فقال نبلوا سهلا فإنه سهل و نظر رسول الله ص إلى أبي الدرداء و الناس منهزمون في كل وجه فقال نعم الفارس عويمر غير أنه لم يشهد أحدا. قال الواقدي و روى الحارث بن عبيد الله بن كعب بن مالك قال حدثني من نظر إلى أبي سبرة بن الحارث بن علقمة و لقي أحد المشركين فاختلفا ضربات كل ذلك يروغ أحدهما عن الآخر قال فنظر الناس إليهما كأنهما سبعان ضاريان يقفان مرة و يقتلان أخرى ثم تعانقا فوقعا إلى الأرض جميعا فعلاه أبو سبرة فذبحه بسيفه كما تذبح الشاة و نهض عنه فيقبل خالد بن الوليد و هو على فرس أدهم أغر محجل يجر قناة طويلة فطعن أبا سبرة من خلفه فنظرت إلى سنان الرمح خرج من صدره شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 253و وقع أبو سبرة ميتا و انصرف خالد بن الوليد يقول أنا أبو سليمان. قال الواقدي و قاتل طلحة بن عبيد الله يومئذ عن النبي ص قتالا شديدا و كان طلحة يقول لقدأيت رسول الله ص حيث انهزم أصحابه و كثر المشركون فأحدقوا بالنبي ص من كل ناحية فما أدري أقوم من بين يديه أو من ورائه أم عن يمينه أم شماله فأذب بالسيف عنه هاهنا و هاهنا حتى انكشفوا فجعل رسول الله ص يومئذ يقول لطلحة لقد أوجب و روي لقد أنحب أي قضى نذره. قال الواقدي و روي أن سعد بن أبي وقاص ذكر طلحة فقال يرحمه الله إنه كان أعظمنا غناء عن رسول الله ص يوم أحد قيل كيف يا أبا إسحاق قال لزم النبي ص و كنا نتفرق عنه ثم نثوب إليه لقد رأيته يدور حول النبي ص يترس بنفسه. قال الواقدي و سئل طلحة يا أبا محمد ما أصاب إصبعك قال رمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول الله ص و كان لا تخطئ رميته فاتقيت بيدي عن وجه رسول الله ص فأصاب خنصري فشل. قال الواقدي و قالوا إن طلحة قال لما رمي حس فقال رسول الله ص لو قال بسم الله لدخل الجنة و الناس ينظرون إليه من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي في الدنيا و هو من أهل الجنة فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله طلحة ممن قضى نحبه.(15/226)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 254قال الواقدي و كان طلحة يحدث يقول لما جال المسلمون تلك الجولة ثم تراجعوا أقبل رجل من بني عامر بن لؤي يدعى شيبة بن مالك بن المضرب يجر رمحه و هو على فرس أغر كميت مدججا في الحديد يصيح أنا أبو ذات الوذع دلوني على محمد فأضرب عرقوفرسه فاكتسعت به ثم أتناول رمحه فو الله ما أخطأت به عن حدقته فخار كما يخور الثور فما برحت به واضعا رجلي على خده حتى أزرته شعوب. قال الواقدي و كان طلحة قد أصابته في رأسه المصلبة ضربه رجل من المشركين ضربتين ضربة و هو مقبل و ضربة و هو معرض عنه و كان نزف منها الدم قال أبو بكر جئت النبي ص يوم أحد فقال عليك بابن عمك فأتي طلحة بن عبيد الله و قد نزف الدم فجعلت أنضح في وجهه الماء و هو مغشي عليه ثم أفاق فقال ما فعل رسول الله ص فقلت خيرا هو أرسلني إليك فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل. قال الواقدي و كان ضرار بن الخطاب الفهري يقول نظرت إلى طلحة بن عبيد الله قد حلق رأسه عند المروة في عمرة فنظرت إلى المصلبة في رأسه فكان ضرار يقول أنا و الله ضربته هو استقبلني فضربته ثم أكر عليه و قد أعرض فأضربه ضربة أخرى شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 255قال الواقدي و لما كان يوم الجمل و قتل ي ع من قتل من الناس و دخل البصرة جاءه رجل من العرب فتكلم بين يديه و نال من طلحة فزبره علي ع و قال إنك لم تشهد يوم أحد و عظم غنائه عن الإسلام مع مكانه من رسول الله ص فانكسر الرجل و سكت فقال له قائل من القوم و ما كان غناؤه و بلاؤه يرحمه الله يوم أحد فقال علي ع نعم يرحمه الله لقد رأيته و إنه ليترس بنفسه دون رسول الله ص و إن السيوف لتغشاه و النبل من كل ناحية و ما هو إلا جنة لرسول الله ص يقيه بنفسه فقال رجل لقد كان يوم أحد يوما قتل فيه أصحاب رسول الله ص و أصابت رسول الله ص فيه الجراحة فقال علي ع أشهد لسمعت رسول الله ص يقول ليت أني غودرت مع أصحابي بنحص الجبل ثم قال علي ع لقد(15/227)
رأيتني يومئذ و إني لأذبهم في ناحية و إن أبا دجانة لفي ناحية يذب طائفة منهم حتى فرج الله ذلك كله و لقد رأيتني و انفردت منهم يومئذ فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به و اشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت و لكن الأجل استأخر و يقضي الله أمرا كان مفعولا. قال الواقدي و حدثني جابر بن سليم عن عثمان بن صفوان عن عمارة بن خزيمة قال حدثني من نظر إلى الحباب بن المنذر بن الجموح و إنه ليحوشهم يومئذ كما تحاش الغنم و لقد اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل ثم برز و السيف في يده و افترقوا عنه و جعل يحمل على فرقة منهم و إنهم ليهربون منه إلى جمع منهم(15/228)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 256و صار الحباب إلى النبي ص و كان الحباب يومئذ معلما بعصابة خضراء في مغفره. قال الواقدي و طلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر على فرس مدججا لا يرى منه إلا عيناه فقال من يبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق فنهض إليه أبو بكر و قال أنا أبار و جرد سيفه فقال له رسول الله ص شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك. قال الواقدي و قال رسول الله ص ما وجدت لشماس بن عثمان شبها إلا الجنة يعني مما يقاتل عن رسول الله يومئذ و كان رسول الله ص لا يأخذ يمينا و لا شمالا إلا رأى شماس بن عثمان في ذلك الوجه يذب بسيفه عنه حتى غشي رسول الله ص فترس بنفسه دونه حتى قتل فذلك قول رسول الله ص ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة. قال الواقدي و لما ولى المسلمون حين عطف عليهم خالد بن الوليد من خلفهم كان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث مع طائفة من الأنصار و قد كانوا بلغوا بني حارثة فرجعوا سراعا فصادفوا المشركين في كثرتهم فدخلوا في حومتهم فما أفلت منهم رجل حتى قتلوا كلهم و لقد ضاربهم قيس بن محرث فامتنع بسيفه حتى قتل منهم نفرا فما قتلوه إلا بالرماح نظموه و لقد وجد به أربع عشرة طعنة جائفة و عشر ضربات بالسيف. قال الواقدي و كان عباس بن عبادة بن نظلة المعروف بابن قوقل و خارجة بن شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 257زيد بن أبي زهير و أوس بن أرقم بن زيد و عباس رافع صوته يقول يا معشر المسلمين الله و نبيكم هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم وعدكم النصر فما صبرتم ثم نزع مغفره عن رأسه و خلعرعه و قال لخارجة بن زيد هل لك في درعي و مغفري قال خارجة لا أنا أريد الذي تريد فخالطوا القوم جميعا و عباس يقول ما عذرنا عند ربنا إن أصيب نبينا و منا عين تطرف قال فيقول خارجة لا عذر لنا و الله عند ربنا و لا حجة فأما عباس فقتله سفيان بن عبد شمس السلمي و لقد ضربه عباس ضربتين فجرحه جرحين عظيمين فارتث يومئذ جريحا فمكث جريحا سنة(15/229)
ثم استبل و أخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية فعرفه فقال هذا من أكابر أصحاب محمد و به رمق فأجهز عليه و قتل أوس بن أرقم و قال صفوان من رأى خبيب بن يساف و هو يطلبه فلا يقدر عليه و مثل يومئذ بخارجة و قال هذا ممن أغري بأبي يوم بدر يعني أمية بن خلف و قال الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت ابن قوقل و قتلت ابن أبي زهير و قتلت أوس بن أرقم. قال الواقدي و قال رسول الله ص يومئذ من يأخذ هذا السيف بحقه قالوا و ما حقه يا رسول الله قال يضرب به العدو فقال عمر أنا يا رسول الله فأعرض عنه ثم عرضه رسول الله ص بذلك الشرط فقام الزبير فقال أنا فأعرض عنه حتى وجد عمر و الزبير في أنفسهما ثم عرضه الثالثة فقام أبو دجانة و قال أنا يا رسول الله آخذه بحقه فدفعه إليه فصدق حين لقي به العدو و أعطى السيف حقه فقال أحد الرجلين إما عمر بن الخطاب أو الزبير و الله لأجعلن هذا الرجل الذي أعطاه السيف و منعنيه من شأني قال فاتبعته فو الله ما رأيت أحدا قاتل أفضل(15/230)