شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 226على ما صنعوا و قال الذين يلحون على رسول الله ص ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك و ما كان لنا أن نستكرهك و الأمر إلى الله ثم إليك فقال قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم و لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله نه و بين أعدائه قال و كانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم الله بينه و بين أعدائه ثم قال لهم انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم. قلت فمن تأمل أحوال المسلمين في هذه الغزاة من فشلهم و خورهم و اختلافهم في الخروج من المدينة و المقام بها و كراهة النبي ص للخروج ثم خروجه على مضض ثم ندم القوم الذين أشاروا بالخروج ثم انخزال طائفة كثيرة من الجيش عن الحرب و رجوعهم إلى المدينة علم أنه لا انتصار لهم على العدو أصلا فإن النصر معروف بالعزم و الجد و البصيرة في الحرب و اتفاق الكلمة و من تأمل أيضا هذه الأحوال علم أنها ضد الأحوال التي كانت في غزاة بدر و أن أحوال قريش لما خرجت إلى بدر كانت مماثلة لأحوال المسلمين لما خرجوا إلى أحد و لذلك كانت الدبرة في بدر على قريش. قال الواقدي و كان مالك بن عمرو النجاري مات يوم الجمعة فلما دخل رسول الله ص فلبس لأمته و خرج و هو موضوع عند موضع الجنائز صلى عليه ثم دعا بدابته فركب إلى أحد. قال الواقدي و جاء جعيل بن سراقة إلى النبي ص و هو متوجه إلى أحد فقال يا رسول الله قيل لي إنك تقتل غدا و هو يتنفس مكروبا فضرب النبي ص بيده إلى صدره و قال أ ليس الدهر كله غدا قال ثم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير و دفع لواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن الجموح و يقال إلى سعد بن عبادة و دفع لواء المهاجرين شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 227إلى علي بن أبي طالب ع و يقال إلى مصعب بن عمير دعا بفرسه فركبه و تقلد القوس و أخذ بيده قناة زج الرمح يومئذ من شبه(15/201)


و المسلمون متلبسون السلاح قد أظهروا الدروع فهم مائة دارع فلما ركب ص خرج السعدان أمامه يعدوان سعد بن معاذ و سعد بن عبادة كل واحد منهما دارع و الناس عن يمينه و شماله حتى سلك على البدائع ثم زقاق الحسى حتى أتى الشيخين و هما أطمان كانا في الجاهلية فيهما شيخ أعمى و عجوز عمياء يتحدثان فسمي الأطمان الشيخين فلما انتهى إلى رأس الثنية التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل خلفه فقال ما هذه قال هذه حلفاء ابن أبي من اليهود
فقال رسول الله ص لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك(15/202)


و مضى رسول الله ص و عرض عسكره بالشيخين فعرض عليه غلمان منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب و زيد بن ثابت و أسامة بن زيد و النعمان بن بشير و زيد بن أرقم و البراء بن عازب و أسيد بن ظهير و عرابة بن أوس و أبو سعيد الخدري و سمرة بن جندب و رافع بن خديج. قال الواقدي فردهم رسول الله ص قال رافع بن خديج فقال ظهير بن رافع يا رسول الله إنه رام يعينني قال و جعلت أتطاول و علي خفان لي فأجازني رسول الله ص فلما أجازني قال سمرة بن جندب لمري بن سنان الحارثي و هو زوج أمه يا أبيه أجاز رسول الله ص رافع بن خديج و ردني و أنا أصرع رافعا فقال مري يا رسول الله رددت ابني و أجزت رافع بن خديج و ابني يصرعه فقال رسول الله ص تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله ص قال الواقدي و أقبل ابن أبي فنزل ناحية العسكر فجعل حلفاؤه و من معه من المنافقين يقولون لابن أبي أشرت عليه بالرأي و نصحته و أخبرته أن هذا رأي من شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 228مضى من آبائك و كان ذلك رأيه مع رأيك فأبى أن يقبله و أطاع هؤلاء الغلمان الذين معه قال فصادفوا من ابن أبي نفاقا و غشا فبات رسول الله ص بالشيخين و بات ابن أبي في أصحابه و فرغ رسول الله ص من عرض من عرض و غابت الشمس فن بلال بالمغرب فصلى رسول الله ص بأصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى رسول الله ص بأصحابه و رسول الله ص نازل في بني النجار و استعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطيفون بالعسكر حتى ادلج رسول الله ص و كان المشركون قد رأوا رسول الله ص حيث ادلج و نزل بالشيخين فجمعوا خيلهم و ظهرهم و استعملوا على حرسهم عكرمة بن أبي جهل في خيل من المشركين و باتت صاهلة خيلهم لا تهدأ تدنو طلائعهم حتى تلصق بالحرة فلا تصعد فيها حتى ترجع خيلهم و يهابون موضع الحرة و محمد بن مسلمة. قال الواقدي و قد كان رسول الله ص قال حين صلى العشاء من يحفظنا الليلة فقال رجل أنا يا رسول الله فقال من أنت قال ذكوان بن(15/203)


عبد القيس فقال اجلس ثم قال ثانية من رجل يحفظنا الليلة فقام رجل فقال من أنت قال أبو سبع قال اجلس ثم قال ثالثة مثل ذلك فقام رجل فقال من أنت فقال أنا ابن عبد قيس فمكث رسول الله ص ساعة ثم قال قوموا ثلاثتكم فقام ذكوان بن عبد قيس فقال رسول الله و أين صاحباك فقال ذكوان أنا الذي كنت أجيبك الليلة قال فاذهب حفظك الله. قلت قد تقدم هذا الحديث بذاته في غزوة بدر و ظاهر الحال أنه مكرر شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 229و أنه إنما كان في غزاة واحدة و يجوز أن يكون وقع في الغزاتين و لكن على بعد. قال الواقدي فلبس ذكوان درعه و أخذ درقته فكان يطوف على العسكر تلك الليلة و يقال كان يحرس رسول الله ص لم يفارقه. قال و نام رسول الله ص حتى ادلج فلما كان في السحر قال رسول الله أين الأدلاء من رجل يدلنا على الطريق و يخرجنا على القوم من كثب فقام أبو خثيمة الحارثي فقال أنا يا رسول الله و يقال أوس بن قيظي و يقال محيصة. قال الواقدي و أثبت ذلك عندنا أبو خثيمة خرج برسول الله ص و ركب فرسه فسلك به في بني حارثة ثم أخذ في الأموال حتى مر بحائط مربع بن قيظي و كان أعمى البصر منافقا فلما دخل رسول الله ص حائطه قام يحثي التراب في وجوه المسلمين و يقول إن كنت رسول الله فلا تدخل حائطي فلا أحله لك. قال محمد بن إسحاق و قذ ذكر أنه أخذ حفنة من تراب و قال و الله لو أعلم أني لا أصيب غيرك يا محمد لضربت بها وجهك. قال الواقدي فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوس في يده فشجه في رأسه فنزل الدم فغضب له بعض بني حارثة ممن هو على مثل رأيه فقال هي على عداوتكم يا بني عبد الأشهل لا تدعونها أبدا لنا فقال أسيد بن حضير لا و الله و لكن نفاقكم و الله لو لا أني لا أدري ما يوافق النبي ص لضربت عنقه و عنق من هو على مثل رأيه. قال و نهاهم النبي ص عن الكلام فأسكتوا. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 230و قال محمد بن إسحاق قال رسول الله ص دعوه فإنه أعمى البصر أعمى القلب(15/204)


يعني مربع بن قيظي. قال الواقدي و مضى رسول الله ص فبينا هو في مسيره إذ ذب فرس أبي بردة بن نيار بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسل سيفه فقال رسول الله ص يا صاحب السيفم سيفك فإني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها. قال و كان رسول الله ص يحب الفأل و يكره الطيرة قال و لبس رسول الله ص من الشيخين درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد فلبس درعا أخرى و مغفرا و بيضة فوق المغفر فلما نهض رسول الله ص من الشيخين زحف المشركين على تعبئة حتى انتهوا إلى موضع أرض ابن عامر اليوم فلما انتهى رسول الله ص إلى موضع القنطرة اليوم جاءه و قد حانت الصلاة و هو يرى المشركين فأمر بلالا فأذن و أقام و صلى بأصحابه الصبح صفوفا و انخزل عبد الله بن أبي من ذلك المكان في كتيبته كأنه هيقه تقدمهم فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال أذكركم الله و دينكم و نبيكم و ما شرطتم له أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم و أولادكم و نساءكم فقال ابن أبي ما أرى أنه يكون بينهم قتال و إن أطعتني يا أبا جابر لترجعن فإن أهل الرأي و الحجى قد رجعوا و نحن ناصروه في مدينتنا و قد خالفنا و أشرت عليه بالرأي فأبى إلا طواعية الغلمان فلما أبى على عبد الله بن عمرو أن يرجع و دخل هو و أصحابه أزقة المدينة قال لهم أبو جابر أبعدكم الله إن الله سيغني النبي و المؤمنين عن نصركم فانصرف ابن أبي و هو يقول أ يعصيني و يطيع الولدان و انصرف عبد الله بن عمرو يعدو حتى لحق رسول الله و هو يسوي الصفوف فلما أصيب أصحاب شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 231رسول الله ص سر ابن أبي و أظهر الشماتة و قال عصاني و أطاع من لا رأي له. قال الواقدي و جعل رسول الله ص يصف أصحابه و جعل الرماة خمسين رجلا على عينين عليهم عبد الله بن جبير و يقال سعبن أبي وقاص و الثبت أنه عبد الله بن جبير قال و جعل أحدا خلف ظهره و استقبل المدينة و جعل عينين عن يساره و أقبل المشركون و استدبروا المدينة في الوادي و استقبلوا أحدا و(15/205)

26 / 150
ع
En
A+
A-