محمدا قد قتل تفرق الناس فمنهم من ورد المدينة فكان أول من وردها يخبر أن محمدا قد قتل سعد بن عثمان أبو عبادة ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم حتى جعل النساء يقلن أ عن رسول الله تفرون و يقول لهم ابن أم مكتوم أ عن رسول الله تفرون يؤنب بهم و قد كان رسول الله ص خلفه بالمدينة يصلي بالناس ثم قال دلوني على الطريق يعني طريق أحد فدلوه فجعل يستخبر كل من لقي في الطريق حتى لحق القوم فعلم بسلامة النبي ص ثم رجع و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عمر بلغ ملل و أوس بن قيظى في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به و هلم و احتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية قال قال عمر يومئذ يا رسول الله أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرف مع المعرفين و هدينا لم يصل إلى البيت و لا نحر فقال رسول الله ص أ قلت لكم في سفركم هذا قال عمر لا قال أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرف مع المعرفين ثم أقبل على عمر و قال أ نسيتم يوم شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 25أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ و أنا أدعوكم في أخراكم أ نسيتم يوم الأحزاب إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أ نسيتم يوم كذا و جعل يذكرهم أمورا أ نسيتم يوم كذا فقال المسلمون صدق الله و صدق رسوله أنت يا رسول الله أعلم بالله منا فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال هذا الذي كنت وعدتكم به فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال ادعوا إلي عمر بن الخطاب فجاء فقال هذا الذي كنت قلت لكم قالوا فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال له(16/18)


أ نسيتم يوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون
القول فيما جرى للمسلمين بعد إصعادهم في الجبل
قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال لما صاح الشيطان لعنه الله أن محمدا قد قتل يحزنهم بذلك تفرقوا في كل وجه و جعل الناس يمرون على النبي ص لا يلوي عليه أحد منهم و رسول الله يدعوهم في أخراهم حتى انتهت هزيمة قوم منهم إلى المهراس فتوجه رسول الله ص يريد أصحابه في الشعب فانتهى إلى الشعب و أصحابه في الجبل أوزاع يذكرون مقتل من قتل منهم و يذكرون ما جاءهم عن رسول الله ص قال كعب بن مالك فكنت أول من عرفه و عليه المغفر فجعلت أصيح و أنا في الشعب هذا رسول الله ص حي فجعل يومئ إلي بيده على فيه أي اسكت ثم دعا بلأمتي فلبسها و نزع لأمته. قال الواقدي طلع رسول الله ص على أصحابه في الشعب بين السعدين شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 26سعد بن عبادة و سعد بن معاذ يتكفأ في الدرع و كان إذا مشى تكفأ تكفؤا و يقال إنه كان يتوكأ على طلحة بن عبيد الله. قال الواقدي و ما صلى يومئالظهر إلا جالسا للجرح الذي كان أصابه. قال الواقدي و قد كان طلحة قال له إن بي قوة فقم لأحملك فحمله حتى انتهى إلى الصخرة التي على فم شعب الجبل فلم يزل يحمله حتى رفعه عليها ثم مضى إلى أصحابه و معه النفر الذين ثبتوا معه فلما نظر المسلمون إليهم ظنوهم قريشا فجعلوا يولون في الشعب هاربين منهم ثم جعل أبو دجانة يليح إليهم بعمامة حمراء على رأسه فعرفوه فرجعوا أو بعضهم. قال الواقدي روي أنه لما طلع عليهم في النفر الذين ثبتوا معه و هم أربعة عشر سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار جعلوا يولون في الجبل خائفين منهم يظنونهم المشركين جعل رسول الله ص يتبسم إلى أبي بكر و هو على جنبه و يقول له ألح إليهم فجعل أبو بكر يليح إليهم و هم لا يعرجون حتى نزع أبو دجانة عصابة حمراء على رأسه فأوفى على الجبل فجعل يصيح و يليح فوقفوا حتى عرفوهم و لقد وضع أبو بردة بن نيار سهما(16/19)


على كبد قوسه فأراد أن يرمي به رسول الله ص و أصحابه فلما تكلموا و ناداهم رسول الله ص أمسك و فرح المسلمون برؤيته حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة و سروا لسلامته و سلامتهم من المشركين. قال الواقدي ثم إن قوما من قريش صعدوا الجبل فعلوا على المسلمين و هم في الشعب قال فكان رافع بن خديج يحدث فيقول إني يومئذ إلى جنب أبي مسعود الأنصاري و هو يذكر من قتل من قومه و يسأل عنهم فيخبر برجال منهم سعد بن
شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 27الربيع و خارجة بن زهير و هو يسترجع و يترحم عليهم و بعض المسلمين يسأل بعضا عن حميمه و ذي رحمه فيهم يخبر بعضهم بعضا فبينا هم على ذلك رد الله المشركين ليذهب ذلك الحزن عنهم فإذا عدوهم فوقهم قد علوا و إذا كتائب المشركين بالجبل فنا ما كانوا يذكرون و ندبنا رسول الله ص و حضنا على القتال و الله لكأني أنظر إلى فلان و فلان في عرض الجبل يعدوان هاربين قال الواقدي فكان عمر يحدث يقول لما صاح الشيطان قتل محمد أقبلت أرقى إلى الجبل فكأني أروية فانتهيت إلى النبي ص و هو يقول وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية و أبو سفيان في سفح الجبل فقال رسول الله ص يدعو ربه اللهم ليس لهم أن يعلوا فانكشفوا. قال الواقدي فكان أبو أسيد الساعدي يحدث فيقول لقد رأيتنا قبل أن يلقى النعاس علينا في الشعب و إنا لسلم لمن أرادنا لما بنا من الحزن فألقي علينا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف ثم فزعنا و كانا لم يصبنا قبل ذلك نكبة قال و قال الزبير بن العوام غشينا النعاس فما منا رجل إلا و ذقنه في صدره من النوم فأسمع معتب بن قشير و كان من المنافقين يقول و إني لكالحالم لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا فأنزل الله تعالى فيه ذلك. قال و قال أبو اليسر لقد رأيتني ذلك اليوم في رجال من قومي إلى جنب رسول الله ص و قد أنزل الله علينا النعاس أمنة منه ما منهم رجل إلا(16/20)


يغط غطيطا حتى إن الحجف لتناطح و لقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقطمن يده شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 28و ما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم و إن المشركين لتحتنا و سقط سيف أبي طلحة أيضا و لم يصب أهل الشك و النفاق نعاس يومئذ و إنما أصاب النعاس أهل الإيمان و اليقين فكان المنافقون يتكلم كل منهم بما في نفسه و المؤمنون ناعسون. ق سألت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع فقلت له من قصة أحد تدل على أن المسلمين كانت الدولة لهم بادئ الحال ثم صارت عليهم و صاح الشيطان قتل محمد فانهزم أكثرهم ثم ثاب أكثر المنهزمين إلى النبي ص فحاربوا دونه حربا كثيرة طالت مدتها حتى صار آخر النهار ثم أصعدوا في الجبل معتصمين به و أصعد رسول الله ص معهم فتحاجز الفريقان حينئذ و هذا هو الذي يدل عليه تأمل قصة أحد إلا أن بعض الروايات التي ذكرها الواقدي يقتضي غير ذلك نحو روايته في هذا الباب أن رسول الله ص لما صاح الشيطان إن محمدا قد قتل كان ينادي المسلمين فلا يعرجون عليه و إنما يصعدون في الجبل و إنه وجه نحو الجبل فانتهى إليهم و هم أوزاع يتذاكرون بقتل من قتل منهم و هذه الرواية تدل على أنه أصعد ص في الجبل من أول الحرب حيث صاح الشيطان و صياح الشيطان كان حال كون خالد بن الوليد بالجبل من وراء المسلمين لما غشيهم و هم مشتغلون بالنهب و اختلط الناس فكيف هذا فقال إن الشيطان صاح قتل محمد دفعتين دفعة في أول الحرب و دفعة في آخر الحرب لما تصرم النهار و غشيت الكتائب رسول الله ص و قد قتل ناصروه و أكلتهم الحرب فلم يبق معه إلا نفر يسير لا يبلغون عشرة و هذه كانت أصعب و أشد من الأولى و فيها اعتصم و ما اعتصم في صرخة الشيطان الأولى بالجبل بل ثبت و حامى عنه أصحابه و لقد لقي في الأولى مشقة عظيمة من ابن قميئة و عتبة بن أبي وقاص و غيرهما(16/21)


شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 29و لكنه لم يفارق عرصة الحرب و إنما فارقها و علم أنه لم يبق له وجه مقام في صرخته الثانية. قلت له فكان القوم مختلطين في الصرخة الثانية حتى يصرخ الشيطان قتل محمد قال نعم المشركون قد أحاطوا بالنبي ص و بمن بقي معه من أصحابه فاختلطلمسلمون بهم و صاروا مغمورين بينهم لقلتهم بالنسبة إليهم و ظن قوم من المشركين أنهم قد قتلوا النبي ص لأنهم فقدوا وجهه و صورته فنادى الشيطان قتل محمد و لم يكن قتل ص و لكن اشتبهت صورته عليهم و ظنوه غيره و أكثر من حامى عنه في تلك الحال علي ع و أبو دجانة و سهل بن حنيف و حامى هو عن نفسه و جرح قوما بيده تارة بالسهام و تارة بالسيف و لكن لم يعلموا بأعيانهم لاختلاط القوم و ثوران النقع و كانت قريش تظنه واحدا من المسلمين و لو عرفوه بعينه في تلك الثورة لكان الأمر صعبا جدا و لكن الله تعالى عصمه منهم بأن أزاغ أبصارهم عنه فلم يزل هؤلاء الثلاثة يجالدون دونه و هو يقرب من الجبل حتى صار في أعلى الجبل أصعد من فم الشعب إلى تدريج هناك في الجبل و رقي في ذلك التدريج صاعدا حتى صار في أعلى الجبل و تبعه النفر الثلاثة فلحقوا به. قلت له فما بال القوم الذين صعدوا الجبل من المشركين و كيف كان إصعادهم و عودهم. قال أصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله ص لأنهم ظنوا أنه قد قتل و هذا هو كان السبب في عودهم من الجبل لأنهم قالوا قد بلغنا الغرض شرح نهج البلاغة ج : 15 ص : 30الأصلي و قتلنا محمدا فما لنا و التصميم على الأوس و الخزرج و غيرهم من أصحابه ما في ذلك من عظم الخطر بالأنفس قلت له فإذا كان هذا قد خطر لهم فلما ذا صعدوا في الجبل. قال يخطر لك خاطر و يدعوك داع إلى بعض الحركات فإذا شرعت فيها خطر لك خاطر آخر يصرفك عنها فترجع و لا تتمها قلت نعم فما بالهم لم يقصدوا قصد المدينة و ينهبوها. قال كان فيها عبد الله بن أبي في ثلاثمائة مقاتل و فيها خلق كثير من الأوس و الخزرج(16/22)

40 / 150
ع
En
A+
A-