شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 242عنقا واحدا لبيك داعي الله لبيك داعي الله فيضرب يومئذ جبار بن صخر ضربة في رأسه مثقلة و ما يدري حتى أظهروا الشعار بينهم فجعلوا يصيحون أمت أمت فكف بعضهم عن بعض. قال الواقدي و كان نسطاس مولى ضرار بن أمية ممن حضر أحدا مع المشركيثم أسلم بعد و حسن إسلامه فكان يحدث قال قد كنت ممن خلف في العسكر يومئذ و لم يقاتل معهم عبد إلا وحشي و صواب غلام بني عبد الدار فكان أبو سفيان صاح فيهم يا معشر قريش خلوا غلمانكم على متاعكم يكونوا هم الذين يقومون على رحالكم فجمعنا بعضها إلى بعض و عقلنا الإبل و انطلق القوم على تعبئتهم ميمنة و ميسرة و ألبسنا الرحال الأنطاع و دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعة و إذا أصحابنا منهزمون فدخل المسلمون معسكرنا و نحن في الرحال فأحدقوا بنا فكنت فيمن أسروا و انتهبوا المعسكر أقبح انتهاب حتى إن رجلا منهم قال أين مال صفوان بن أمية فقلت ما حمل إلا نفقة في الرحل فخرج يسوقني حتى أخرجتها من العيبة خمسين و مائة مثقال ذهبا و قد ولى أصحابنا و أيسنا منهم و انحاش النساء فهن في حجرهن سلم لمن أرادهن فصار النهب في أيدي المسلمين. قال نسطاس فإنا لعلى ما نحن عليه من الاستسلام و نظرت إلى الجبل فإذا خيل مقبلة تركض فدخلوا العسكر فلم يكن أحد يردهم قد ضيعت الثغور التي كان بها الرماة و جاءوا إلى النهب و الرماة ينتهبون و أنا أنظر إليهم متأبطي قسيهم و جعابهم كل واحد منهم في يديه أو حضنه شي ء قد أخذه فلما دخلت خيلنا دخلت على قوم غارين آمنين فوضعوا فهم السيوف فقتلوهم قتلا ذريعا و تفرق المسلمون في كل وجه شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 243و تركوا ما انتهبوا و أجلوا عن عسكرنا فارتجعنا بعد لم نفقد منه شيئا و خلوا أسرانا و وجدنا الذهب في المعركة و لقد رأيت يومئذ رجلا من المسلمين ضم صفوان بن أمية إليه ضمة ظننأنه سيموت حتى أدركته و به رمق فوجأت ذلك المسلم بخنجر معي فوقع فسألت(15/216)


عنه فقيل رجل من بني ساعدة ثم هداني الله بعد للإسلام. قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم قال ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله ص الذين أغاروا على النهب فأخذوا ما أخذوا من الذهب بقي معه من ذلك شي ء يرجع به حيث غشينا المشركون و اختلفوا إلا رجلين أحدهما عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح جاء بمنطقة وجدها في العسكر فيها خمسون دينارا فشدها على حقويه من تحت ثيابه و جاء عباد بن بشر بصرة فيها ثلاثة عشر مثقالا ألقاها في جيب ميصه و فوقها الدرع و قد حزم وسطه فأتيا بذلك رسول الله ص فلم يخمسه و نفلهما إياه. قال الواقدي و روى يعقوب بن أبي صعصعة عن موسى بن ضمرة عن أبيه قال لما صاح الشيطان أزب العقبة أن محمدا قد قتل لما أراد الله عز و جل من ذلك سقط في أيدي المسلمين و تفرقوا في كل وجه و أصعدوا في الجبل فكان أول من بشرهم بكون رسول الله ص سالما كعب بن مالك قال كعب عرفته فجعلت أصيح هذا رسول الله و هو يشير إلي بإصبعه على فيه أن اسكت. قال الواقدي و روت عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيها قالت قال أبي لما انكشف الناس كنت أول من عرف رسول الله ص(15/217)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 244و بشرت به المسلمين حيا سويا عرفت عينيه من تحت المغفر فناديت يا معشر الأنصار أبشروا فهذا رسول الله ص فأشار إلي رسول الله ص أن اصمت قال و دعا رسول الله ص بكعب فلبس لأمته و ألبس كعبا لأمة نفسه و قاتل كعب قتالا شديدا جرح سبعة ع جرحا. قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن الأعرج قال لما صاح الشيطان أن محمدا قد قتل قال أبو سفيان بن حرب يا معشر قريش أيكم قتل محمدا قال ابن قميئة أنا قتلته قال نسورك كما تفعل الأعاجم بأبطالها و جعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعركة هل يرى محمدا بين القتلى فمر بخارجة بن زيد بن أبي زهير فقال يا أبا سفيان هل تدري من هذا قال لا قال هذا خارجة بن زيد هذا أسيد بني الحارث بن الخزرج و مر بعباس بن عبادة بن نضلة إلى جنبه قال أ تعرفه قال لا قال هذا ابن قوقل هذا الشريف في بيت الشرف ثم مر بذكوان بن عبد قيس فقال و هذا من ساداتهم ثم مر بابنه حنظلة بن أبي عامر فوقف عليه فقال أبو سفيان من هذا قال هذا أعز من هاهنا علي هذا ابني حنظلة قال أبو سفيان ما نرى مصرع محمد و لو كان قتل لرأيناه كذب ابن قميئة و لقي خالد بن الوليد فقال هل تبين عندك قتل محمد قال لا رأيته أقبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل فقال أبو سفيان هذا حق كذب ابن قميئة زعم أنه قتله. قلت قرأت على النقيب أبي يزيد رحمه الله هذه الغزاة من كتاب الواقدي و قلت له كيف جرى لهؤلاء في هذه الوقعة فإني أستعظم ما جرى فقال و ما في ذلك مما تستعظمه حمل قلب المسلمين من بعد قتل أصحاب الألوية على قلب المشركين فكسره شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 245فلو ثبتت مجنبتا رسول الله اللتان فيهما أسيد بن حضير و الحباب بن المنذر بإزاء مجنبتي المشركين لم ينكسر عسكر الإسلام و لكن مجنبتا المسلمين أطبقت إطباقا واحدا على قلب الركين مضافا إلى قلب المسلمين فصار عسكر رسول الله ص قلبا واحدا و(15/218)


كتيبة واحدة فحطمه قلب قريش حطمة شديدة فلما رأت مجنبتا قريش أنه ليس بإزائها أحد استدارت المجنبتان من وراء عسكر المسلمين و صمد كثير منهم للرماة الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين فقتلوهم عن آخرهم لأنهم لم يكونوا ممن يقومون لخالد و عكرمة و هما في ألفي رجل و إنما كانوا خمسين رجلا لا سيما و قد ترك كثير منهم مركزه و شره إلى الغنيمة فأكب على النهب قال رحمه الله و الذي كسر المسلمين يومئذ و نال كل منال خالد بن الوليد و كان فارسا شجاعا و معه خيل كثيرة و رجال أبطال موتورون و استدار خلف الجبل فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها فأتاه من وراء المسلمين و تراجع قلب المشركين بعد الهزيمة فصار المسلمون بينهم في مثل الحلقة المستديرة و اختلط الناس فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا و ضرب الرجل منهم أخاه و أباه بالسيف و هو لا يعرفه لشدة النقع و الغبار و لما اعتراهم من الدهش و العجلة و الخوف فكانت الدبرة عليهم بعد أن كانت لهم و مثل هذا يجري دائما في الحرب. فقلت له رحمه الله فلما انكشف المسلمون و فر منهم من فر ما كانت حال رسول الله ص فقال ثبت في نفر يسير من أصحابه يحامون عنه. فقلت ثم ما ذا قال ثم ثابت إليه الأنصار و ردت إليه عنقا واحدا بعد فرارهم و تفرقهم و امتاز المسلمون عن المشركين و كانوا ناحية ثم التحمت الحرب و اصطدم الفيلقان.(15/219)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 246قلت ثم ما ذا قال لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله ص و المشركون يتكاثرون عليهم و يقتلون فيهم حتى لم يبق من النهار إلا القليل و الدولة للمشركين. قلت ثم ما ذا قال ثم علم الذين بقوا من المسلمين أنه لا طاقة لهم بالمشركين فأصعا في الجبل فاعتصموا به. فقلت له فرسول الله ص ما الذي صنع فقال صعد في الجبال. قلت له أ فيجوز أن يقال إنه فر فقال إنما يكون الفرار ممن أمعن في الهرب في الصحراء و البيداء فأما من الجبل مطل عليه و هو في سفحه فلما رأى ما لا يعجبه أصعد في الجبل فإنه لا يسمى فارا ثم سكت رحمه الله ساعة ثم قال هكذا وقعت الحال فإن شئت أن تسمي ذلك فرارا فسمه فقد خرج من مكة يوم الهجرة فارا من المشركين و لا وصمة عليه في ذلك. فقلت له قد روى الواقدي عن بعض الصحابة قال لم يبرح رسول الله ص ذلك اليوم شبرا واحدا حتى تحاجزت الفئتان فقال دع صاحب هذه الرواية فليقل ما شاء فالصحيح ما ذكرته لك ثم قال كيف يقال لم يزل واقفا حتى تحاجزت الفئتان و إنما تحاجرا بعد أن ناداه أبو سفيان و هو في أعلى الجبل بما ناداه فلما عرف أنه حي و أنه في أعلى الجبل و أن الخيل لا تستطيع الصعود إليه و أن القوم إن صعدوا إليه رجالة لم يثقوا بالظفر به لأن معه أكثر أصحابه و هم مستميتون إن صعد القوم إليهم و أنهم لا يقتلون منهم واحدا حتى يقتلوا منهم اثنين أو ثلاثة لأنهم لا سبيل لهم إلى الهرب لكونهم محصورين في ذرو واحد فالرجل منهم يحامي عن خيط رقبته كفوا عن الصعود و قنعوا بما وصلوا إليه من قتل من قتلوه في الحرب و أملوا شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 247يوما ثانيا يكون لهم فيه الظفر الكلي بالنبي ص فرجعوا عنهم و طلبوا مكة. و روى الواقدي عن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال سمعت رجلا من المهاجرين ول شهدت أحدا فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية و رسول الله ص في(15/220)

29 / 150
ع
En
A+
A-