يقال جعل عينين خلف ظهره و استدبر الشمس و استقبلها المشركون. قال و القول الأول أثبت عندنا أن أحدا كان خلف ظهره و هو ع مستقبل المدينة قال و نهى أن يقاتل أحد حتى يأمرهم بالقتال فقال عمارة بن يزيد بن السكن أنى نغير على زرع بني قيلة و لما نضارب و أقبل المشركون قد صفوا صفوفهم و استعملوا على الميمنة خالد بن الوليد و على الميسرة عكرمة بن أبي جهل و لهم مجنبتان مائتا فرس و جعلوا على الخيل صفوان بن أمية و يقال عمرو بن العاص و على الرماة عبد الله بن أبي ربيعة و كانوا مائة رام و دفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة و اسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي و صاح أبو سفيان يومئذ يا بني عبد الدار نحن نعرف أنكم أحق باللواء منا و أنا إنما أتينا يوم بدر من اللواء و إنما يؤتى القوم من قبل لوائهم فالزموا لواءكم و حافظوا عليه و خلوا بيننا و بينه فإنا قوم مستميتون موتورون نطلب ثأرا حديث العهد و جعل يقول إذا زالت الألوية فما قوام الناس و بقاؤهم بعدها فغضبت بنو عبد الدار و قالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا أبدا و أما المحافظة عليه فسترى ثم أسندوا الرماح إليه و أحدقت به بنو عبد الدار شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 232و أغلظوا لأبي سفيان بعض الإغلاظ فقال أبو سفيان فنجعل لواء آخر قالوا نعم و لا يحمله إلا ر من بني عبد الدار لا كان غير ذلك أبدا. قال الواقدي و جعل رسول الله ص يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف و يبوئ أصحابه مقاعد للقتال يقول تقدم يا فلان و تأخر يا فلان حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره فهو يقومهم كأنما يقوم القداح حتى إذا استوت الصفوف سأل من يحمل لواء المشركين قيل عبد الدار قال نحن أحق بالوفاء منهم أين مصعب بن عمير قال ها أنا ذا قال خذ اللواء فأخذه مصعب فتقدم به بين يدي رسول الله ص. قال البلاذري أخذه من علي ع فدفعه إلى مصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار. قال الواقدي ثم(15/206)
قام ع فخطب الناس
فقال ص أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه من العمل بطاعته و التناهي عن محارمه ثم إنكم اليوم بمنزل أجر و ذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه على الصبر و اليقين و الجد و النشاط فإن جهاد العدو شديد كريه قليل من يصبر عليه إلا من عزم له على رشده إن الله مع من أطاعه و إن الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد و التمسوا بذلك ما وعدكم الله و عليكم بالذي آمركم به فإني حريص على رشدكم إن الاختلاف و التنازع و التثبيط من أمر العجز و الضعف و هو مما لا يحبه الله و لا يعطي عليه النصر و الظفر أيها الناس إنه قذف في قلبي أن من كان على حرام فرغب عنه ابتغاء ما عند الله غفر الله له ذنبه و من صلى على محمد صلى الله عليه و ملائكته شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 233عشرا و من أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو في آجل آخرته و من كان يؤمن بال و اليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا و من استغنى عنها استغنى الله عنه و الله غني حميد ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا و قد أمرتكم به و لا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا و قد نهيتكم عنه و إنه قد نفث الروح الأمين في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شي ء و إن أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم و أجملوا في طلب الرزق و لا يحملنكم استبطاؤه على أن تطلبوه بمعصية ربكم فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته قد بين لكم الحلال و الحرام غير أن بينهما شبها من اأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم فمن تركها حفظ عرضه و دينه و من وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه و يفعله و ليس ملك إلا و له حمى ألا و إن حمى الله محارمه و المؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده و السلام عليكم(15/207)
قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله قال أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر طلع في خمسين من قومه معه عبيد قريش فنادى أبو عامر و اسمه عبد عمرو يا للأوس أنا أبو عامر قالوا لا مرحبا بك و لا أهلا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر قال و معه عبيد أهل مكة فتراموا بالحجارة هم و المسلمون حتى تراضخوا بها ساعة إلى أن ولى أبو عامر و أصحابه و يقال إن العبيد لم يقاتلوا و إنهم أمروهم بحفظ عسكرهم. قال الواقدي و جعل نساء المشركين قبل أن يلتقي الجمعان أمام صفوف المشركين يضربن بالأكبار و الدفاف و الغرابيل ثم يرجعن فيكن إلى مؤخر الصف حتى شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 234إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء فقمن خلف الصفوف و جعلن كلما ولى رجل حرضنه و ذكرنه قتلى بدر. و قال الواقدي و كان قزمان من المنافقين و كان قد تخلف عن أحد فلما أصبح عيره نساء بني ظفرقلن يا قزمان قد خرج الرجال و بقيت استحي يا قزمان أ لا تستحيي مما صنعت ما أنت إلا امرأة خرج قومك و بقيت في الدار فأحفظنه فدخل بيته فأخرج قوسه و جعبته و سيفه و كان يعرف بالشجاعة و خرج يعدو حتى انتهى إلى رسول الله ص و هو يسوي صفوف المسلمين فجاء من خلف الصف حتى انتهى إلى الصف الأول فكان فيه و كان أول من رمى بسهم من المسلمين جعل يرسل نبلا كأنها الرماح و إنه ليكت كتيت الجمل ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه و كان رسول الله ص إذا ذكره قال من أهل النار قال فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه و جعل يقول الموت أحسن من الفرار يا للأوس قاتلوا على الأحساب و اصنعوا مثل ما أصنع قال فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال قد قتل ثم يطلع فيقول أنا الغلام الظفري حتى قتل منهم سبعة و أصابته الجراحة و كثرت فيه فوقع فمر به قتادة بن النعمان فقال له أبا الغيداق قال قزمان لبيك قال هنيئا لك الشهادة قال قزمان إني و الله ما قاتلت(15/208)
يا أبا عمرو على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير قريش إلينا فتطأ سعفنا قال فآذته الجراحة فقتل نفسه
فقال النبي ص إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 235 قال الواقدي و تقدم رسول الله ص إلى الرماة فقال احموا لنا ظهورنا فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا و الزموا مكانكم لا تبرحوا منه و إن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم و إن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا و لا تدفعوا ع اللهم إني أشهدك عليهم ارشقوا خيلهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل و كان للمشركين مجنبتان ميمنة عليها خالد بن الوليد و ميسرة عليها عكرمة بن أبي جهل
قال الواقدي و عمل رسول الله ص لنفسه ميمنة و ميسرة و دفع اللواء الأعظم إلى مصعب بن عمير و دفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير و لواء الخزرج إلى سعد بن عبادة و قيل إلى الحباب بن المنذر فجعلت الرماة تحمي ظهور المسلمين و ترشق خيل المشركين بالنبل فولت هاربه قال بعض المسلمين و الله لقد رمقت نبلنا يومئذ ما رأيت سهما واحدا مما يرمى به خيلهم يقع في الأرض إما في فرس أو في رجل و دنا القوم بعضهم من بعض و قدموا طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم و صفوا صفوفهم و أقاموا النساء خلف الرجال يضربن بين أكتافهم بالأكبار و الدفوف و هند و صواحبها يحرضن و يذمرن الرجال و يذكرن من أصيب ببدر و يقلن(15/209)
نحن بنات طارق نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق فراق غير وامقال الواقدي و برز طلحة فصاح من يبارز فقال علي ع له هل لك في مبارزتي قال نعم فبرزا بين الصفين و رسول الله ص جالس تحت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 236الراية عليه درعان و مغفر و بيضته فالتقيا فبدره علي ع بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن انتهى إللحيته فوقع و انصرف علي ع فقيل له هلا ذففت عليه قال إنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم و قد علمت أن الله سيقتله هو كبش الكتيبة. قال الواقدي و روي أن طلحة حمل على علي ع فضربه بالسيف فاتقاه بالدرقة فلم يصنع شيئا و حمل علي ع و على طلحة درع و مغفر فضربه بالسيف فقطع ساقيه ثم أراد أن يذفف عليه فسأله طلحة بالرحم ألا يفعل فتركه و لم يذفف عليه. قال الواقدي و يقال إن عليا ع دفف عليه و يقال إن بعض المسلمين مر به في المعركة فذفف عليه قال فلما قتل طلحة سر رسول الله ص و كبر تكبيرا عاليا و كبر المسلمون ثم شد أصحاب رسول الله ص على كتائب المشركين فجعلوا يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم و لم يقتل إلا طلحة بن أبي طلحة وحده. قال الواقدي ثم حمل لواء المشركين بعد طلحة أخوه عثمان بن أبي طلحة و هو أبو شيبة فارتجز و قال
إن علي رب اللواء حقا أن تخصب الصعدة أو تندقا
فتقدم باللواء و النسوة خلفه يحرضن و يضربن بالدفوف فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب رحمه الله فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده و كتفه حتى انتهى إلى شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 237مؤتزره فبدا سحره و رجع فقال أنا ابن ساقي الحجيج ثم حمل اللواء أخوهما أبو سعد بن أبطلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته و كان دراعا و عليه مغفر لا رفرف عليه و على رأسه بيضته فأدلع لسانه إدلاع الكلب. قال الواقدي و قد روي أن أبا سعد لما حمل اللواء قام النساء خلفه يقلن
ضربا بني عبد الدار ضربا حماة الأدبارضربا بكل بتار(15/210)