قال سعد بن أبي وقاص فأحمل عليه فأقطع يده اليمنى فأخذ اللواء باليد اليسرى فأضربه على يده اليسرى فقطعتها فأخذ اللواء بذراعيه جميعا و ضمه إلى صدره و حنى عليه ظهره قال سعد فأدخل سية القوس بين الدرع و المغفر فأقلع المغفر فأرمي به وراء ظهره ثم ضربته حتى قتلته و أخذت أسلبه درعه فنهض إلي سبيع بن عبد عوف و نفر معه فمنعوني سلبه و كان سلبه أجود سلب رجل من المشركين درع فضفاضة و مغفر و سيف جيد و لكن حيل بيني و بينه. قال الواقدي و هذا أثبت القولين. قلت شتان بين علي و سعد هذا يجاحش على السلب و يتأسف على فواته و ذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق و هو فارس قريش و صنديدها و مبارزه فيعرض عن سلبه فيقال له كيف تركت سلبه و هو أنفس سلب فيقول كرهت أن أبز السبي ثيابه فكأن حبيبا عناه بقوله شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 23إن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب(15/211)


قال الواقدي ثم حمل لواء المشركين بعد أبي سعد بن أبي طلحة مسافع بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد و هي مع النساء بأحد فقالت من أصابك قال لا أدري سمعته يقول خذها و أنا ابن الأقلح فقالت أقلحي و الله أي هو من رهطي و كانت من الأوس. قال الواقدي و روي أن عاصما لما رماه قال له خذها و أنا ابن كسرة و كانوا يقال لهم في الجاهلية بنو كسر الذهب فقال لأمه لا أدري إلا أني سمعته يقول خذها و أنا ابن كسرة فقالت سلافة أوسي و الله كسري أي أنه منا فيومئذ نذرت سلافة أن تشرب في قحف رأس عاصم بن ثابت الخمر و جعلت لمن جاءها به مائة من الإبل. قلت فلما قتله المشركون في يوم الرجيع أرادوا أن يأخذوا رأسه فيحملوه إلى سلافة فحمته الدبر يومه ذلك فلما جاء الليل فظنوا أن الدبر لا تحميه ليلا جاء الوادي بسيل عظيم فذهب برأسه و بدنه اتفق المؤرخون على ذلك. قال الواقدي ثم حمل اللواء بعد الحارث أخوه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام ثم حمله أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله ثم حمله أرطاة بن عبد شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب ع ثم حمله شريح بن شرح نهج البلاغة ج : 1ص : 239قانط فقتل لا يدرى من قتله ثم حمله صواب غلام بني عبد الدار فاختلف في قاتله فقيل قتله علي بن أبي طالب ع و قيل سعد بن أبي وقاص و قيل قزمان و هو أثبت الأقوال. قال الواقدي انتهى قزمان إلى صواب فحمل عليه فقطع يده اليمنى فاحتمل اللواء باليسرى فقطع اليسرى فاحتضن اللواء بذراعيه و عضديه و حنى عليه ظهره و قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فحمل عليه قزمان فقتله. قال الواقدي و قالوا ما ظفر الله تعالى نبيه في موطن قط ما ظفره و أصحابه يوم أحد حتى عصوا الرسول و تنازعوا في الأمر لقد قتل أصحاب اللواء و انكشف المشركون منهم لا يلوون و نساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف و الفرح. قال(15/212)


الواقدي و قد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا قال كل واحد منهم و الله إني لأنظر إلى هند و صواحبها منهزمات ما دون أخذهن شي ء لمن أراده و لكن لا مرد لقضاء الله قالوا و كان خالد بن الوليد كلما أتى م قبل ميسرة النبي ص ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح ترده الرماة حتى فعل و فعلوا ذلك مرارا و لكن المسلمين أتوا من قبل الرماة أن رسول الله ص أوعز إليهم فقال قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا و إن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا فلما انهزم المشركون و تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا حتى أجهزوهم عن المعسكر و وقعوا ينتهبونه قال بعض الرماة لبعض لم تقيمون هاهنا في غير شي ء قد هزم الله العدو و هؤلاء إخوانكم ينهبون عسكرهم فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم فقال بعضهم أ لم تلموا أن رسول الله ص قال لكم احموا ظهورنا و إن غنمنا فلا تشركونا(15/213)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 240فقال الآخرون لم يرد رسول الله ص هذا و قد أذل الله المشركين و هزمهم فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير و كان يومئذ معلما بثياب بيض فحمد الله و أمرهم بطاعة رسوله و ألا يخالف أمره فعص و انطلقوا فلم يبق معه إلا نفير ما يبلغون العشرة منهم الحارث بن أنس بن رافع يقول يا قوم اذكروا عهد نبيكم إليكم و أطيعوا أميركم فأبوا و ذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون و خلوا الجبل و انتقضت صفوف المشركين و استدارت رحالهم و دارت الريح و كانت إلى أن انتقض صفهم صبا فصارت دبورا فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل و قلة أهله فكر بالخيل و تبعه عكرمة بالخيل فانطلقا إلى موضع الرماة فحملوا عليهم فرماهم القوم حتى أصيبوا و رمى عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل و أفلت جعيل بن سراقة و أبو بردة بن نيار بعد أن شاهدا قتل عبد الله بن جبير و كان آخر من انصرف من الخيل فلحقا بالمسلمين قال الواقدي فروى رافع بن خديج قال لما قتل خالد الرماة أقبل بالخيل و عكرمة بن أبي جهل يتلوه فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا و نادى إبليس و تصور في صورة جعيل بن سراقة أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات فابتلي يومئذ جعيل بن سراقة ببلية عظيمة حين تصور إبليس في صورته و إن جعيلا ليقاتل مع المسلمين أشد القتال و إنه إلى جنب أبي بردة بن نيار و خوات بن جبير قال رافع بن خديج فو الله ما رأينا دولة كانت أسرع من دولة المشركين علينا و أقبل المسلمون على جعيل بن سراقة يريدون قتله يقولون هذا الذي صاح أن محمدا قد قتل فشهد له خوات بن جبير و أبو بردة أنه كان إلى جنبهما حين صاح الصائح و أن الصائح غيره. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 241قال الواقدي فروى رافع قال أتينا من قبل أنفسنا و معص نبينا و اختلط المسلمون و صاروا يقتلون و يضرب بعضهم بعضا و ما(15/214)


يشعرون بما يصنعون من الدهش و العجل و قد جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو بردة بن نيار و ما يدري يقول خذها و أنا الغلام الأنصاري و كر أبو زعنة في حومة القتال فضرب أبا بردة ضربتين ما يشعر أنه هو يقول خذها و أنا أبو زعنة حتى عرفه بعد فكان إذا لقيه قال انظر ما صنعت بي فيقول أبو زعنة و أنت فقد ضربت أسيد بن حضير و لا تشعر و لكن هذا الجرح في سبيل الله فذكر ذلك لرسول الله ص فقال هو في سبيل الله يا أبا بردة لك أجره حتى كأنك ضربك أحد المشركين و من قتل فهو شهيد. قال الواقدي و كان الشيخان حسيل بن جابر و رفاعة بن وقش شيخين كبيرين قد رفعا في الآطام مع النساء فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لك ما نستبقي من أنفسنا فو الله ما نحن إلا هامة اليوم أو غد و ما بقي من أجلنا قدر ظم ء دابة فلو أخذنا أسيافنا فلحقنا رسول الله ص لعل الله يرزقنا الشهادة قال فلحقا برسول الله ص فأما رفاعة فقتله المشركون و أما حسيل بن جابر فالتفت عليه سيوف المسلمين و هم لا يعرفونه حين اختلطوا و ابنه حذيفة يقول أبي أبي حتى قتل فقال حذيفة يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين ما صنعتم فزاد به عند رسول الله ص خيرا و أمر رسول الله بديته أن تخرج و يقال إن الذي أصابه عتبة بن مسعود فتصدق حذيفة ابنه بدمه على المسلمين. قال الواقدي و أقبل يومئذ الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح يا آل سلمة فأقبلوا(15/215)

28 / 150
ع
En
A+
A-