المسلمين و هم مائتا رجل فأصاب كل رجل بعيران. قال الواقدي و كانت الخيل لأهل القوة منهم و كان في بني مخزوم منها ثلاثون فرسا و كانت الإبل سبعمائة بعير و كان أهل الخيل كلهم دارع و كانوا مائة و كان في الرجالة دروع سوى ذلك. قال الواقدي و أقبل أبو سفيان بالعير و خاف هو و أصحابه خوفا شديدا حين دنوا من المدينة و استبطئوا ضمضما و النفير فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر و كانوا باتوا من وراء بدر آخر ليلتهم و هم على شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 104أن يصبحوا بدرا إن لم يعترض لهم فما أقرتهم العير حتى بوها بالعقل على أن بعضها ليثنى بعقالين و هي ترجع الحنين تواردا إلى ماء بدر و ما إن بها إلى الماء من حاجة لقد شربت بالأمس و جعل أهل العير يقولون إن هذا شي ء ما صنعته الإبل منذ خرجنا قالوا و غشينا تلك الليلة ظلمة شديدة حتى ما نبصر شيئا. قال الواقدي و كان بسس بن عمرو و عدي بن أبي الزغباء وردا على مجدي بدرا يتجسسان الخبر فلما نزلا ماء بدر أناخا راحلتيهما إلى قريب من الماء ثم أخذ أسقيتهما يسقيان من الماء فسمعا جاريتين من جواري جهينة يقال لإحداهما برزة و هي تلزم صاحبتها في درهم كان لها عليها و صاحبتها تقول إنما العير غدا أو بعد غد قد نزلت و مجدي بن عمر يسمعها فقال صدقت فلما سمع ذلك بسبس و عدي انطلقا راجعين إلى النبي ص حتى أتياه بعرق الظبية فأخبراه الخبر.
قال الواقدي و حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده و كان أحد البكاءين قال قال رسول الله ص لقد سلك فج الروحاء موسى النبي ع في سبعين ألفا من بني إسرائيل و صلوا في المسجد الذي بعرق الظبية(15/86)
قال الواقدي و هي من الروحاء على ميلين مما يلي المدينة إذا خرجت على يسارك. قال الواقدي و أصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير و هو خائف من الرصد فقال يا مجدي هل أحسست أحدا تعلم و الله ما بمكة قرشي و لا قرشية له نش شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 105فصاعدا و النش ف أوقية وزن عشرين درهما إلا و قد بعث به معنا و لئن كتمتنا شأن عدونا لا يصالحك رجل من قريش ما بل بحر صوفة فقال مجدي و الله ما رأيت أحدا أنكره و لا بينك و بين يثرب من عدو و لو كان بينك و بينها عدو لم يخف علينا و ما كنت لأخفيه عنك إلا أني قد رأيت راكبين أتيا إلى هذا المكان و أشار إلى مناخ عدي و بسبس فأناخا به ثم استقيا بأسقيتهما ثم انصرفا فجاء أبو سفيان مناخهما فأخذ أبعارا من أبعار بعيريهما ففتها فإذا فيها نوى فقال هذه و الله علائف يثرب هذه و الله عيون محمد و أصحابه ما أرى القوم إلا قريبا فضرب وجه عيره فساحل بها و ترك بدرا يسارا و انطلق سريعا و أقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل يطعمون الطعام من أتاهم و ينحرون الجزور فبينا هم كذلك في مسيرهم إذ تخلف عتبة و شيبة و هما يترددان قال أحدهما لصاحبه أ لم تر إلى رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب لقد خشيت منها قال الآخر فاذكرها و ذكرها فأدركهما أبو جهل فقال ما تتحادثون به قالا نذكر رؤيا عاتكة قال يا عجبا من بني عبد المطلب لم يرضوا أن تتنبأ علينا رجالهم حتى تنبأت علينا النساء أما و الله لئن رجعنا إلى مكة لنفعلن بهم و لنفعلن قال عتبة إن لهم أرحاما و قرابة قريبة ثم قال أحدهما لصاحبه هل لك أن ترجع قال أبو جهل أ ترجعان بعد ما سرنا فتخذلان قومكما و تقطعان بهم بعد أن رأيتم ثأركم بأعينكم أ تظنان أن محمدا و أصحابه يلاقونكما كلا و الله إن معي من قومي مائة و ثمانين كلهم من أهل بيتي يحلون إذا أحللت و يرحلون إذا رحلت فارجعا إن شئتما قالا و الله لقد هلكت و أهلكت قومك. ثم قال عتبة لأخيه شيبة إن هذا رجل مشئوم(15/87)
يعني أبا جهل و إنه لا يمسه من قرابة محمد ما يمسنا مع أن محمدا معه الولد فارجع بنا و دع قوله.
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 106قلت مراده بقوله مع أن محمدا معه الولد أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان أسلم و شهد بدرا مع رسول الله ص قال الواقدي فقال شيبة و الله تكون علينا سبة يا أبا الوليد أن نرجع الآن بعد ما سرنا فمضينا ثم انتهى إلى الجحفة عشاء فنام جهيبن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف فقال إني لأرى بين النائم و اليقظان أنظر إلى رجل أقبل على فرس معه بعير له حتى وقف علي فقال قتل عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و زمعة بن الأسود و أمية بن خلف و أبو البختري و أبو الحكم و نوفل بن خويلد في رجال سماهم من أشراف قريش و أسر سهيل بن عمرو و فر الحارث بن هشام عن أخيه قال و كأن قائلا يقول و الله إني لأظنهم الذين يخرجون إلى مصارعهم ثم قال أراه ضرب في لبة بعيره فأرسله في العسكر فقال أبو جهل و هذا نبي آخر من بني عبد مناف ستعلم غدا من المقتول نحن أو محمد و أصحابه و قالت قريش لجهيم إنما يلعب بك الشيطان في منامك فسترى غدا خلاف ما رأيت يقتل أشراف محمد و يؤسرون قال فخلا عتبة بأخيه شيبة فقال له هل لك في الرجوع فهذه الرؤيا مثل رؤيا عاتكة و مثل قول عداس و الله ما كذبنا عداس و لعمري لئن كان محمد كاذبا إن في العرب لمن يكفيناه و لئن كان صادقا إنا لأسعد العرب به للحمته فقال شيبة هو على ما تقول أ فنرجع من بين أهل العسكر فجاء أبو جهل و هما على ذلك فقال ما تريدان قالا الرجوع أ لا ترى إلى رؤيا عاتكة و إلى رؤيا جهيم بن الصلت مع قول عداس لنا فقال لا تخذلان و الله قومكما و تقطعان بهم قالا هلكت و الله و أهلكت قومك فمضيا على ذلك. قال الواقدي فلما أفلت أبو سفيان بالعير و رأى أن قد أحرزها و أمن عليها أرسل إلى قريش قيس بن إمرئ القيس و كان مع أصحاب العير خرج معهم من مكة فأرسله أبو سفيان يأمرهم بالرجوع و يقول قد(15/88)
نجت عيركم و أموالكم فلا تحرزوا أنفسكم شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 107أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك إنما خرجتم لتمنعوا عيركم و أموالكم و قد نجاها الله فإن أبوا عليك فلا يأبون خصلة واحدة يردون القيان فعالج قيس بن إمرئ القيس قريشا فأبت الرجوع قالوا أما القيان فسنردهن فردوهن من الجح. قلت لا أعلم مراد أبي سفيان برد القيان و هو الذي أخرجهن مع الجيش يوم أحد يحرضن قريشا على إدراك الثأر و يغنين و يضربن الدفوف فكيف نهى عن ذلك في بدر و فعله في أحد و أقول من تأمل الحال علم أن قريشا لم يمكن أن تنتصر يوم بدر لأن الذي خالطها من التخاذل و التواكل و كراهية الحرب و حب الرجوع و خوف اللقاء و خفوق الهمم و فتور العزائم و رجوع بني زهرة و غيرهم من الطريق و اختلاف آرائهم في القتال يكفي بعضه في هلاكهم و عدم فلاحهم لو كانوا قد لقوا قوما جبناء فكيف و إنما لقوا الأوس و الخزرج و هم أشجع العرب و فيهم علي بن أبي طالب ع و حمزة بن عبد المطلب و هما أشجع البشر و جماعة من المهاجرين أنجاد أبطال و رئيسهم محمد بن عبد الله رسول الله الداعي إلى الحق و العدل و التوحيد المؤيد بالقوة الإلهية دع ما أضيف إلى ذلك من ملائكة السماء كما نطق به الكتاب. قال الواقدي و لحق الرسول أبا سفيان بالهدة و الهدة على سبعة أميال من عقبة عسفان على تسعة و ثلاثين ميلا من مكة فأخبره بمضي قريش فقال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يكره أن يرجع لأنه قد ترأس على الناس و بغى و البغي منقصة و شؤم و الله لئن أصاب أصحاب محمد النفير ذللنا إلى أن يدخل مكة علينا. قال الواقدي و قال أبو جهل و الله لا نرجع حتى نرد بدرا و كانت بدر موسما(15/89)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 108من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون بها و فيها سوق تسمع بنا العرب و بمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثا ننحر الجزر و نطعم الطعام و نشرب الخمر و تعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبدا. قال الواقدي و كان الفرات بن حيان العجلي أرته قريش حين فصلت من مكة إلى أبي سفيان بن حرب يخبره بمسيرها و فصولها و ما قد حشدت فحالف أبا سفيان في الطريق و ذلك أن أبا سفيان لصق بالبحر و لزم الفرات بن حيان المحجة فوافى المشركين بالجحفة فسمع كلام أبي جهل و هو يقول لا نرجع فقال ما بأنفسهم عن نفسك رغبة و إن الذي يرجع بعد أن رأى ثأره من كثب لضعيف فمضى مع قريش فترك أبا سفيان و جرح يوم بدر جراحات كثيرة و هرب على قدميه و هو يقول ما رأيت كاليوم أمرا أنكد إن ابن الحنظلية لغير مبارك الأمر. قال الواقدي و قال الأخنس بن شريق و اسمه أبي و كان حليفا لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله عيركم و خلص أموالكم و نجى صاحبكم مخرمة بن نوفل و إنما خرجتم لتمنعوه و ماله و إنما محمد رجل منكم ابن أختكم فإن يك نبيا فأنتم أسعد به و إن يك كاذبا يلي قتله غيركم خير من أن تلوا قتل ابن أختكم فارجعوا و اجعلوا خبثها لي فلا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ما يهمكم و دعوا ما يقوله هذا الرجل يعني أبا جهل فإنه مهلك قومه سريع في فسادهم فأطاعته بنو زهرة و كان فيهم مطاعا و كانوا يتيمنون به فقالوا فكيف نصنع بالرجوع حتى نرجع فقال الأخنس نسير مع القوم فإذا أمسيت سقطت عن بعيري فيقولون نحل الأخنس فإذا أصبحوا فقالوا سيروا فقولوا لا نفارق صاحبنا حتى نعلم أ حي هو أم ميت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 109فندفنه فإذا مضوا رجعنا إلى مكة ففعلت بنو زهرة ذلك فلما أصبحوا بالأبواء راجعين تبين للناس أن بني زهرة رجعوا فلم يشهدها زهري البتة و كانوا مائة و قيل أقل من مائة و هو أثبو قال قوم كانوا ثلاثمائة و لم يثبت ذلك. قال الواقدي و قال عدي بن(15/90)