أبي الزغباء منحدره من بدر إلى المدينة و انتشرت الركاب عليه فجعل عدي يقول
أقم لها صدورها يا بسبس إن مطايا القوم لا تحبس و حملها على الطريق أكيس قد نصر الله و فر الأخنسقال الواقدي و ذكر أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب إن بني عدي خرجوا من النفير حتى كانوا بثنية لفت فلما كان في السحر عدلوا في الساحل منصرفين إلى مكة فصادفهم أبو سفيان فقال كيف رجعتم يا بني عدي و لا في العير و لا في النفير قالوا أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع فرجع من رجع و مضى من مضى فلم يشهدها أحد من بني عدي و يقال إنه لاقاهم بمر الظهران فقال تلك المقالة لهم. قال الواقدي و أما رسول الله ص فكان صبيحة أربع عشرة من شهر رمضان بعرق الظبية فجاء أعرابي قد أقبل من تهامة فقال له أصحاب النبي ص هل لك علم بأبي سفيان بن حرب قال ما لي بأبي سفيان علم قالوا تعال فسلم على رسول الله ص قال أ و فيكم رسول الله قالوا نعم قال فأيكم رسول الله قالوا هذا فقال أنت رسول الله قال نعم قال فما في شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 110بطن ناقتي هذه إن كنت صادقا فقال سلمة بن سمة بن وقش نكحتها و هي حبلى منك فكره رسول الله ص مقالته و أعرض عنه. قال الواقدي و سار رسول الله ص حتى أتى الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان فقال لأصحابه هذا سجاسج يعني وادي الروحاء هذا أفضل أودية العرب.
قال الواقدي و صلى رسول الله ص بالروحاء فلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة و دعا عليهم فقال اللهم لا تفلتن أبا جهل بن هشام فرعون هذه الأمة اللهم لا تفلتن زمعة بن الأسود اللهم أسخن عين أبي زمعة اللهم أعم بصر أبي دبيلة اللهم لا تفلتن سهيل بن عمرو ثم دعا لقوم من قريش فقال اللهم أنج سلمة بن هشام و عياش بن أبي ربيعة و المستضعفين من المؤمنين(15/91)
و لم يدع للوليد بن المغيرة يومئذ و أسر ببدر و لكنه لما رجع إلى مكة بعد بدر أسلم و أراد أن يخرج إلى المدينة فحبس فدعا له النبي ص بعد ذلك قال الواقدي و كان خبيب بن يساف رجلا شجاعا و كان يأبى الإسلام فلما خرج النبي ص إلى بدر خرج هو و قيس بن محرث و يقال ابن الحارث و هما على دين قومهما فأدركا رسول الله ص بالعقيق و خبيب مقنع في الحديد فعرفه رسول الله ص من تحت المغفر فالتفت إلى سعد بن معاذ و هو يسير إلى جنبه فقال أ ليس بخبيب بن يساف قال بلى فأقبل خبيب حتى أخذ شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 111ببطان ناقة رسول الله ص ال له و لقيس بن محرث ما أخرجكما قال كنت ابن أختنا و جارنا و خرجنا مع قومنا للغنيمة فقال ص لا يخرجن معنا رجل ليس على ديننا فقال خبيب لقد علم قومي أني عظيم الغناء في الحرب شديد النكاية فأقاتل معك للغنيمة و لا أسلم فقال رسول الله ص لا و لكن أسلم ثم قاتل فلما كان بالروحاء جاء فقال يا رسول الله أسلمت لرب العالمين و شهدت أنك رسول الله فسر بذلك و قال امضه فكان عظيم الغناء في بدر و في غير بدر و أما قيس بن الحارث فأبى أن يسلم فرجع إلى المدينة فلما قدم النبي ص من بدر أسلم و شهد أحدا فقتل. قال الواقدي و لما خرج رسول الله ص صام يوما أو يومين ثم نادى مناديه يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا و ذلك أنه قد كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفعلوا. قلت هذا هو سر النبوة و خاصيتها إذا تأمل المتأملون ذلك و هو أن يبلغ بهم حبه و طاعته و قبول قوله على أن يكلفهم ما يشق عليهم فيمتثلوه امتثالا صادرا عن حب شديد و حرص عظيم على الطاعة حتى إنه لينسخه عنهم و يسقط وجوبه عليهم فيكرهون ذلك و لا يسقطونه عن أنفسهم إلا بعد الإنكار التام و هذا أحسن من المعجزات الخارقة للعادات بل هذا بعينه معجزة خارقة للعادة أقوى و آكد من شق البحر و قلب العصا حية. قال الواقدي و مضى رسول الله ص حتى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير(15/92)
قريش فأخبر رسول الله ص بمسيرهم و استشار الناس شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 112فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قال يا رسول الله إنها قريش و عزها و الله ما ذلت منذ عزت و لا آمنتنذ كفرت و الله لا تسلم عزها أبدا و لتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته و أعد عدته ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله لأمر الله فنحن معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون و الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا. قال الواقدي برك الغماد من وراء مكة بخمس ليال من وراء الساحل مما يلي البحر و هو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن. فقال له رسول الله ص خيرا و دعا له بخير ثم قال ص أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار و كان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار و ذلك أنهم شرطوا أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم و أولادهم فقال رسول الله ص أشيروا علي فقام سعد بن معاذ فقال أنا أجيب عن الأنصار كأنك يا رسول الله تريدنا قال أجل قال إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوحي إليك و إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق و أعطيناك مواثيقنا و عهودنا على السمع و الطاعة فامض يا نبي الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل و صل من شئت و خذ من أموالنا ما أردت فما أخذته من أموالنا أحب إلينا مما تركت و الذي نفسي بيده ما سلكت هذه الطريق قط و ما لي بها من علم و إنا لا نكره أن نلقى عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عينك.(15/93)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 113قال الواقدي و حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال قال سعد بن معاذ يومئذ يا رسول الله إنا قد خلفنا من قومنا قوما ما نحن بأشد حبا لك منهم و لا أطوع لهم رغبة و نية في الجهاد و لو ظنوا أنك يا رسول ال ملاق عدوا ما تخلفوا عنك و لكن إنما ظنوا أنها العير نبني لك عريشا فتكون فيه و نعد عندك رواحلك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله و أظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا و إن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا فقال له النبي ص خيرا ثم قال أ و يقضي الله خيرا يا سعد. قال الواقدي فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول الله ص سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين و الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. قال الواقدي و قالوا لقد أرانا رسول الله ص مصارعهم يومئذ هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان فما عدا كل رجل منهم مصرعه قال فعلم القوم أنهم يلاقون القتال و أن العير تفلت و رجا القوم النصر لقول النبي ص. قال الواقدي فمن يومئذ عقد رسول الله ص الألوية و كانت ثلاثة و أظهر السلاح و كان خرج من المدينة على غير لواء معقود و سار فلقي سفيان الضمري و مع رسول الله ص قتادة بن النعمان و معاذ بن جبل فقال رسول الله ص من الرجل فقال الضمري بل و من أنتم فقال رسول الله ص تخبرنا و نخبرك فقال الضمري و ذاك بذاك قال نعم قال الضمري فاسألوا عما شئتم فقال له ص أخبرنا عن قريش قال الضمري بلغني أنهم خرجوا يوم كذا من مكة فإن كان الخبر صادقا فإنهم بجنب هذا الوادي ثم قال شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 114الضمري فمن أنتم فقال النبي ص نحن من ماء و أشار بيده نحو العراق فجعل الضمري يقول من ماء من أي ماء من العراق أم من غيره ثم انصرف رسول الله ص إلى أصحابه. قال الواقدي فبات الفريقان كل منهم لا يعلم بمنزل صاحبه إن بينهم قوز من رمل. قال الواقدي و مر رسول الله ص بجبلين فسأل عنهما(15/94)
فقالوا هذا مسلح و مخرئ فقال من ساكنهما فقيل بنو النار و بنو حراق فانصرف عنهما و جعلهما يسارا و لقيه بسبس بن عمرو و عدي بن أبي الزغباء فأخبراه خبر قريش و نزل رسول الله ص وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان فبعث عليا ع و الزبير و سعد بن أبي وقاص و بسبس بن عمرو يتحسسون على الماء و أشار لهم إلى ظريب و قال أرجو أن تجدوا الخير عند القليب الذي يلي هذا الظريب فاندفعوا تلقاءه فوجدوا على تلك القليب روايا قريش فيها سقاؤهم فأسروهم و أفلت بعضهم فكان ممن عرف أنه أفلت عجير فكان أول من جاء قريشا بخبر النبي ص و أصحابه فنادى يا آل غالب هذا ابن أبي كبشة و أصحابه و قد أخذوا سقاءكم فماج العسكر و كرهوا ما جاء به.(15/95)