قال الواقدي فحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال ظهر النبي ص المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إني رأيت في منامي رؤيا رأيت كأني في درع حصينة و رأيت كأن سيفي ذا الفقار انفصم من عند ظبته و رأيت بقرا تذبح و رأيت كأني مردف كبشا فقال الناس يا رسول الله فما أولتها قال أما الدرع الحصينة فالمدينة فامكثوا فيها و أما شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 222انفصام سيفي عند ظبته فمصيبة في نفسي و أما البقر المذبح فقتلى في أصحابي و أما أني مردف كبشا فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله قال الواقدي و روي عن ابن عباس أن رسول الله ص قال أما انفصام سيفي فقتل رجل من أهل بيتي(15/196)


قال الواقدي و روى المسور بن مخرمة قال قال النبي ص و رأيت في سيفي فلا فكرهته هو الذي أصاب وجهه ع قال الواقدي و قال النبي ص أشيروا علي و رأى ص ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا و رسول الله ص يحب أن يوافق على مثل ما رأى و على ما عبر عليه الرؤيا فقام عبد الله بن أبي فقال يا رسول الله كنا نقاتل في الجاهلية في هذه المدينة و نجعل النساء و الذراري في هذه الصياصي و نجعل معهم الحجارة و الله لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا و نشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية و ترمى المرأة و الصبي من فوق الصياصي و الآطام و نقاتل بأسيافنا في السكك يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط و ما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا و ما دخل علينا قط إلا أصبناه فدعهم يا رسول الله فإنهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس و إن رجعوا رجعوا خاسرين مغلوبين لم ينالوا خيرا يا رسول الله أطعني في هذا الأمر و اعلم أني ورثت هذا الرأي من أكابر قومي و أهل الرأي منهم فهم كانوا أهل الحرب و التجربة. قال الواقدي فكان رأي رسول الله ص مع رأي ابن أبي و كان ذلك رأي الأكابر من أصحاب رسول الله ص من المهاجرين و الأنصار شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 223فقال رسول الله ص امكثوا في المدينة و اجعلوا النساء و الذراري في الآطام فإن دخل علينا قلناهم في الأزقة فنحن أعلم بها منهم و رموا من فوق الصياصي و الآطام و كانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا و طلبوا من رسول الله الخروج إلى عدوهم و رغبوا في الشهادة و أحبوا لقاء العدو و قالوا اخرج بنا إلى عدونا و قال رجال من أهل النبه و أهل السن منهم حمزة بن عبد المطلب و سعد بن عبادة و النعمان بن مالك بن ثعلبة و غيرهم من الأوس و الخزرج إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم(15/197)


علينا و قد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله بهم و نحن اليوم بشر كثير و كنا نتمنى هذا اليوم و ندعو الله به فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا هذه و رسول الله ص لما رأى من إلحاحهم كاره و قد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم يتساومون كأنهم الفحول و قال مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري يا رسول الله نحن و الله بين إحدى الحسنيين إما يظفرنا الله بهم فهذا الذي نريد فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر فلا يبقى منهم إلا الشريد و الأخرى يا رسول الله يرزقنا الله الشهادة و الله يا رسول الله ما نبالي أيهما كان إن كلا لفيه الخير فلم يبلغنا أن النبي ص رجع إليه قولا و سكت و قال حمزة بن عبد المطلب و الذي أنزل عليه الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة و كان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما و يوم السبت فلاقاهم و هو صائم و قال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بني سالم يا رسول الله أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك و أني منهم فلم تحرمنا الجنة فو الله الذي لا إله إلا هو(15/198)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 224لأدخلنها قال رسول الله بم قال إني أحب الله و رسوله و لا أفر يوم الزحف فقال صدقت فاستشهد يومئذ. و قال إياس بن أوس بن عتيك يا رسول الله نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح نرجو يا رسول الله أن نذبح في القوم و يذبح فينا فنصير إ الجنة و يصيرون إلى النار مع أني يا رسول الله لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فتقول حصرنا محمد في صياصي يثرب و آطامها فتكون هذه جرأة لقريش و قد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا فلم ندرع و قد كنا يا رسول في جاهليتنا و العرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا فنحن اليوم أحق إذ أمدنا الله بك و عرفنا مصيرنا لا نحصر أنفسنا في بيوتنا. و قام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال يا رسول الله إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع و تستجلب العرب في بواديها و من اتبعها من أحابيشها ثم جاءونا قد قادوا الخيل و اعتلوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا فيحصروننا في بيوتنا و صياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا فيجرئهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا و يصيبوا أطلالنا و يضعوا العيون و الأرصاد علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا و يجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن حريمنا و عسى الله أن يظفرنا بهم فتلك عادة الله عندنا أو تكون الأخرى فهي الشهادة لقد أخطأتني وقعة بدر و قد كنت عليها حريصا لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة و قد كنت حريصا على الشهادة و قد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صوره يسرح في ثمار الجنة و أنهارها و هو يقول الحق بنا ترافقنا في الجنة فقد وجدت ما وعدني ربي حقا و قد و الله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة و قد كبرت سني و دق عظمي و أحببت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 225لقاء ربي فادع الله يرسول الله أن يرزقني الشهادة و مرافقة سعد في الجنة فدعا له رسول الله(15/199)


بذلك فقتل بأحد شهيدا. قال أنس بن قتادة يا رسول الله هي إحدى الحسنيين إما الشهادة و إما الغنيمة و الظفر بقتلهم فقال رسول الله ص إني أخاف عليكم الهزيمة. فلما أبوا إلا الخروج و الجهاد صلى رسول الله يوم الجمعة بالناس ثم وعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد و أخبرهم أن لهم الصبر ما صبروا ففرح الناس حيث أعلمهم رسول الله ص بالشخوص إلى عدوهم و كره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول الله و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم ثم صلى العصر بالناس و قد حشد الناس و حضر أهل العوالي و رفعوا النساء إلى الآطام فحضرت بنو عمرو بن عوف بلفها و النبيت و لفها و تلبسوا السلاح فدخل رسول الله ص بيته و دخل معه أبو بكر و عمر فعمماه و لبساه و صف الناس له ما بين حجرته إلى منبره ينتظرون خروجه فجاءهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير فقالا لهم قلتم لرسول الله ما قلتم و استكرهتموه على الخروج و الأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه فما أمركم فافعلوه و ما رأيتم فيه له هوى أو أدبا فأطيعوه فبينا القوم على ذلك من الأمر و بعض القوم يقول القول ما قال سعد و بعضهم على البصيرة على الشخوص و بعضهم للخروج كاره إذ خرج رسول الله ص قد لبس لأمته و قد لبس الدرع فأظهرها و حزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم كانت بعد عند آل أبي رافع مولى رسول الله ص و اعتم و تقلد السيف فلما خرج رسول الله ص ندموا جميعا(15/200)

25 / 150
ع
En
A+
A-