وسطها كل ذلك يصرف عنه و لقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا و إن رسول الله ص إلى جنبه ما معه أحد ثم جاوزه و لقي عبد الله بن شهاب صفوان بن أمية فقال له صفوان ترحت هلا ضربت محمدا فقطعت هذه الشأفة فقد أمكنك الله منه قال ابن شهاب و هل رأيته قال نعم أنت إلى جنبه قال و الله ما رأيته أحلف بالله إنه منا لممنوع خرجنا أربعة تعاهدنا و تعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك. قال الواقدي فروى نملة و اسم أبي نملة عبد الله بن معاذ و كان أبوه معاذ أخا البراء بن معرور لأمه قال لما انكشف المسلمون ذلك اليوم نظرت إلى رسول الله ص و ما معه أحد إلا نفير قد أحدقوا به من أصحابه من المهاجرين و الأنصار فانطلقوا به إلى الشعب و ما للمسلمين لواء قائم و لا فئة و لا جمع و إن كتائب المشركين لتحوشهم مقبلة و مدبرة في الوادي يلتقون و يفترقون ما يرون أحدا يردهم. قال الواقدي و حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال حمل مصعب اللواء فلما جال المسلمون ثبت به مصعب قبل ابن قميئة و هو فارس فضرب يد مصعب فقطعها فقال مصعب وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. و أخذ اللواء بيده اليسرى و حنى عليه فضربه فقطع اليسرى فضمه بعضديه إلى صدره(15/221)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 248و هو يقول وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه و اندق الرمح و وقع مصعب و سقط اللواء و ابتدره رجلان من بني عبد الدار سويبط بن حرملة و أبو الروم فأخذه أبو الروم م يزل بيده حتى دخل به المدينة حين انصرف المسلمون. قال الواقدي و قالوا إن رسول الله لما لحمه القتال و خلص إليه و ذب عنه مصعب بن عمير و أبو دجانة حتى كثرت به الجراحة جعل رسول الله ص يقول من رجل يشري نفسه فوثب فئة من الأنصار خمسة منهم عمارة بن زياد بن السكن فقاتل حتى أثبت و فاءت فئة من المسلمين حتى أجهضوا أعداء الله فقال رسول الله ص لعمارة بن زياد ادن مني حتى وسده رسول الله ص قدمه و إن به لأربعة عشر جرحا حتى مات و جعل رسول الله ص يذمر الناس و يحضهم على القتال و كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي منهم حيان بن العرقة و أبو أسامة الجشمي فجعل النبي ص يقول لسعد ارم فداك أبي و أمي فرمى حيان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن و كانت جاءت يومئذ تسقي الجرحى فقلبها و انكشف ذيلها عنها فاستغرب حيان بن العرقة ضحكا و شق ذلك على رسول الله ص فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له و قال ارم به فرمى فوضع السهم في ثغرة نحر حيان فوقع مستلقيا و بدت عورته. قال سعد فرأيت النبي ص ضحك يومئذ حتى بدت نواجذه و قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك و سدد رميتك و رمى يومئذ مالك بن زهير الجشمي أخو أبي أسامة الجشمي المسلمين رميا شديدا و كان هو و ريان بن العرقة قد أسرعا في أصحاب رسول الله ص و أكثرا فيهم القتل يستتران بالصخر و يرميان شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 249فبينا هم على ذلك أبصر سعد بن أبي وقاص مالك بن زهير يرمي من وراء صخرة قد رمى و أطلع رأسه فيرميه سعد فأصاب السهم عينه حتى خرج مقفاه فترى في السماء قامة ثم رجع فسقط فقتله الله عز و جل. قال(15/222)
الواقدي و رمى رسول الله ص عن قوسه يومئذ حتى صارت شظايا فأخذها قتادة بن النعمان و كانت عنده و أصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته قال قتادة فجئت إلى رسول الله ص فقلت يا رسول الله إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها و تحبني و أنا أخشى أن تقذر مكان عيني فأخذها رسول الله ص فردها و انصرف بها و عادت كما كانت فلم تضرب عليه ساعة من ليل و نهار و كان يقول بعد أن أسن هي أقوى عيني و كانت أحسنهما. قال الواقدي و باشر رسول الله ص القتال بنفسه فرمى بالنبل حتى فنيت نبله و انكسرت سية قوسه و قبل ذلك انقطع وتره و بقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس فأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له فقال يا رسول الله لا يبلغ الوتر فقال مده يبلغ قال عكاشة فو الذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ و طويت منه ليتين أو ثلاثة على سية القوس ثم أخذه رسول الله ص فما زال يرامي القوم و أبو طلحة أمامه يستره مترسا عنه حتى نظرت إلى سية قوسه قد تحطمت فأخذها قتادة بن النعمان قال الواقدي و كان أبو طلحة يوم أحد قد نثل كنانته بين يدي النبي ص و كان راميا و كان صيتا فقال رسول الله ص لصوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا و كان في كنانته خمسون سهما نثلها بين يدي(15/223)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 250رسول الله ص و جعل يصيح نفسي دون نفسك يا رسول الله فلم يزل يرمي بها سهما سهما و كان رسول الله ص يطلع رأسه من خلف أبي طلحة بين أذنه و منكبه ينظر إلى مواقع النبل حتى فنيت نبله و هو يقول نحري دون نحرك جعلني الله فداك قالوا إنه ن رسول الله ص ليأخذ العود من الأرض فيقول ارم يا أبا طلحة فيرمي به سهما جيدا. قال الواقدي و كان الرماة المذكورون من أصحاب رسول الله ص جماعة منهم سعد بن أبي وقاص و أبو طلحة و عاصم بن ثابت و السائب بن عثمان بن مظعون و المقداد بن عمرو و زيد بن حارثة و حاطب بن أبي بلتعة و عتبة بن غزوان و خراش بن الصمة و قطبة بن عامر بن حديدة و بشر بن البراء بن معرور و أبو نائلة ملكان بن سلامة و قتادة بن النعمان. قال الواقدي و رمى أبو رهم الغفاري بسهم فأصاب نحره فجاء إلى رسول الله ص فبصق عليه فبرأ فكان أبو رهم بعد ذلك يسمى المنحور. و روى أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب و رواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله ص لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين و قصدته كتيبة من بني كنانة ثم من بني عبد مناة بن كنانة فيها بنو سفيان بن عويف و هم خالد بن سفيان و أبو الشعثاء بن سفيان و أبو الحمراء بن سفيان و غراب بن سفيان فقال رسول الله ص يا علي اكفني هذه الكتيبة فحمل عليها و إنها لتقارب خمسين فارسا و هو ع راجل فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة و تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم فقال جبرئيل شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 251ع لرسول الله ص يا محمد إن هذه المواساة لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى فقال رسول الله ص و ما يمنعه و هو مني و أنا منه فقال جبرائيل ع و أنا منكما قال و سمع ذلك اليوم صومن قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا(15/224)
لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي
فسئل رسول الله ص عنه فقال هذا جبرائيل. قلت و قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين و هو من الأخبار المشهورة و وقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق و رأيت بعضها خاليا عنه و سألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه الله عن هذا الخبر فقال خبر صحيح فقلت فما بال الصحاح لم تشتمل عليه قال أ و كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة. قال الواقدي و أقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي يحضر فرسا له أبلق يريد رسول الله ص عليه لأمة كاملة و رسول الله ص متوجه إلى الشعب و هو يصيح لا نجوت إن نجوت فيقف رسول الله ص و يعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر التي حفرها أبو عامر الفاسق للمسلمين فيقع الفرس لوجهه و سقط عثمان عنه و خرج الفرس غائرا فيأخذه بعض أصحاب رسول الله ص و يمشي إليه الحارث بن الصمة فاضطربا ساعة بالسيفين ثم يضرب الحارث رجله و كانت درعه مشمرة فبرك و ذفف عليه و أخذ الحارث شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 252يومئذ سلبه درعا جيدا و مغفرا و سيفا جيدا و لم يسمع بأحد من المشركين سلب يومئذ غيره و رسول الله ص ينظر إلى قتالهما فسأل عن الرجل قيل عثمان بن عبد الله بن المغيرة قال الحمد لله الذأحانه و قد كان عبد الله بن جحش أسره من قبل ببطن نخلة حتى قدم به على رسول الله ص فافتدى و رجع إلى قريش و غزا معهم أحدا فقتل هناك و يرى مصرع عثمان عبيد بن حاجز العامري أحد بني عامر بن لؤي فأقبل يعدو كأنه سبع فيضرب حارث بن الصمة ضربة على عاتقه فوقع الحارث جريحا حتى احتمله أصحابه و يقبل أبو دجانة على عبيد بن حاجز فتناوشا ساعة من نهار و كل واحد منهما يتقي بالدرقة سيف صاحبه ثم حمل عليه أبو دجانة فاحتضنه ثم جلد به الأرض و ذبحه بالسيف كما تذبح الشاة ثم انصرف فلحق برسول الله ص. قال الواقدي و يروى أن سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن رسول الله ص(15/225)