عبد الله أخوك فقالت هند يا رسول الله فادع الله لي عسى أن يجعلني معهم. قال الواقدي و كان جابر بن عبد الله يقول اصطبح ناس يوم أحد الخمر منهم أبي فقتلوا شهداء. قال الواقدي و كان جابر يقول أول قتل من المسلمين يوم أحد أبي قتله سفيان بن عبد شمس أبو الأعور السلمي فصلى عليه رسول الله ص قبل الهزيمة. قال الواقدي و كان جابر يحدث و يقول استشهد أبي و جعلت عمتي تبكي فقال النبي ص ما يبكيها ما زالت الملائكة تظل عليه بأجنحتها حتى دفن. قال الواقدي و قال عبيد الله بن عمرو بن حزام رأيت في النوم قبل يوم أحد بأيام مبشر بن عبد المنذر أحد الشهداء ببدر يقول لي أنت قادم علينا في أيام فقلت فأين أنت قال في الجنة نسرح منها حيث نشاء فقلت له أ لم تقتل يوم بدر قال بلى ثم أحييت فذكر ذلك لرسول الله ص قال هذه الشهادة يا جابر. قال الواقدي و قال رسول الله ص يوم أحد ادفنوا عبد الله بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح في قبر واحد و يقال إنهما وجدا و قد مثل بهما كل مثلة قطعت آرابهما عضوا عضوا فلا تعرف أبدانهما فقال النبي ص ادفنوهما في قبر واحد و يقال إنما أمر بدفنهما في قبر واحد لما كان بينهما(15/236)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 264من الصفاء فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد. و كان عبد الله بن عمرو بن حزام رجلا أحمر أصلع ليس بالطويل و كان عمرو بن الجموح طويلا فعرفا و دخل السيل بعد عليهما و كان قبرهما مما يلي السيل فحفر عنهما و عليهما نمان و عبد الله قد أصابه جرح في وجهه فيده على وجهه فأميطت يده عن جرحه فثعب الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم. قال الواقدي و كان جابر بن عبد الله يقول رأيت أبي في حفرته و كأنه نائم و ما تغير من حاله قليل و لا كثير فقيل له أ فرأيت أكفانه قال إنما كفن في نمرة خمر بها وجهه و على رجليه الحرمل فوجدنا النمرة كما هي و الحرمل على رجليه كهيئته و بين ذلك و بين وقت دفنه ست و أربعون سنة فشاورهم جابر في أن يطيبه بمسك فأبى ذلك أصحاب النبي ص و قالوا لا تحدثوا فيهم شيئا. قال و يقال إن معاوية لما أراد أن يجري العين التي أحدثها بالمدينة و هي كظلمة نادى مناديه بالمدينة من كان له قتيل بأحد فليشهد فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فثعبت دما فقال أبو سعيد الخدري لا ينكر بعد هذا منكر أبدا. قال و وجد عبد الله بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح في قبر واحد و وجد خارجة بن زيد بن أبي زهير و سعد بن الربيع في قبر واحد فأما قبر عبد الله و عمرو فحول و ذلك أن القناة كانت تمر على قبرها و أما قبر خارجة و سعد فترك و ذلك لأن مكانه كان معتزلا و سوي عليهما التراب و لقد كانوا يحفرون التراب فكلما حفروا قترة من تراب فاح عليهم المسك. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 26 قال و قالوا إن رسول الله ص قال لجابر يا جابر أ لا أبشرك فقال بلى بأبي و أمي قال فإن الله أحيا أباك ثم كلمه كلاما فقال له تمن على ربك ما شئت فقال أتمنى أن أرجع فأقتل مع نبيك ثم أحيا فأقتل مع نبيك فقال إني قد قضيت أنهم لا يرجعون(15/237)
قال الواقدي و كانت نسيبة بنت كعب أم عمارة بن غزية بن عمرو قد شهدت أحدا و زوجها غزية و ابناها عمارة بن غزية و عبد الله بن زيد و خرجت و معها شن لها في أول النهار تريد تسقي الجرحى فقاتلت يومئذ و أبلت بلاء حسنا فجرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف فكانت أم سعد بنت سعد بن الربيع تحدث فتقول دخلت عليها فقالت لها يا خالة حدثيني خبرك فقالت خرجت أول النهار إلى أحد و أنا أنظر ما يصنع الناس و معي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله ص و هو في الصحابة و الدولة و الريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ص فجعلت أباشر القتال و أذب عن رسول الله ص بالسيف و أرمي بالقوس حتى خلصت إلى الجراح فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت يا أم عمارة من أصابك بهذا قالت أقبل ابن قميئة و قد ولى الناس عن رسول الله ص يصيح دلوني على محمد لا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمير و ناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة و لقد ضربته على ذلك ضربات و لكن عدو الله كان عليه درعان فقالت لها يدك ما أصابها قالت أصيبت يوم اليمامة لما جعلت الأعراب تنهزم بالناس نادت الأنصار أخلصونا فأخلصت الأنصار فكنت معهم حتى انتهينا إلى حديقة الموت فاقتتلنا عليها ساعة حتى قتل أبو دجانة على باب الحديقة و دخلتها شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 266و أنا أريد عدو الله مسيلمة فيعرض لي رجل فضرب يدي فقطعها فو الله ما كانت ناهية و لا عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولا و ابني عبد الله بن يزيد المازني يمسح سيفه بثيا فقلت أ قتلته قال نعم فسجدت شكرا لله عز و جل و انصرفت. قال الواقدي و كان ضمرة بن سعيد يحدث عن جدته و كانت قد شهدت أحدا تسقي الماء قال سمعت رسول الله ص يقول يومئذ لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان و فلان و كان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال و إنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا. قلت ليت الراوي لم(15/238)
يكن هذه الكناية و كان يذكرهما باسمهما حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة و من أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه و لا يكتم منه شيئا فما باله كتم اسم هذين الرجلين. قال فلما حضرت نسيبة الوفاة كنت فيمن غسلها فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلاثة عشر و كانت تقول إني لأنظر إلى ابن قميئة و هو يضربها على عاتقها و كان أعظم جراحها لقد داوته سنة ثم نادى منادي النبي ص بعد انقضاء أحد إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم و لقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا فلما رجع رسول الله من حمراء الأسد لم يصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه فأخبره بسلامتها فسر بذلك. قال الواقدي و حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية قال قالت أم عمارة(15/239)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 267لقد رأيتني و انكشف الناس عن رسول الله ص فما بقي إلا نفير ما يتمون عشرة و أنا و أبنائي و زوجي بين يديه نذب عنه و الناس يمرون عنه منهزمين فرآني و لا ترس معي و رأى رجلا موليا معه ترس فقال يا صاحب الترس ألق ترسك إلى من يقاتل فأى ترسه فأخذته فجعلت أترس به على النبي ص و إنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل و لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم فيقبل رجل على فرس فضربني و ترست له فلم يصنع سيفه شيئا و ولى و أضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي ص يصيح يا ابن عمارة أمك أمك قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب. قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد المازني قال جرحت جرحا في عضدي اليسرى ضربني رجل كأنه الرقل و لم يعرج علي و مضى عني و جعل الدم لا يرقأ فقال رسول الله ص اعصب جرحك فتقبل أمي إلي و معها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح فربطت جرحي و النبي ص واقف ينظر ثم قالت انهض يا بني فضارب القوم فجعل رسول الله ص يقول و من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة قالت و أقبل الرجل الذي ضربني فقال رسول الله ص هذا ضارب ابنك فاعترضت أمي له فضربت ساقه فبرك فرأيت النبي ص تبسم حتى بدت نواجذه ثم قال استقدت يا أم عمارة ثم أقبلنا نعلوه بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي ص الحمد لله الذي ظفرك و أقر عينك من عدوك و أراك ثأرك بعينك. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 268قال الواقدي و روى موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال أتي عمر بن الخطاب في أيام خلته بمروط كان فيها مرط واسع جيد فقال بعضهم إن هذا المرط بثمن كذا فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد و ذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر فقال بل أبعث به إلى من هو أحق منها أم عمارة نسيبة بنت كعب سمعت رسول الله ص يوم أحد يقول ما ألتفت يمينا و شمالا إلا و أنا أراها تقاتل دوني. قال الواقدي و روى مروان بن سعيد(15/240)