الليل حتى دخل على زينب ابنة رسول الله ص منزلها فاستجار بها فأجارته و إنما جاء في طلب ماله الذي أصابته تلك السرية فلما كبر رسول الله ص في صلاة الصبح و كبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فصلى رسول الله ص بالناس الصبح فلما سلم من الصلاة أقبل عليهم فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما و الذي نفس محمد بيده ما علمت بشي ء مما كان حتى سمعتم إنه يجير على الناس أدناهم ثم انصرف و دخل على ابنت زينب فقال أي بنية أكرمي مثواه و أحسني قراه و لا يصلن إليك فإنك(15/171)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 196لا تحلين له ثم بعث إلى تلك السرية الذين كانوا أصابوا مال أبي العاص فقال لهم إن هذا الرجل منا بحيث علمتم و قد أصبتم له مالا فإن تحسنوا و تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك و إن أبيتم فهو في ء الله الذي أفاء عليكم و أنتم أحق بهالوا يا رسول الله بل نرده عليه فردوا عليه ماله و متاعه حتى إن الرجل كان يأتي بالحبل و يأتي الآخر بالشنة و يأتي الآخر بالإداوة و الآخر بالشظاظ حتى ردوا ماله و متاعه بأسره من عند آخره و لم يفقد منه شيئا ثم احتمل إلى مكة فلما قدمها أدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع معه بشي ء حتى إذا فرغ من ذلك قال لهم يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا لقد وجدناك وفيا كريما قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و الله ما منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني أرد أن آكل أموالكم و أذهب بها فإذ سلمها الله لكم و أداها إليكم فإني أشهدكم أني قد أسلمت و اتبعت دين محمد ثم خرج سريعا حتى قدم على رسول الله المدينة. قال محمد بن إسحاق فحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ص رد زينب بعد ست سنين على أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا قال الواقدي فلما فرغ رسول الله ص من أمر الأسارى و فرق الله عز و جل ببدر بين الكفر و الإيمان أذل رقاب المشركين و المنافقين و اليهود و لم يبق بالمدينة يهودي و لا منافق إلا خضعت عنقه. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 197و قال قوم من المفقين ليتنا خرجنا معه حتى نصيب غنيمة و قالت يهود فيما بينها هو الذي نجد نعته في كتبنا و الله لا ترفع له راية بعد اليوم إلا ظهرت. و قال كعب بن الأشرف بطن الأرض اليوم خير من ظهرها هؤلاء أشراف الناس و ساداتهم و ملوك العرب و أهل الحرم و الأمن قد أصيبوا و خرج إلى مكة فنزل على أبي وداعة بن ضبيرة و جعله يرسل هجاء المسلمين و رثى(15/172)
قتلى بدر من المشركين فقال
طحنت رحى بدر لمهلك أهله و لمثل بدر يستهل و يدمع قتلت سراة الناس حول حياضه لا تبعدوا إن الملوك تصرع و يقول أقوام أذل بعزهم إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ظلت تسيخ بأهلها و تصدع نبئت أن الحارث بن هشامهم في الناس يبني الصالحات و يجمور يثرب بالجموع و إنما يسعى على الحسب القديم الأروع
قال الواقدي أملاها علي عبد الله بن جعفر و محمد بن صالح و ابن أبي الزناد فلما أرسل كعب هذه الأبيات أخذها الناس بمكة عنه و أظهروا المراثي و قد كانوا حرموها كيلا يشمت المسلمون بهم و جعل الصبيان و الجواري ينشدونها بمكة فناحت بها قريش شرح نهج البلاغة ج : 14 ص 198على قتلاها شهرا و لم تبق دار بمكة إلا فيها النوح و جز النساء شعورهن و كان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه فتوقف بين أظهرهم فينوحون حولها و خرجن إلى السكك و ضربن الستور في الأزقة و قطعن فخرجن إليها ينحن و صدق أهل مكة رؤيا عاتكة و جهيم بن الصلت. قال الواقدي و كان الذين قدموا من قريش في فداء الأسرى أربعة عشر رجلا و قيل خمسة عشر رجلا و كان أول من قدم المطلب بن أبي وداعة ثم قدم الباقون بعده بثلاث ليال. قال فحدثني إسحاق بن يحيى قال سألت نافع بن جبير كيف كان الفداء قال أرفعهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله ص. قال الواقدي و قال رسول الله ص في أبي وداعة إن له بمكة ابنا كيسا له مال و هو مغل فداءه فلما قدم افتداه بأربعة آلاف و كان أول أسير افتدي و ذلك أن قريشا قالت لابنه المطلب بن أبي وداعة و رأته يتجهز يخرج إليه لا تعجل فإنا نخاف أن تفسد علينا في أسارانا و يرى محمد تهالكنا فيغلي علينا الفدية فإن كنت تجد فإن كل قومك لا يجدون من السعة ما تجد فقال لا أخرج حتى تخرجوا فخادعهم حتى إذا غفلوا خرج من الليل على راحلته فسار أربعة ليال إلى المدينة فافتدى أباه بأربعة(15/173)
آلاف فلامه قريش في ذلك فقال ما كنت لأترك أبي أسيرا في أيدي القوم و أنتم مضجعون فقال أبو سفيان بن حرب إن هذا غلام حدث يعجب بنفسه و برأيه و هو مفسد عليكم إني و الله غير مفتد عمرو بن أبي سفيان و لو مكث سنة شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 199أو يرسله محمد و الله ما أنا بأذكم و لكني أكره أن أدخل عليكم ما يشق عليكم و لكن يكون عمرو كأسوتكم. قال الواقدي فأما أسماء القوم الذين قدموا في الأسرى فإنه قدم من بني عبد شمس الوليد بن عقبة بن أبي معيط و عمرو بن الربيع أخو أبي العاص بن الربيع و من بني نوفل بن عبد مناف جبير بن مطعم و من بني عبد الدار بن قصي طلحة بن أبي طلحة و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي عثمان بن أبي حبيش و من بني مخزوم عبد الله بن أبي ربيعة و خالد بن الوليد و هشام بن الوليد بن المغيرة و فروة بن السائب و عكرمة بن أبي جهل و من بني جمح أبي بن خلف و عمير بن وهب و من بني سهم المطلب بن أبي وداعة و عمرو بن قيس و من بني مالك بن حسل مكرز بن حفص بن الأحنف كل هؤلاء قدموا المدينة في فداء أهلهم و عشائرهم و كان جبير بن مطعم يقول دخل الإسلام في قلبي منذ قدمت المدينة في الفداء سمعت رسول الله ص يقرأ في صلاة المغرب وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ فاستمعت قراءته فدخل الإسلام في قلبي منذ ذلك اليوم
القول في تفصيل أسماء أسارى بدر و من أسرهم(15/174)
قال الواقدي أسر من بني هاشم العباس بن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو و عقيل بن أبي طالب أسره عبيد بن أوس الظفري و نوفل بن الحارث شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 200بن عبد المطلب أسره جبار بن صخر و أسر حليف لبني هاشم من بني فهر اسمه عتبة فهؤلاء أربعة. ون بني المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد و عبيد بن عمرو بن علقمة رجلان أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي. قال الواقدي حدثني بذلك ابن أبي حبيبة قال و لم يقدم لهما أحد و كانا لا مال لهما ففك رسول الله ص عنهما بغير فدية. و من بني عبد شمس بن عبد مناف عقبة بن أبي معيط المقتول صبرا على يد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بأمر رسول الله أسره عبد الله بن أبي سلمة العجلاني و الحارث بن أبي وحرة بن أبي عمرو بن أمية أسره سعد بن أبي وقاص فقدم في فدائه الوليد بن عقبة بن أبي معيط فافتداه بأربعة آلاف. قال الواقدي و قد كان الحارث هذا لما أمر النبي ص برد الأسارى ثم أقرع بين أصحابه عليهم وقع في سهم سعد بن أبي وقاص الذي كان أسره أول مرة و عمرو بن أبي سفيان أسره علي بن أبي طالب ع و صار بالقرعة في سهم رسول الله ص فأطلقه بغير فدية أطلقه بسعد بن النعمان بن أكال من بني معاوية خرج معتمرا فحبس بمكة فلم يطلقه المشركون حتى أطلق رسول الله ص عمرو بن أبي سفيان. و روى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي أن عمرو بن أبي سفيان أسره علي ع يوم بدر و كانت أمه ابنة عقبة بن أبي معيط فمكث في يد رسول الله ص فقيل لأبي سفيان أ لا تفتدي ابنك عمرا قال أ يجمع علي دمي و مالي قتلوا حنظلة و أفتدي عمرا دعوه في أيديهم فليمسكوه ما بدا لهم فبينا هو محبوس بالمدينة خرج شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 201سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف معتمرا و معه امرأة له و كان شيخا كبيرا لا يخشى ما صنع به أبو سفيان و قد عهد قريشا ألاعرض لحاج و لا معتمر فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بمكة بابنه عمرو بن(15/175)