأخرى فكان أبو عبيدة في الناس أثرم و يقال إن الذي نزع الحلقتين من وجه رسول الله ص عقبة بن وهب بن كلدة و يقال أبو اليسر. قال الواقدي و أثبت ذلك عندنا عقبة بن وهب بن كلدة. قال الواقدي و كان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول الله ص شرح نهج البلاغة : 15 ص : 34أصيب وجهه يوم أحد فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن فجعل مالك بن سنان يمج الدم بفيه ثم ازدرده
فقال رسول الله ص من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه بدمي فلينظر إلى مالك بن سنان
فقيل لمالك تشرب الدم فقال نعم أشرب دم رسول الله ص
فقال رسول الله ص من مس دمه دمي لم تصبه النار(16/26)
قال الواقدي و قال أبو سعيد كنا ممن رد من الشيخين لم نجئ مع المقاتلة فلما كان من النهار بلغنا مصاب رسول الله ص و تفرق الناس عنه جئت مع غلمان بني خدرة نعرض لرسول الله ص ننظر إلى سلامته فنرجع بذلك إلى أهلنا فلقينا الناس متفرقين ببطن قناة فلم يكن لنا همة إلا النبي ص ننظر إليه فلما رآني قال سعد بن مالك قلت نعم بأبي أنت و أمي و دنوت منه فقبلت ركبته و هو على فرسه فقال آجرك الله في أبيك ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة و إذا شجة في جبهته عند أصول الشعر و إذا شفته السفلى تدمى و إذا في رباعيته اليمنى شظية و إذا على جرحه شي ء أسود فسألت ما هذا على وجهه فقالوا حصير محرق و سألت من أدمى وجنتيه فقيل ابن قميئة فقلت فمن شجه في وجهه فقيل ابن شهاب فقلت من أصاب شفتيه قيل عتبة بن أبي وقاص فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه ما نزل إلا محمولا و أرى ركبتيهمجحوشتين يتكئ على السعدين سعد بن معاذ و سعد بن عبادة حتى دخل بيته فلما غربت الشمس و أذن بلال بالصلاة خرج على تلك الحال شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 35يتوكأ على السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ثم انصرف إلى بيته و الناس في المسجد يوقدون النيران يتمكدون بهمن الجراح ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله ص فجلس بلال عند بابه ص حتى ذهب ثلث الليل ثم ناداه الصلاة يا رسول الله فخرج و قد كان نائما قال فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته فصليت معه العشاء ثم رجع إلى بيته قد صفف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل و رجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامته فحمدوا الله و ناموا و كانت وجوه الأوس و الخزرج في المسجد على النبي ص يحرسونه فرقا من قريش أن تكر. قال الواقدي و خرجت فاطمة ع في نساء و قد رأت الذي بوجه أبيها ص فاعتنقته و جعلت تمسح الدم عن وجهه و
رسول الله ص يقول اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله(16/27)