قالوا و خرج سفيان بن عويف بعشرة من ولده و حشدت بنو كنانة و كانت الألوية يوم خرجوا من مكة ثلاثة عقدوها في دار الندوة لواء يحمله سفيان بن عويف لبني كنانة و لواء الأحابيش يحمله رجل منهم و لواء لقريش يحمله طلحة بن أبي طلحة. قال الواقدي و يقال خرجت قريش و لفها كلهم من كنانة و الأحابيش و غيرهم على لواء واحد يحمله طلحة بن أبي طلحة و هو الأثبت عندنا. قال و خرجت قريش و هم ثلاثة آلاف بمن ضوى إليها و كان فيهم من ثقيف مائة رجل و خرجوا بعدة و سلاح كثير و قادوا مائتي فرس و كان فيهم سبعمائة دراع و ثلاثة آلاف بعير فلما أجمعوا على المسير كتب العباس بن عبد المطلب كتابا و ختمه و استأجر رجلا من بني غفار و شرط عليه أن يسير ثلاثا إلى رسول الله ص يخبره أن قريشا قد اجتمعت للمسير إليك فما كنت صانعا إذا حلوا بك فاصنعه و قد وجهوا و هم ثلاثة آلاف و قادوا مائتي فرس و فيهم سبعمائة دراع و ثلاثة آلاف بعير و قد أوعبوا من السلاح فقدم الغفاري فلم يجد رسول الله ص بالمدينة وجده بقباء فخرج حتى وجد رسول الله ص على باب مسجد قباء يركب شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 218حماره فدفع إليه الكتاب فقرأه عليه أبي بن كعب و استكتم أبيا ما فيه و دخل منزل سعد بن ربيع فقال أ في البيت أحد فقال سعد لا فتكلم بحاجتك فأخبره بكتاب العباس بن عبد المطلب فجعل سعد يقول يا رسول الله و الله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير و أرجعت يهود المدينة و المنافقون و قالوا ما جاء محمدا شي ء يحبه و انصرف رسول الله ص إلى المدينة و قد استكتم عد بن الربيع الخبر فلما خرج رسول الله ص من منزله خرجت امرأة سعد بن الربيع إليه فقالت ما قال لك رسول الله ص قال ما لك و لذاك لا أم لك قالت كنت أستمع عليكم و أخبرت سعدا الخبر فاسترجع سعد و قال لا أراك تستمعين علينا و أنا أقول لرسول الله ص تكلم بحاجتك ثم أخذ بجمع لمتها ثم خرج يعدو بها حتى أدرك رسول الله ص بالجسر و قد بلحت(15/191)
فقال يا رسول الله إن امرأتي سألتني عما قلت فكتمتها فقالت قد سمعت قول رسول الله ص ثم جاءت بالحديث كله فخشيت يا رسول الله أن يظهر من ذلك شي ء فتظن أني أفشيت سرك فقال ص خل سبيلها و شاع الخبر بي الناس بمسير قريش و قدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر من خزاعة ساروا من مكة أربعا فوافوا قريشا و قد عسكروا بذي طوى فأخبروا رسول الله ص الخبر ثم انصرفوا و لقوا قريشا ببطن رابغ و هو أربع ليال من المدينة فنكبوا عن قريش. قال الواقدي فلما أصبح أبو سفيان بالأبواء أخبر أن عمرو بن سالم و أصحابه راحوا أمس ممسين إلى مكة فقال أبو سفيان أحلف بالله أنهم جاءوا محمدا فخبروه بمسيرنا و عددنا و حذروه منا فهم الآن يلزمون صياصيهم فما أرانا نصيب منهم شيئا في وجهنا فقال صفوان بن أمية إن لم يصحروا لنا عمدنا إلى نخل الأوس و الخزرج فقطعناه(15/192)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 219فتركناهم و لا أموال لهم فلا يختارونها أبدا و إن أصحروا لنا فعددنا أكثر من عددهم و سلاحنا أكثر من سلاحهم و لنا خيل و لا خيل معهم و نحن نقاتل على وتر عندهم و لا وتر لهم عندنا قال الواقدي و كان أبو عامر الفاسق قد خرج في خمسين لا من الأوس حتى قدم بهم مكة حين قدم النبي ص يحرضها و يعلمها أنها على الحق و ما جاء به محمد باطل فسارت قريش إلى بدر و لم يسر معها فلما خرجت قريش إلى أحد سار معها و كان يقول لقريش إني لو قدمت على قومي لم يختلف عليكم منهم اثنان و هؤلاء معي نفر منهم خمسون رجلا فصدقوه بما قال و طمعوا في نصره. قال الواقدي و خرج النساء معهن الدفوف يحرضن الرجال و يذكرنهم قتلى بدر في كل منزل و جعلت قريش تنزل كل منهل ينحرون ما نحروا من الجزر مما كانوا جمعوا من العين و يتقوون به في مسيرهم و يأكلون من أزوادهم مما جمعوا من الأموال. قال الواقدي و كانت قريش لما مرت بالأبواء قالت إنكم قد خرجتم بالظعن معكم و نحن نخاف على نسائنا فتعالوا ننبش قبر أم محمد فإن النساء عورة فإن يصب من نسائكم أحدا قلتم هذه رمة أمك فإن كان برا بأمه كما يزعم فلعمري لنفادينكم برمة أمه و إن لم يظفر بأحد من نسائكم فلعمري ليفدين رمة أمه بمال كثير إن كان بها برا فاستشار أبو سفيان بن حرب أهل الرأي من قريش في ذلك فقالوا لا تذكر من هذا شيئا فلو فعلنا نبشت بنو بكر و خزاعة موتانا. قال الواقدي و كانت قريش بذي الحليفة يوم الخميس صبيحة عشر من مخرجهم من مكة و ذلك لخمس ليال مضين من شوال على رأس اثنين و ثلاثين شهرا من الهجرة فلما شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 220أصبحوا بذي الحليفة خرج فرسان منهم فأنزلوهم الوطاء و بعث النبي ص عينين له آنسا و مؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس فاعترضا لقريش بالعقيق فسارا معهم حتى نزلوا الوطاء و أتيا رسول الله فأخبراه و كان المسلمون قد ازدرعوا العرض و العرض ما بين الوطاء بأحد(15/193)
إلى الجرف إلى العرصة عرصة البقل اليوم و كان أهله بنو سلمة و حارثة و ظفر و عبد الأشهل و كان الماء يومئذ بالجرف نشطة لا يرمم سابق الناضح مجلسا واحدا ينفتل الجمل في ساعته حتى ذهبت بمياهه عيون الغابة التي حفرها معاوية بن أبي سفيان و كان المسلمون قد أدخلوا آلة زرعهم ليلة الخميس المدينة فقدم المشركون على زرعهم فخلوا فيه إبلهم و خيولهم و كان لأسيد بن حضير في العرض عشرون ناضحا تسقي شعيرا و كان المسلمون قد حذروا على جمالهم و عمالهم و آلة حرثهم و كان المشركون يرعون يوم الخميس فلما أمسوا جمعوا الإبل و قصلوا عليها القصيل و قصلوا على خيولهم ليلة الجمعة فلما أصبحوا يوم الجمعة خلوا ظهرهم في الزرع و خيلهم حتى تركوا العرض ليس به خضراء.(15/194)
قال الواقدي فلما نزلوا و حلوا العقد و اطمأنوا بعث رسول الله ص الحباب بن المنذر بن الجموح إلى القوم فدخل فيهم و حزر و نظر إلى جميع ما يريد و كان قد بعثه سرا و قال له إذا رجعت فلا تخبرني بين أحد من المسلمين إلا أن ترى في القوم قلة فرجع إليه فأخبره خاليا و قال له رأيت عددا حزرتهم ثلاث آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا و الخيل مائتا فرس و رأيت دروعا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع قال هل رأيت ظعنا قال نعم رأيت النساء معهن الدفاف و الأكبار و هي الطبول فقال رسول الله ص أردن أن يحرضن القوم و يذكرنهم قتلى بدر هكذا شرح نج البلاغة ج : 14 ص : 221جاءني خبرهم لا تذكر من شأنهم حرفا حسبنا الله و نعم الوكيل اللهم بك أحول و بك أصول قال الواقدي و خرج سلمة بن سلامة بن وقش يوم الجمعة حتى إذا كان بأدنى العرض إذا طليعة خيل المشركين عشرة أفراس ركضوا في أثره فوقف لهم على نشز من الحرة فرشقهم بالنبل مرة و بالحجارة أخرى حتى انكشفوا عنه فلما ولوا جاء إلى مزرعته بأدنى العرض فاستخرج سيفا كان له و درع حديد كان له دفنا في ناحية المزرعة و خرج بهما يعدو حتى أتى بني عبد الأشهل فخبر قومه بما لقي. قال الواقدي و كان مقدم قريش يوم الخميس لخمس خلون من شوال و كانت الوقعة يوم السبت لسبع خلون من شوال و باتت وجوه الأوس و الخزرج سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و سعد بن عبادة في عدة منهم ليلة الجمعة عليهم السلاح في المسجد بباب النبي ص خوفا من تبييت المشركين و حرست المدينة تلك الليلة حتى أصبحوا و رأى رسول الله ص رؤيا ليلة الجمعة فلما أصبح و اجتمع المسلمون خطبهم.(15/195)